تحقيقات وتقارير

حمدوك إلى واشنطن.. رحلة تحاصرها التحديات

عندما تحلق طائرة رئيس الوزراء عبد الله حمدوك مطلع ديسمبر المقبل لعبور المحيط الأطلنطي والوصول للأراضي الأمريكية سيكون تركيزه منصباً طوال رحلة الخمسة أيام بشكل أساسي على مناقشة ملف رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو يدرك جيداً أنه وعلى مدى عقود، كانت الولايات المتحدة تنظر إلى السودان كطفل مشاكس في إطار الأسرة الدولية، لذلك يصبح مثل عدو مشترك للديمقراطيين والجمهوريين بكل اختلافاتهما، ليتوافقا على معاقبته وعزله.

 

تعتبر الحكومة الانتقالية في السودان أن إزالة اسم السودان من لائحة الإرهاب تمثل أبرز التحديات التي تواجهها وتنعكس بشكل أساسي على الأولويات وعلى رأسها فرص تجاوز الأزمة الاقتصادية خاصة فيما يلي إدماج السودان في النظام الاقتصادي العالمي وإعفاء ديونه الخارجية التي تصل لنحو 56 مليار دولار فضلاً عن دخول الاستثمارات الكبيرة.
مصادر مطلعة قالت لـ(السوداني) إن هناك ترتيبات تجرى لعقد جلسة محادثات مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونائبه مايك بينس ووزير الخارجية مايك بومبيو إلى جانب 15 اجتماعاً مع أعضاء من مجلس الأمن القومي ونواب في الكونغرس ومجلس الشيوخ بجناحيه (جمهوريين وديمقراطيين).
وأضافت ذات المصادر أن برنامج حمدوك سيتضمن اجتماعات برؤساء لجان في “الكونغرس”، ومسؤولين في الإدارة الأمريكية، ورئيس البنك الدولي، والمديرة التنفيذية لـ”صندوق النقد الدولي”، لبحث رفع العقوبات المفروضة على السودان، بموجب قائمة الدول الراعية للإرهاب، وقانون سلام السودان، وشطب اسمه من تلك القائمة التي أدرج فيها منذ العام 1993 بسبب اتهامات لحكومة الرئيس المخلوع عمر البشير بدعم الإرهاب.
رئيس الوزراء حمدوك دعا الولايات المتحدة إلى حذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب وإيقاف معاقبة شعب السودان على الجرائم التي ارتكبها النظام السابق، مضيفاً:”السودان الجديد الذي يدعم الحكم والديمقراطية ليس تهديدً لأي دولة في العالم”.
حمدوك أضاف أيضاً”قطعنا شوطاً كبيراً في معالجة هذا الموضوع وسنصل إلى نتائج إيجابية ومرضية”.
ونفى حمدوك في تقارير إعلامية وجود اشتراطات لدى واشنطن، لرفع اسم بلاده من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، وأشار إلى وجود “تجاوب وتعاون مثمر” من قبل الإدارة الأمريكية لفتح صفحة جديدة في العلاقات الثنائية، معرباً عن ثقته بالتوصل إلى حلّ لهذا الملف في نهاية المطاف.
وقال حمدوك: “حوارنا مع الإدارة الأمريكية ومؤسسات صنع القرار في واشنطن لم تتطرق إلى شروط، وإنما إلى (آليات عمل) لخلق الظروف التي تمكن من رفع اسم السودان من هذه القائمة”.
وأجرت وزيرة الخارجية أسماء محمد عبد الله مباحثات الخميس الماضي مع المبعوث الأمريكي الخاص للسلام في السودان، دونالد بوث ناقشت الحوار الثنائي المفضي لتطبيع العلاقات ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب. وتطرق الاجتماع بشكل أساسي لسبل تطبيع العلاقات وشطب السودان من قائمة الإرهاب.
وبحسب بيان صحفي “ناقش الجانبان الجهود المشتركة لتطبيع العلاقات الثنائية بين السودان والولايات المتحدة بما في ذلك الارتقاء بالعلاقات الدبلوماسية إلى مستوى السفراء”.
ولم يوضح تصريح الخارجية السودانية ما إذا كان الاتفاق الجديد سيكون مشابهاً أم لا للاتفاق الذي تم التوصل إليه بين الإدارة الأمريكية والنظام السابق في نوفمبر 2018.

الموقف الأمريكي
أبدت الولايات المتحدة رغبتها في العمل مع الحكومة السودانية ودعمها في دفع العملية السلمية مع الاستعداد للمعاونة في كتابة الدستور وإجراء الانتخابات بنهاية الفترة الانتقالية.
وقال مساعد وزير الخارجية الأمريكية للشؤون الإفريقية ثيبور ناجي، إن الإدارة الأمريكية تتحرك “بأسرع سرعة ممكنة” لحذف السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب.
وكان الدبلوماسي الأمريكي يجيب على سؤال من رئيسة اللجنة الفرعية من لجنة العلاقات الخارجية في مجلس النواب كارين ياس أثناء مناقشة ميزانية 2020 والأموال المخصصة لإفريقيا في مجلس النواب الأمريكي.
واستفسرت كارين ناجي قائلة: اين نحن بالنسبة للعقوبات؟ هل تجري مراجعة لوضع السودان في قائمة الدول التي ترعى الإرهاب بالنظر إلى التحول الذي حصل والضحايا الذين سقطوا في سبيل ذلك؟
ورد تيبور مؤكداً على الشراكة مع السودان وتبدل النظرة إليه مقارنة بالماضي في أعقاب تشكيل الحكومة الانتقالية.
وقال “الشيء المهم إننا ننظر للسودان الآن كشريك فاعل نتعامل معه وليس الخصم الذي كنا نتعامل معه في الماضي”.
وأردف “نحييهم لقدرتهم على الوصول لاتفاق الحكومة الانتقالية في خضم أزمة، بخلاف جنوب السودان الذين استمروا في الفشل وراء الفشل”.
وأكد العزم على العمل الجدي لدعم عملية الانتقال، لافتاً إلى اجتماع أصدقاء السودان الذي إلتأم في واشنطن قبل أسبوعين وتواصل عملية الحوار مع الخرطوم حول قائمة الإرهاب وكيفية حسمها.
وعندما استفسرت كارين الدبلوماسي عن مستوى تصنيف السودان في القائمة السوداء والمرحلة الحالية التي وصلت إليها عملية الإزالة قال: نحن في خضم هذه العملية. كل الأطراف في المجتمع الدولي توجه لي نفس السؤال حول توقيت حذف اسم السودان من قائمة الإرهاب”.
وتابع “جوابي هو إنها ليست كفتح مفتاح كهربائي (يحدث فجأة) لأنه إجراء لأن هناك شروطاً يجب تطبيقها. لكن أستطيع التأكيد لك أننا نتحرك بأسرع سرعة ممكنة”.
وكشفت كارين عن اعتزامها زيارة الخرطوم قريباً طالبة من ناجي تقديم تنوير حول عملية حذف اسم السودان من قائمة الإرهاب والوقت الذي تستغرقه والإجراءات المستخدمة، غير أن المسؤول الأمريكي قال إن نقاش كل ذلك ممكن على أن تكون الجلسة مختلفة – سرية.
وليس بعيداً عن هذا أعلن المبعوث الأمريكي الخاص للسودان دونالد بوث في تصريحات صحفية عقب زيارتهم للخرطوم خلال الأيام الماضية رغبة بلاده في العمل مع الحكومة، وأوضح أنه عقد لقاءات مع عدد من التنفيذيين في هذا الشأن وأن بلاده ستعمل مع شركاء السودان الدوليين لمساعدة الشعب السوداني خلال الفترة الانتقالية.
كبير الباحثين في المجلس الأطلنطي كاميرون هدسون يقول لـ(السوداني) إن الولايات المتحدة الأمريكية لن ترفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب إلا بعد التأكد من استدامة العملية الديمقراطية وعدم عودة الجيش للسلطة، مضيفاً:”سترغب الإدارة الأمريكية في ضمان استمرار التحول الديمقراطي وتقليص التهديدات المحتملة الناجمة عن العودة إلى الحكم العسكري قبل رفع التصنيف”.
ويشير هدسون المسؤول السابق في مجلس الأمن القومي إلى أن جميع مراكز القوة في الولايات المتحدة تميل بشكل إيجابي نحو إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، لافتاً إلى أن التحدي الذي يواجه الخطوة التي تتعلق برفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب أنه توجد القليل من السوابق فيما يتعلق بإبعاد دول عن هذه القائمة.
عملية رفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب تقوم على مراحل تبدأ بطلب الرئيس الأمريكي للمخابرات المركزية بإجراء مراجعة واتخاذ قرار بأن السودان لم يعد يرعى الإرهاب الدولي، ويجب عليه بعد ذلك أن يخطر الكونغرس بنيته لحذف السودان من القائمة، عندئذ يصبح الأمر بيد الكونغرس الذي يمكن له عرقلة جهود الرئيس إذا لم يوافقوا على تقييمه. ومع ذلك، هناك حرية تقديرية واسعة في تحديد العناصر التي تدعم الإرهاب، ولسوء الحظ، يمكن وضع مطالب أكثر تعقيداً على السودان إذا اختارت الإدارة أو الكونغرس.
يعلق هدسون على هذه النقطة ويقول:”قد يبدو هذا وكأنه تحريك للمرمى، لكن يجب أن يدرك الناس أن القرار سياسي في المقام الأول سيما وأنه لا توجد معايير قانونية واضحة”.
هدسون يشير إلى أن 60 في المائة من سكان السودان البالغ عددهم 42 مليون نسمة تقل أعمارهم عن 24 سنة، أي يعني أنهم ولدوا بعد فرض العقوبات الأمريكية على السودان التي جعلت منه دولة منبوذة، مضيفاً أن هؤلاء الشباب هم من قاموا خلال الأشهر العشرة الماضية بإشعال ثورة للمطالبة بالديمقراطية وحقوق الإنسان والوظائف.
مراقبون يتوقعون أن ترهن الولايات المتحدة رفع السودان من لائحة الإرهاب بالعديد من المتطلبات على رأسها محاربة الإرهاب والتعاون الاستخباراتي وتعزيز حقوق الإنسان ومحاربة التهريب والاتجار بالبشر، وتهريب الأسلحة واحتجاز الإرهابيين المعروفين الذين يعبرون السودان. الأهم من ذلك، من غير المرجح أن ترغب الإدارة في التحرك بسرعة خاصة أن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لم يمكث في منصبه كثيراً.

وصفة الاطلنطي
المجلس الأطلنطي أحد مراكز التفكير المهمة في الولايات المتحدة قدم في وقتاً سابق إبان نهاية حكم البشير حزمة من التوصيات للخرطوم تقدم بموجبها تعهدات بالتزامات جديدة كعربون لتحريك ملف رفع العقوبات يبدو أنها تحققت بشكل تلقائي فور إسقاط البشير.
وتتلخص هذه التوصيات في سلام دائم ومستدام في المنطقتين، وخلق بيئة تمكّن من المشاركة السياسية لزيادة الثقة بين الفرقاء السياسيين والسماح للأصوات المعارضة بالمشاركة في عملية كتابة الدستور وقانون الانتخابات، وإتاحة مزيد من الحريات أمام منظمات المجتمع المدني، علاوة على تعزيز حقوق الإنسان والحريات الدينية.
وفوق كل ذلك الوفاء بكل الاشتراطات القانونية المطلوبة لإبطال التصنيف ضمن الدول الراعية للإرهاب: “على الحكومة السودانية ضمان عدم القيام بأي دعم للمجموعات المصنفة ضمن لائحة المنظمات الإرهابية.وأن تكون على استعداد لتقديم تعهد كتابي بأن السودان يمتنع عن إقامة أية علاقة مع هذه المجموعات”.
في المقابل يدعو الاطلنطي واشنطن في حال إيفاء السودان بالتزاماته لمراجعة وجوده ضمن لائحة الدول الراعية للإرهاب بالتنسيق مع الجهات القانونية ذات الاختصاص، وأنه إذا تبين أن السودان وجد خالي الطرف فإن على الإدارة إبلاغ الكونغرس بقرارها بشطب السودان من اللائحة.
إلى جانب ذلك تسهيل إعفاء الديون بالاشتراك مع الكونغرس، وصندوق النقد والبنك الدولي، لتسهيل إعفاء ديون السودان مع الوضع في الاعتبار شطب السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب، وتعهده بالإصلاحات الاقتصادية الضرورية للبدء في عملية إعفاء الديون، ورعاية الاستثمارات الأمريكية في السودان فضلاً عن التطبيع الدبلوماسي الكامل.

تسلسل تاريخي
تشير التقديرات الرسمية إلى أن مجموع الخسائر التي تكبدها السودان جراء العقوبات الاقتصادية الأمريكية بلغت نحو 50 مليار دولار خلال الفترة الماضية، لا سيما مع تضرر عددٍ من القطاعات من هذه العقوبات وفي مقدمتها النقل والصناعة والزراعة، إضافة إلى عدم قدرة السودان على الإيفاء بمديونياته الخارجية، في المساحة التالية نستعرض أهم المحطات في هذه العقوبات.
ومدد البيت الأبيض مؤخراً مفعول «القرار 13067 بتمديد حالة الطوارئ الوطنية المفروضة على السودان منذ عام 1997»، الذي يُجدد دورياً في الثالث من نوفمبر كل عام. وقال بيان البيت الأبيض: «رغم التطورات الإيجابية الأخيرة في السودان، فإن الأزمة التي نشأت عن أفعال وسياسات حكومة السودان، والتي أدّت إلى إعلان حالة طوارئ وطنية بموجب الأمر التنفيذي 13067، لم تُحل بعد.
في الثاني عشر من أغسطس 1993 أدرجت وزارة الخارجية الأمريكية السودان في قائمة الدول الراعية للإرهاب رداً على استضافته زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، فيما أصدر الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون في الثالث من نوفمبر 1997 قراراً تنفيذياً بفرض عقوبات مالية وتجارية على السودان، تم بموجبها تجميد الأصول المالية السودانية، ومنع تصدير التكنولوجيا الأمريكية له، وإلزام الشركات الأمريكية، والمواطنين الأمريكيين، بعدم الاستثمار والتعاون الاقتصادي مع السودان.
وشهد العام 2002 إصدار الكونغرس لـ”قانون سلام السودان” الذي ربط العقوبات الأمريكية بتقدم المفاوضات مع الحركة الشعبية لتحرير السودان, وفي عام 2006 فرض الكونغرس عقوبات إضافية ضد “الأشخاص المسؤولين عن الإبادة الجماعية وجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية”.
ومع نهاية عهد الرئيس السابق باراك أوباما صدر قرار في الثالث عشر من يناير 2017 تم بموجبه رفعاً جزئياً للعقوبات وتضمن أمرين تنفيذيين، على أن ترفع العقوبات بعد ستة أشهر.
غير أن سلفه دونالد ترامب قرر أن يرجئ النظر في رفع العقوبات بعد 90 يوماً، ليصدر في السادس من أكتوبر 2017 قراراً برفع الحظر التجاري الأمريكي، والإجراءات العقابية التي فصلت السودان عن الاقتصاد العالمي، بيد أنه أبقى عليه ضمن قائمة «الدول الراعية للإرهاب»، وفرض حظراً على مبيعات السلاح، وقيوداً على المساعدات الأمريكية.

تقرير: محمد عبدالعزيز

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



‫2 تعليقات

  1. اولا المصطلح او مسمى العقوبات على حكومة البشير خطأ وانما عقوبات علي السودان لان امريكا لو كانت تقصد حكومة البشير او شخصه لرفعتها ثاني يوم من الانقلاب او الثورة امريكا كاذبة ومخادعة ولها اهداف معينة وسيتفاجا حمدوك بمطالب زيادة وسببها اليهود.
    امريكا رفعت العقوبات والحظر على كوبا في يومين فقط من التلويح بذلك وتم الرفع وعاد ترامب واعاد العقوبات في 48 ساعة بدون اي مبرر
    فالله يعين حمدوك

  2. هل نجاح حكومة حمدوك فى إجراء اصلاحات اقتصادية يتوقف على رفع اسم السودان من اللائحة الامريكية للدول الراعية للارهاب ؟

زر الذهاب إلى الأعلى