تحقيقات وتقارير

اتّفاق مَسَار الشّرق.. جَدَلٌ ينتهي بالعنف

 

في وقتٍ، انصاعت فيه الدولة لرغبات بعض الأصوات في شرق السودان الرافض لمسار الشرق في مفاوضات جوبا، وللوالي المُعيّن في كسلا صالح عمار بإصدار رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك الثلاثاء، قراراً بإعفاء والي كسلا صالح محمد صالح عمار بعد 70 يوماً من تعيينه مع وقف التنفيذ في المنصب، كما أبلغ رئيس المجلس السيادي الفريق أول عبد الفتاح البرهان، رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا محمد الأمين تِرِق بقرار تجميد مسار الشرق في مُفاوضات جوبا لحين عقد مؤتمر الشرق التشاوري لاستيعاب آراء الرافضين في الاتفاق، نظّم محتجون على قرار إقالة صالح، حملات إسفيرية واسعة، منها مقطع فيديو بثّه رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة الأمين داؤود محمود، على منصات التواصل الاجتماعي، أمهل فيه الحكومة 24 ساعة للعدول عن قرار إقالة والي كسلا، كما تطورت ردود الفعل، الأربعاء، باحتجاجات في ولايتي البحر الأحمر وكسلا، وتمثلت الاحتجاجات في إغلاق الطريق القومي صبيحة أمس الأول لنحو ساعة، وتسببوا في إعاقة حركة البصات السفرية من بورتسودان إلى الولايات الأخرى، كما قام المحتجون بتتريس الشوارع والطرق المؤدية إلى الميناء الشمالي عند مدخل كوبري هدل الرابط بين الأحياء الشرقية والغربية لمدينة بورتسودان لنحو خمس ساعات.

وفي مدينة سواكن، أدّت الأحداث والمُناوشات بين الرافضين والمُؤيِّدين لقرار إقالة والي كسلا إلى مقتل وإصابة عدد من المواطنين.
وقالت مديرة قطاع الصحة بولاية البحر الأحمر د. زعفران محمد أحمد الزاكي لــ(السوداني)، إن مستشفى سواكن استقبل (٦) قتلى ونحو (١١) شخصاً مصابين في الأحداث بسواكن.
وقال رئيس المجلس الأعلى لنظارات البجا، ناظر عُمُوم الهدندوة، سيد محمد الأمين تِرِق في تسجيل صوتي اطلعت عليه (السوداني)، إنّ المجلس السيادي أبلغه بتجميد الاتفاق الخاص بالشرق لحين عقد المؤتمر التشاوري، وأوضح تِرِق أن المؤتمر المقصود ليس الذي نصّت عليه الاتفاقية، وإنما هو مؤتمر يقيمه جميع أهل الشرق، مبيناً أن المسار يمثل وجهة نظر أقلية ولا يمثل الشرق لذلك رفضناه، ونشكر الدولة على تفهُّم الوضع. وكشف عن تكوين لجنة مُشتركة لتنفيذ توصيات ومقررات مؤتمر سنكات التي أجازها نصف مليون مواطن في الشرق، بجانب لجنة أخرى لتنفيذ شروط المُصالحة الأهلية (القلد) المبرم في نوفمبر الماضي ببورتسودان والتي تنص على إعادة ترسيم الحدود بين القبائل ومراجعة الهوية الوطنية لسُكّان الإقليم، مبيناً أنّ مجموعات من اللاجئين الإريتريين حصلت على أرقام وطنية في الشرق واتهمها بأنها هي التي تسبّبت في زعزعة أمن الإقليم وإشعال الفتن القبلية، وشدد على أنّ قبائل الشرق ليست بينها مشاكل وتجمعها علاقات الجوار والمُصاهرة والعيش الكريم والسوالف المتينة، ونفى بشدة أن تكون لديهم مشكلة قبلية، وتعهّد بالعمل على جمع الصف ونبذ الخلافات وتفويت الفرصة على المُتآمرين.

وفي ذات السياق، قال ناظر قبائل البني عامر علي إبراهيم دقلل في تسجيل صوتي، إنّهم كقبيلة لا علاقة لهم بتعيين أو إقالة صالح عمار، فقد اختارته حاضنة سياسية وليست القبيلة، لكن بعد التداعيات الأخيرة قدِمنا للخرطوم والتقينا برئيس الوزراء وتفاكرنا معه، وتقدّمنا بمبادرة لاحتواء الأزمة، وكنا على تواصل مع اللجنة التنفيذية للإدارة الأهلية بالسودان للمشاركة في المبادرة، إلا أننا فُوجئنا بخبر إقالة الوالي، الأمر الذي تَسَبّبَ في أحداث أمس، ونحن نحمِّل الحكومة وحاضنتها السياسية التي عيّنت ثم أقالت الوالي صالح عمار، ونحن لم نكن طرفاً.

 

لماذا رفض المسار؟
تلاقت رؤى أغلب أهل الشرق في الإجماع على رفض مسار الشرق بجوبا حتى قبل انطلاق المفاوضات، ترى لماذا الإجماع على رفض المسار؟ انفراد بمجموعة في منبر الشرق في مفاوضات الحكومة مع الجبهة الثورية بجوبا دون اصطحاب باقي مكونات الشرق، الأمر أزعج باقي المجموعات السكانية في إقليم شرق السودان، ثم كانت زيارة رئيس الجبهة الشعبية للتحرير والعدالة الأمين داؤود محمود في التاسع من نوفمبر 2019 بوصفه مُبشِّراً بالسلام، إلا أن ندواته وأنشطته ذات الطابع القبلي، أثارت حفيظة بقية المجموعات القبلية والقِوى السِّياسيَّة بالشرق، فكانت الأحداث الدامية التي أعقبت زيارته إلى بورتسودان وتَسَبّبَت في مقتل (9) أشخاص وجرح نحو (40) آخرين يوم 18 نوفمبر 2019 ببورتسودان، منها كانت انطلاقة الفتن القبلية، وإجماع عدد كبير من أهل الشرق على رفض المسار، وفي المُقابل كانت تحرُّكات الاصطفاف القبلي المُساند والمُوازي لتلك التحركات من قِبل قبائل المتبنين للمسار، فكان التخندق والاصطفاف الذي أثّر على صيرورة العملية السياسية وأدى لتعطيل مسار الشرق واضطرار أطراف الاتفاق في الحكومة والجبهة الثورية وبعلم ومُوافقة الوسيط على إرجاء تنفيذ الشق الخاص بالشرق في الاتفاقية لحين عقد مؤتمر يتراضى عليه جميع أهل الشرق على صيغة المُشاركة في الحكم والإدارة وتعزيز التعايش واستدامة التنمية والاستقرار.

 

ماذا قال الوالي المُقال؟
وصف صالح عمار، قرار إقالته بأنه جاء رضوخاً لابتزاز مارسته مجموعة من بقايا المؤتمر الوطني وسدنة النظام المُباد تحت ستار زعيم قبيلة نحترمها، وكما نعلم وجود مجموعات من الفاسدين وأصحاب المصالح، تقف وراء المجموعة العُنصرية التي تعمل على جرّنا إلى فتنة ومُواجهات قبلية ومجتمعية. والاستجابة لأجندة هذه المجموعة نعلم أنه يهدف إلى وقف التحول الديمقراطي بتعيين الولاة المدنيين في الولاية وفخٌ لجرّ إنسان الولاية في أتون المواجهات القبلية والمجتمعية.
وقال مقرر المجلس الأعلى لنظارات البجا عبد الله أوبشار بولاي لـ(السوداني)، إن أحداث أمس الأول تَسَبّبت في الغَدر والقتل لـ(6) من عُمّال ميناء سواكن وهم يرتدون زي الموانئ ولم يتم قتلهم في مُواجهات، وحمّل حكومة الولاية، مسؤولية القبض على منظمي الاحتجاجات، والمُحرِّضين الذين بثُّوا رسائلهم بالصوت والصورة في كل وسائل الإعلام، يُحرِّضون الناس على الخروج، ويتوعّدون ويتحدون قرارات الدولة، وبسبب تحريضهم عاث أتباعهم الفوضى والقتل والترويع، وطالب أوبشار بحفظ هيبة الدولة وردع المُتفلتين، وقال إنهم لم يعتدوا طيلة احتجاجاتهم على أحدٍ، ولم يتسبّبوا في مقتل أحد سوى حوادث فردية محدودة، لكن منظمو احتجاجات الأمس قصدوا إثارة الشرق لإشعاله وإحداث فتن بين القبائل، لكننا مُدركون لحجم المُؤامرة ولن ننجر وراء استفزازاتهم، وندعو أهلنا لضبط النفس، وقادرون على أخذ حقوقنا بالقانون.

مُؤتمرٌ تشاوريٌّ
تعيين وإقالة شاغلي المواقع الدستورية، ترتكز على رؤى موضوعية وفق قراءات ذات مضامين عملي،ة وفي قضية شرق السودان ينبغي قراءة الواقع، وأعتقد أن الأمر يحتاج لأن يجلس الجميع بكافة مكوناتهم في طاولة مؤتمر تشاوري يبحث القضايا من كافة جوانبها، خَاصّةً فيما يتعلّق بقضايا التنمية المُتوازنة والخدمات التي ينبغي أن تكون الأكثر حضوراً من القضايا السياسية، وأعتقد أننا نحتاج أن نهندس الواقع بشكل عملي وبمشاركة الجميع دون إقصاءٍ أو حجرٍ لأيّة جهة للخروج بقضية شرق السودان إلى بر الأمان، ونعيد للشرق أخلاقه وعاداته السمحاء، وديدنه في التلاقُح والتسامُح والتعايش مع الجميع دون فرزٍ.. فالشرق هو بوتقة التلاقي.

 

تقرير – عبد القادر باكاش

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى