ناهد قرناص

ناهد قرناص تكتب: كوردون .بلو ..

 

 

(هسه دا شنو دا ..ما عرفنا لينا اسم اكلة واحدة كدا ..القالت نجي المطعم دا تجيب لي ولي امرها ) ..تذمرت مها صديقتي من اسماء الاكلات في قائمة الطعام في ذلك المطعم الذي تم افتتاحه حديثا ..كنا نريد ان نكرم احدي الصديقات اللاتي عدن اخيرا من رحلة الدراسات العليا في النمسا ..حضرنا باكرا لاستكشاف المكان ..صدمنا بهذه القائمة التي ما انزل الله بها من سلطان ..قلت لها (صحي والله ..زمان كان تقري الاسماء كدا ..ريقك يجري ..شية ..كبدة مشوية ..بيض بالطوة ..شريفة ..حاجات كدا عليها القيمة ..ايه اللي كوردون بلو ..والفريدو ..شنو ..الاسم ذاتو عشان تنطقه تجيك غصة في الحلق).

عادت بي الذاكرة الى زمان سحيق ..ايام الابتدائي ..ٌقبل ان يمسخ ويدعى الاساس .. ..جاءت الينا ناظرة جديدة للمدرسة ..كانت في ذات الوقت زوجة ضابط كبير في سلاح المدفعية عطبرة ..لذلك كانت تأتي الى المدرسة بسيارة الجيش يقودها سائق ينزل ليفتح لها الباب (دي براها قصة) ..لكن ليس هذا هو المهم ..المهم انها كانت عندها ابنة تماثلنا في العمر ..شاء حظنا الجميل ان تجلس بجانبنا في الكنبة في الفصل ..كانت جميلة ورقيقة ونظيفة (اكثر من اللازم) ..طبيعي فهي تأتي بعربة بينما نحن نضرب (الكداري) جيئة وذهابا ..كنا قد بدأنا في مد حبال التواصل معها ..وسمعنا منها انهم كانوا في امريكا ..وبلاد الفرنجة وماوراء البحار ..ثم بورتسودان ..ومنها الى عطبرة ..ما ان يدق جرس فسحة الفطور ..كانت تنسحب الى مكتب والدتها لتفطر معها ..بينما نحن نجلس حلقة لتخرج كل منا فطورها ..فول ..سلطة اسود ..سلطة بالدكوة .احيانا طحنية..ذات يوم قالت الجميلة الصغيرة انها طلبت من امها ان تشاركنا الفطور ..وغدا ..ستأتي لنا بأكلتها المفضلة لتفطر معنا ..سألناها..ماهي هذه الأكلة ؟؟ قالت بصوتها الرقيق (اوملت)

ما هذا الاوملت يا أمة الله؟؟ تلفتنا تجاه بعضنا البعض ..يبدو انه لم يسمع بها احد قبل ذلك اليوم ..ولم تفسر لنا هي الكلمة ..قالتها عادي كدا ..انصرفنا في ذلك اليوم وفي القلب شئ من (اوملت) ..قلبنا الأمر على وجهاته في التوقعات ولم نرسو على شئ ..فقلنا ان موعدهم الصبح اليس الصبح بقريب؟؟ ..صباح اليوم التالي …الحصتين الاولى والثانية كانتا اطول حصص في عمرنا ..كنا نختلس النظر اليها وهي ساكنة تتابع الدرس باهتمام ..كأنها لا تحمل (اوملت ) في حقيبتها.. قرع الجرس ..وتلاحقنا ..يسبقنا (الشوق قبل العينين) ..اخرجت علبة زهرية اللون ..فتحتها بحرص لتخرج لنا ..قطعة من البيض المقلي مع خضروات ..وين الاوملت ؟؟ سالتها اشراقة السر ..بدهشة ردت الصغيرة (اهو دا ..) ..مصمصت شفتيها اشراقة وقالت بلهجة الشايقية (نان ما تقولي بيض بالبندورة والفلفلية ..الفلقصة عليك شني)..

يبدو ان ثقافة الاوملت قد انتشرت ..وتعددت حتى وصلت اسماء الالات الموسيقية.. اكورديون .وسكسفون ..وايه مش عارف ايه ..اسماء الأكلات لاتوحي لك بمكوناتها ..تلقائيا لا يتم تحفيز الخيال فيها .. ..احتدم الجدال ..لم نستطع اختيار اكلة ..كل اسم تحته شرح وافي لمكونات التركيبة ..اقصد الوصفة ..ونحن في خضم النقاش … ..حضرت المحتفي بها ..دفعنا لها بقائمة الطعام ..قلبتها ..وارجعتها لنا قائلة (ما عندهم قراصة بالدمعة ولا تقلية وعصيدة ..اكل عديل كدا ..ياخ ..مش مركبات ثاني اكسيد المنجنيز دي).

 

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى