آراءأبرز العناوين

كونوا مع النساء رجالًا

كلمة «رجل» قد انسابت في نهر تراثنا الإسلامي والعربي محملة بأسمى المعاني، ولم يذكرها القرآن الكريم إلا وهي متصلة بفضائل الأخلاق والأعمال.

ذكرها القرآن في معرض الحديث عن الطهارة بكامل ما تعنيه الكلمة من طهارة الباطن والظاهر {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا}.

وفي معرض الحديث عن التعلق ببيوت الله وأداء فرائضه وذكره وإيثار مرضاته {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (36) رِجَالٌ لَا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ}.

وفي معرض الحديث عن البذل والعمل للدين {وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَاقَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ}.

وفي معرض الحديث عن الحزم وشدة العزم {قَالَ رَجُلَانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ}.

لكن الأمة قد ابتليت بشراذم ينتسبون إلى الرجولة زورًا، ليس لهم نصيب منها إلا ما استوطن في أفهامهم العقيمة، من الفحولة وطول الشوارب وخشونة الصوت وسلاطة اللسان ومد اليد بالأذى.

بعض هؤلاء الأشباه، يبحثون عن مغامرات يثبتون فيها رجولتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، فيقذفون النساء بحروفهم من وراء حجاب، فما أيسر أن يضرب أحدهم مفاتيح لوحته ويقذف عرض امرأة، ويتهمها في أخلاقها ونزاهتها، لا لشيء إلا لأن كلماتها لم توافق هواه.

عجز أن يكون له دور في الحياة العملية كالرجال، فلم يجد سوى العنتريات التي يطلقها في عالم الحروف، ويحصي جولاته التي ظن أنه ربحها في رشق النساء بقاذورات منطقه، فهو المفلس العاجز الذي لا يملك من أدوات الخصومة إلا النيل من أعراض النساء. إن للرجولة أصولًا وقواعد، ودلالات من المروءة والشهامة ونبل الأخلاق، لن يغني عنها شاربٌ ترعى عليه الصقور، أو صوت جهوري ترتعد له فرائص أنثاه المسكينة.

على أشباه الرجال أن يبحروا في سير العظماء والنبلاء، حتى يتعلموا معاني الرجولة، ويدركوا كيف يتعامل الرجال مع النساء.

قتلتني شهامة كليم الله موسى مع الفتاتين، أكرمهما القوي الأمين، وأبت نفسه الشريفة أن يحبسهما الضعف عن جلب الماء {فسقا لهما ثم تولى إلى الظل}.

يعلم أن الرجل الحر ما كان له أن يخدش حياء امرأة ويطلق عينيه في تفاصيلها، لا كأشباه الرجال، الذين يعمد الواحد منهم إلى البحث والتنقيب، حتى إذا ما وجد شاردة من القول، أتى بها متهلل الأسارير، ثم يلوي عنق الكلمات، أو يبترها من سياقها، ويغرق في النزع، ويدق عليها الطبول، ويظن أنه قد ظفر بمن كتبتها.

يقولون إن معاملة النساء فن، وأنا أقول إن معاملة النساء شهامة ومروءة ونبل أخلاق، فما كان بالرجل من يجرح امرأة، وما كان بالرجل من يطأ لها على جرح، وما أكرم النساء إلا كريم، وما أهانهن إلا لئيم.

أرثي لحال أشباه الرجال، وأنا أصغي سمعي لنبرة عنترة في زمن الجاهلية:

وأغضّ طرفي ما بدت لي جارتي حتى يواري جارتي مأواها

تبا لمدنية رقدت في قعرها القيم، وضلت في أرضها الشهامة والمروءة، وشطنت عن موارد الأخلاق الزلال.

أبكي على زمن كانت تزحف فيه الجموع من أجل قلب امرأة ألم به الحزن، نعم، ها هو الحاجب المنصور قد رجع إلى قرطبة بعد الغزو، ليوافق صلاة عيد الأضحى، والناس يهللون ويكبرون في مصلاهم، وقبل أن ينزل من على صهوة فرسه، اعترضته امرأة عجوز تقول بقلب قد أتى عليه الكمد: يا منصور كل الناس مسرور إلا أنا.

قال المنصور: وما ذاك؟ قالت: ولدى أسير عند الصليبيين فى حصن رباح، فلم ينزل الرجل من على جواده، ونادى في جيشه ألا تلامس أقدامهم الغبراء حتى يطلقوا أسرى المسلمين. كل ذلك من أجل قلب امرأة، ألا بُعدًا للمتجردين من المروءة، الذين لا يحسنون سوى كسر قلوب النساء، ورحم الله الإمام الشافعي إذ قال: «والله لو كان الماء البارد ينقص من مروءتي لشربته حارًا».

لكم يحزنني غفلة «فرس» لا تعلم أن صاحبها لا يملك أيا من ملامح الفروسية، وأن ذلك المختال فوق ظهرها ما هو إلا صفر في دفتر الرجال، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.

إحسان الفقيه – الشرق القطرية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى