تحقيقات وتقارير

شركات المؤسسات العسكرية والأمنية.. ما الجديد؟

إعلان وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي (غير الرسمي) أمس عن اتجاهها لإدراج الشركات الحكومية والأمنية وشركات الجيش في الموازنة العامة الجديدة للعام 2022م، أثار دهشة الأوساط الاقتصادية لجهة أنه ليس بجديد، في ظل توقع عام بتضمين تلك الشركات منذ وقت مبكر.

مراراً وتكراراً.. المدنيون والعسكريون
وبحسب المتابعين والمهتمين فقد أعلنت وزارة المالية هذا الأمر مراراً وتكراراً، آخرها العام المنصرم 2020م بإقرار مجلس الوزراء في جلسته التي عقدت في 19 نوفمبر الماضي بتبعية وإشراف وزارة المالية على جميع الشركات المملوكة للقوات النظامية المختلفة بما فيها الجيش والشركات الحكومية في موازنة العام المالي الحالي 2021م، مما فتح باب التكهنات أمام إعادة إنتاج الأزمة المكتومة بين جناحي الحكومة الانتقالية بالسودان (المدني والعسكري) حيث يصر الجناح المدني على إخلاء طرف نظيره العسكري من كافة الشركات التي يسيطر عليها والتي تتحكم بقوة في مفاصل الاقتصاد دون مردود على الخزينة العامة وإلحاقها بمثيلاتها من الشركات التي تتبع للحكومة.. بينما يرفض الجناح العسكري بقوة التوجه ويصر على تمسكه بها ووضعها تحت بند الـ(الخطوط الحمراء) بحجة أن الشركات والمؤسسات العسكرية “قطاع عام”، وبالتالي فإن إدارة هذه الشركات لا يتناقض مع فهم الحكومة وإلحاحها على إعادتها للقطاع العام نفسه.

أسماء وأرقام.. شركات كبيرة
ويبلغ عدد الشركات التابعة للجيش أكثرمن 200 شركة تعمل في مجالات حيوية منها (34) شركة تابعة لوزارة الدفاع تشمل (شركة الأمن الغذائي، شركة الكيماويات والخدمات التقنية الطبية المحدودة، شيكان للتأمين وإعادة التأمين، كرري للطباعة والنشر، البحرالأحمر للملاحة والخدمات، النيل الأبيض للصناعات الجلدية، بروج المحدودة، اليرموك للخدمات الصناعية المحدودة، زادنا العالمية للاستثمار المحدودة، شركة أميال للانتاج الاعلامي، ماريل الهندسية المحدودة، مركز السودان للهندسة والمعلومات، باجل المحدودة، مجمع صافات للتدريب المحدودة، مجمع جياد لصناعة الآليات الثقيلة، جياد لصناعة السيارات والشاحنات المحدودة، تمود للتجارة والاستثمار، سور العالمية للاستثمار المحدودة، الشركة السورية للاسكان والتنمية المحدودة، مجمع صافات لتأهيل الطائرات المحدودة، ساسوي للطرق والجسور، الساطع للنقل والإستثمار المحدودة، زادي للتجارة والمقاولات، سباركو إنترناشونال للتنمية المحدودة، شركة نهج لأنظمة الطرق المحدودة، مجمع صافات القابضة المحدودة، جولي القابضة, فلامنجو للأعمال البحرية، رايت تراك للتقنية المحدودة، ماريا انترناشونال للأعمال المتقدمة، ساميتكس للنسيج والاستثمار المحدودة، أم سي القابضة المحدودة.

حمدوك والبرهان.. تناقض المواقف
وأوضحت تصريحات سابقة لرئيس الوزراء د. عبدالله حمدوك ورئيس مجلس السيادة عبدالفتاح البرهان، موقف الرجلين الحاسم من هذه القضية، حيث اعتبر حمدوك قضية استعادة الشركات الاقتصادية للقطاعين الأمني والعسكري أولوية لدى الحكومة الانتقالية تحتم إخضاعها لوزارة المالية.
وشرعت وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي فعليا في حصر شركات الجيش والشركات الحكومية، ربما للبدء فعليا في إتباعها للوزارة، وذلك بنشرها على موقعها الالكتروني مصفوفة أولية ببيانات الهيئات والشركات التي تملكها مؤسسات الدولة المختلفة والمسجلة لدى المسجل التجاري.. ونوهت لاستكمال عملية حصر وتحديث البيانات بصورة دورية ومستمرة بالتعاون مع المسجل التجاري.
بالمقابل قال الفريق البرهان، في لقاء سابق بضباط وجنود بالمنطقة العسكرية إن الجيش السوداني حصر 450 شركة حكومية غير تابعة له، فوجد أن من يعمل منها بصورة رسمية نحو 200 شركة فقط بينما يتبع المتبقي منها لمؤسسات ووزارات دون أساس، كاشفا عن طرحهم هذا الأمر على مجلس الوزراء، لكنه لم يفعل.
ونوه البرهان حينها الى أن شركات الجيش لم تحتكر تصدير السمسم أو المواشي أو الذهب، والفاشلون هم من يريدون تعليق شماعة إخفاقاتهم الاقتصادية على القوات المسلحة.
وأقر مجلس الوزراء في وقت سابق بأهمية إجراء تقييم أداء موازنة العام الماضي 2020م ضمن مشروع موازنة العام الحالي 2021م والتأكيد على ولاية وزارة المالية على المال العام وإشراف وزارة المالية على جميع الشركات الحكومية والمملوكة للقوات النظامية المختلفة.

لا ضم بحكم قانون الشركات
وانقسم بالمقابل المحللون الاقتصاديون والأمنيون ما بين مؤيدين ومعارضين لإمكانية تبعية مؤسسات القوات النظامية للمالية، حيث أكد بعضهم أهمية الخطوة، بينما يرى آخرون أن تطبيق ذلك سيتسبب في موتها (إكلينيكيا)ويضيف أعباء ضخمة على وزارة المالية بتمويل الجيش ومؤسساته .
وقال الرئيس السابق للجنة حصر ومراجعة الشركات الحكومية، رئيس الادارة القانونية بمجلس الوزراء مولانا محمد الغالي إن ضم شركات المؤسسات الحكومية والعسكرية للمالية غير وارد لأنها محكومة بقانون الشركات وهي مسجلة وتمتلك شخصيات اعتبارية ، مشيرا لفرضية امتلاك الحكومة السودانية لأعلى نسبة في الشركات الحكومية البالغ عددها(431) شركة والتي تعتبر مصدرا للفساد وتبديد المال العام ونزيفا للخزينة العامة بدلاً عن دعمها وذلك بسبب ضعف الرقابة الحكومية عليها.
ووصف مولانا الغالي شركات الجيش بالأكثر انضباطا في سداد الضرائب والالتزامات الأخرى مقارنة بنظيراتها الحكومية ، ولذلك فإن تبعيتها لوزارة المالية ستجعلها غير منضبطة وستتحمل وزارة المالية مسئولية تمويل هذه المؤسسات بشكل كامل .
ودعا وزير سابق – أمسك عن ذكر اسمه – لضرورة التمييز بين الشركات الحكومية المملوكة لحكومة السودان بحكم القانون ومسجلة بسجل الشركات وبين الشركات الرمادية المملوكة للحكومة واقعا لكنها مسجلة قانونا بأسماء أفراد وغير مرئية للمراجع العام. وأقر بصعوبة حصر الشركات الرمادية.

وقال إن أصواتا تنادي بأيلولة كل هذه الشركات لوزارة المالية بحكم ولايتها على المال العام وأخرى سياسية لها أهداف أخرى مرتبطة بمصالح بعض بيوتات الأعمال والتي لديها الرغبة في الاستحواذ على بعض هذه الشركات المهمة العاملة في مجال الاتصالات والزراعة.
وأشار لعدم ضرورة أن يكون مفهوم ولاية المالية على المال العام على هذه الشركات أن تكون الوزارة المشرف الفعلي عليها حيث يمكن أن تتحقق ولايتها على المال العام بعد حصر هذه الشركات وتحديدها من حيث التخصص ومجال العمل بإتباع الشركات الزراعية مثلا لوزارة الزراعة والصناعية لوزارة الصناعة والمرتبطة بتخصص عمل القوات النظامية بإخضاعها للجهات النظامية وأن تلتزم جميعها بضوابط وزارة المالية وتراجع من قبل المراجع العام.
وأشار لإمكانية تحقيق هذه الشركات ربطا ماليا شهريا او سنويا تسهم به في الميزانية العامة على أن يتم تسوية هذه المدفوعات مع الأرباح الفعلية بنهاية العام أسوة بالنظام المعمول به في شركة السكر السودانية.
وقال إن المدخل لمعالجة هذا الخلاف مهني بحت وليس سياسيا بالاستعانة بالمراجع العام وفريق فني ولجنة قومية لمراجعة وحصر هذه الشركات وأوجه صرفها .

تقرير حصر الشركات الحكومية
وأشار آخر تقرير للجنة حصر الشركات الحكومية لأهمية تصفية (105) شركة من أصل(431) شركة حكومية لعدم إيداعها لأي أموال بالخزينة العامة منذ تأسيسها،ورصد (43) شركة منها لا تساهم في الموازنة، و(12) شركة تساهم في دعم الخزينة العامة عبر فوائدها وارباحها، واكثر من (80%) لا تدعم الخزينة العامة للدولة، فضلا عن رصد (26) شركة تتبع للامن والحكومة خارجة عن سيطرة المالية.
ورفض الرئيس السابق للجمارك السودانية الفريق صلاح الدين الشيخ أي توجه لتسليم مؤسسات الجيش والقوات النظامية للمالية، وقال: لا يمكن تمليك هذه المؤسسات للجناح المدني لأنها تصنع أدوات التصنيع الحربي كالأسلحة والذخائر وغيرها ، ولديها تعامل مع مؤسسات نظيرة بالدول الأخرى وإفشاء هذه الأنشطة يضر بالأمن الوطني ، وزاد: لا يوجد جيش في العالم لا يملك شركات ومؤسسات خاصة به.
وأشار الشيخ الى أن وزارة المالية أثبتت عدم كفاءتها في إدارة الشركات التابعة للحكومة ولا يمكن تمليكها شركات القوات النظامية والجيش .
وقال الخبير الضريبي د.عادل عبدالمنعم إن الشركات النظامية من أنجح الشركات وأكثرها التزاما بسداد الضرائب وتورد سنويا ايرادات بمبلغ (2) مليار جنيه سوداني في شكل ضريبة أرباح أعمال ورسوم دمغة وقيمة مضافة ودخل شخصي ، مشيرا الى أن تبعيتها للمالية يعود بمردود سالب وقد تضطر لخصخصتها لتوفير موارد أو بيعها بالخسارة ، لعدم قدرتها على الصرف على القوات المسلحة والنظامية والتي توفر أموالا من أنشطتها الاقتصادية والتجارية تنفق بها على نفسها وتدعم بها السوق المحلي بـ(صناعة الأقمشة والملبوسات والأحذية ومدخلات الإنتاج والسلع الغذائية) بدلا عن الاعتماد على الخزينة العامة .
وقال عبدالمنعم إن شركات الجيش موجودة بكل دول العالم حيث تسيطر في مصر مثلا على نحو (40)% من الناتج المحلي الإجمالي.

وقال مدير جهاز الأمن الاقتصادي السابق ، المحلل د. عادل عبدالعزيز: لقد أجريت مقارنة للقيمة السوقية لشركات الجيش (مجموعة الصناعات الدفاعية) مع بعض الشركات والمؤسسات الحكومية الأخرى استندت فيها لبعض لبعض البيانات المالية الواردة بتقارير وزارة المالية، وسوق الخرطوم للأوراق المالية، والمراجع القومي. وجانب من بحوث الماجستير في كلية الدفاع الوطني.
وقد أثبتت المقارنة أن أصول وموجودات هذه المجموعة يقدر بحوالى 750 مليون دولار، يضاف اليها أصول وموجودات بنك أم درمان الوطني بحوالى 250 مليون دولار، لتكون القيمة التقديرية لكل استثمارات الجيش في حدود مليار دولار أمريكي.
. للمقارنة نجد أن شركات الكهرباء الأربع،وهي شركة توزيع الكهرباء، وشركة نقل الكهرباء، وشركة التوليد الحراري، وشركة التوليد المائي، المالكة لستة سدود، هي مروي والروصيرص، وسنار، وخشم القربة، وجبل أولياء، وستيت، فتبلغ أصول وموجودات هذه الشركات حوالى 20 مليار دولار.
وفي المرتبة الثانية يأتي البنك الزراعي المالك لـ(5) من صوامع الغلال ببورتسودان، والقضارف، وربك، والدبيبات، بطاقة تخزينية 295 ألف طن، ومخازن في كل انحاء البلاد بطاقة 340 ألف طن أخرى. فضلاً 106 فرع و13 مكتب فرعي. لتكون قيمة هذا البنك بموجوداته هذه في حدود 5 مليارات دولار
وقال : تأتي في المرتبة الثالثة هيئة الموانئ البحرية، المالكة لميناء بورتسودان، وميناء الحاويات الجنوبي، وميناء الخير لتصدير البترول، وميناء سواكن، وميناء وادي حلفا وكوستي، لتكون قيمتها بمعداتها ومرافقها حوالي 4 مليارات دولار.

وتأتي في المرتبة الرابعة أصول وموجودات قطاع البترول، المتمثلة في مصفاة الخرطوم 1.2 مليار دولار، فضلاً عن مصفاة أبو جابرة، وثلاثة خطوط لنقل المواد البترولية، مع مضخاتها وتناكر تخزينها، قيمتها حوالى 2 مليار دولار. عليه تقدر قيمة القطاع بحوالى 3.2 مليار دولار.
وفي المرتبة الخامسة تأتي مجموعة سوداتل، التي تبلغ قيمتها السوقية حسب سوق أبو ظبي للأوراق المالية 425 مليون درهم أماراتي. غير أن أصولها على الأرض في السودان، ونصيبها في ثلاثة كوابل بحرية عابرة للقارات، واستثماراتها في موريتانيا والسنغال تشير الى قيمة لا تقل عن 2 مليار دولار.
ومن خلال هذه المقارنة يتضح أن قيمة استثمارات الجيش هي أقل كثيراً من العديد من مؤسسات الحكومة الأخرى الاقتصادية.
وقال عبدالعزيز إن التوجه الذي ينبغي أن نعمل عليه كسودانيين، هو أن ندفع نحو إدراج كل المؤسسات الاقتصادية الكبرى في السودان، بما فيها المملوكة للجيش وللقوات النظامية الأخرى، لأن تكون مسجلة في سوق الخرطوم للأوراق المالية ومفتوحة لمساهمات المواطنين والمستثمرين، وعرض حساباتها بشفافية حسب قانون السوق. وسوف يؤدي هذا لرفع القيمة السوقية للشركات المدرجة من 1.2 مليار دولار وهي القيمة الحالية، الى حوالى 40 مليار دولار. ويمثل هذا بالطبع تحريكا هائلا لجمود الاقتصاد.

تقرير – هالة حمزة
الخرطوم: (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى