تحقيقات وتقارير

“الحلو” و”الميرغني”.. (كوكدام الثانية).. جدوى الاتفاق؟

يبدو أن التاريخ يعيد نفسه مرة أخرى، فعقب مضي ثلاثين عاماً على اتفاقية السلام السودانية الشهيرة بـ(كوكدام)  في العام 1988، بين السيد محمد عثمان الميرغني، وبين الراحل الدكتور جون قرنق، اتفاقية مماثلة مع ذات الرجل صاحب الحزب الوسطي وبين رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال “عبد العزيز الحلو” حول تنسيق المواقف خلال الفترة الانتقالية واستمرار النضال المشترك بينهما من أجل تحقيق السلام والتحول الديمقراطي والتعاهد على السعي لإنهاء الحرب بمخاطبة الجذور المسببة لها. 

الاتفاق شمل أيضاً إطلاق مشروع مشترك لتعزيز ثقافة السلام والتعايش السلمي بين مكونات المجتمع ونبذ القبلية والعنصرية، وتشكيل لجنة لإنزال ما اتفق عليه على أرض الواقع،  ليطل سؤال عريض حول جدوى الاتفاق في هذا التوقيت سيما في ظل استعداد الحلو لبدء العملية التفاوضية مع الحكومة، فهل هو اتفاق بمعناه الحقيقي أم مجرد فرقعة إعلامية؟

 

مصالح حزبية

ظل الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل بزعامة السيد محمد عثمان الميرغني معارضاً للنظام السابق سنوات طويلة، قبل أن يصبح حليفاً له وفق مشروع الحوار الوطني الذي ضم إلى طاولته جميع الأحزاب السودانية إلا من بعضها، وبمقتضى الحوار أصبح حزب الميرغني شريكاً للحكومة حتى سقوطها في الحادي عشر من أبريل الماضي، ليصبح الحزب العريق خارج منظومة العمل السياسي، بعد تسيد إعلان قوى الحرية والتغيير للمشهد .

ويرى مراقبون أن اتفاق الميرغني والحلو يأتي في إطار المصالح الحزبية، وليس مصالح البلاد، سيما أن الحزب الآن خارج منظومة العمل الحكومي، فيما ينظر  البعض إلى أن الاتفاق لا يعدو عن كونه فرقعة إعلامية، باختلاف اتفاقية السلام السودانية (وكدام) التي كانت تشكل ثقلاً وتطورت لاحقاً وخرج منها التجمع الديمقراطي الذي ضم كل القوى السياسية المعارضة بالخارج، إلا أنه وبخلاف ذلك، يرى عضو الهيئة القيادية  بالحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل “ميرغني مساعد” أن الاتفاق محاولة بناء السودان واستقراره بإرساء دعائم السلام على أرض الواقع، مؤكداً أنه بعدم السلام لم تنعم البلاد بالاستقرار.

وبحسب مساعد لـ(الصيحة) فإن الاتفاق جاء وفق مبادرة أطلقها السيد محمد عثمان الميرغني، نافياً مصلحة الحزب الشخصية، وقال: نحن ليس لدينا مصالح، وإنما ننظر إلى مصلحة السودان، وأضاف: الحزب صاحب مبادرات كثيرة منذ استقلال البلاد وطرح عدد منها، وزاد: هذه المبادرة هي مبادرة السلام السودانية (كوكدام الثانية).

تحصيل حاصل

على الرغم من محاولات الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل عقد مقارنة بين الاتفاقين (الحلو والميرغني) و(الميرغني وجون قرنق)، إلا أن أوجه المقارنة وفقاً لمراقبين تكاد تكون معدومة، سيما أن الاتفاقية الموقعة قبل ثلاثين عاماً كان قاسمها المشترك المعارضة، فكلا الموقعين كانا في خانة المعارضة، قرنق ذلك الفصيل القوي حامل السلاح، الاتحادي الأصل معارضاً شرساً، أما الآن فالوضع يعتبر مختلفاً، فالاتحادي لا يملك في المرحلة الحالية سوى ترتيب بيته الداخلي استعداداً لانتخابات عقب سنوات الفترة الانتقالية الثلاث، والحلو يقبل الجلوس إلى الحكومة ويفاوضها على السلام بعد أن وقع  معها اتفاق ثقة، ليطرح سؤال لماذا ومن أجل ماذا يتفق الاتحادي والشعبية؟

وبحسب المحلل السياسي د. ” صلاح الدومة” لـ(الصيحة) فإن الاتفاقية عبارة عن تحصيل حاصل أراد السيد محمد عثمان الميرغني من خلالها أن يقول إنه موجود، مؤكداً أن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل لا يملك في يده شيئاً وخارج السلطة، في وقت تمضي فيه المفاوضات بين حكومة الدكتور عبد الله حمدوك وبين الحركات الحاملة للسلاح في طريق ممهد، وقال: الاتفاقية لا جدوى منها، لأن الحلو الآن دخل في مفاوضات مباشرة مع الحكومة، وأعتقد أنه لم يرد أن يحرج الميرغني فوقع معه هذا الاتفاق، وأضاف: لم نستفد شيئاً من هذا الاتفاق سوى اطمئنانا على أن السيد محمد عثمان الميرغني بصحة جيدة.

تنسيق مواقف

وشمل اتفاق الميرغني والحلو العمل على الدستور الدائم واحترام الحريات الدينية والاستعداد للانتخابات المقبلة وتنسيق المواقف بينهما، كما اتفقا على استمرار النضال المشترك بينهما من أجل تحقيق السلام والتحول الديمقراطي والتعاهد على السعي المشترك لإنهاء الحرب بمخاطبة الجذور المسببة لها ودعم التفاوض الجاد للوصول لاتفاق سلام عادل وشامل يفضي للوصول إلى التحول الديمقراطي والتداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرة ونزيهة عقب انتهاء الفترة الانتقالية.

فلاش باك

في نوفمبر 1988 وقع كل من السيد محمد عثمان الميرغني زعيم الحزب الاتحادي الديمقراطي، والدكتور جون قرنق دي مبيور رئيس الحركة الشعبية لتحرير السودان قائد عام الجيش الشعبي لتحرير السودان، بأديس أبابا اتفاقية السلام السودانية، وجاء فيها توفير مناخ مناسب لقيام المؤتمر القومي الدستوري والعمل الدؤوب والمخلص لتهيئة المناخ الملائم لقيامه، توصل الطرفان إلى الاقتناع بأن العوامل الأساسية والضرورية لتهيئة المناخ الملائم،  تجميد مواد الحدود، وكافة المواد ذات الصلة المضمنة في قوانين سبتمبر 1983م، وأن لا تصدر أية قوانين تحتوي على مثل تلك المواد، وذلك إلى حين قيام المؤتمر القومي الدستوري للفصل في مسألة القوانين، إلغاء كل الاتفاقيات العسكرية المبرمة بين السودان والدول الأخرى التي تؤثر على السيادة الوطنية، رفع حالة الطوارئ، وقف إطلاق النار، تشكيل لجنة تحضيرية قومية لتقوم بالتمهيد والإعداد لانعقاد المؤتمر القومي الدستوري ولوضع مشروع جدول أعماله وتحديد مكانه وإجراءات انعقاده، وتعقد اللجنة اجتماعها الأول حال تشكيلها، المؤتمر القومي الدستوري في مكان تقرره اللجنة التحضيرية القومية حيث تتوفر كل الضمانات الوارد ذكرها في هذا الاتفاق بما يرضي الأطراف المعنية.

اتفق الطرفان على ضرورة انعقاد المؤتمر القومي الدستوري في تاريخ 31/12/1988م في حالة تنفيذ البنود الوارد ذكرها في هذا الاتفاق بما يرضي الأطراف المعنية.

تسابق حزبي

بالمقابل يرى أستاذ العلاقات الدولية الأستاذ “الرشيد محمد إبراهيم” أن ملف السلام والحرب ظل على مدى تاريخ السودان مزايدة حزبية وتسابقاً حزبياً، لافتًا إلى أن كل الاتفاقيات في ملف السلام لم تصل إلى نهاياتها، وقال للصيحة: السلام ملف دولة. وليس حزباً، وأضاف: الأحزاب فرصتها ضعيفة في وقف الحرب، وهو سباق بينها وبين الحكومة ولا يرقى الى مشروع متكامل للسلام، وزاد: أي حزب يحاول إثبات وجوده في السلطة وهو أمر يصب في إطار المصالح الحزبية.

وحول الفائدة للحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل من عقد هذا الاتفاق، قال إن الفائدة سياسية في عمل تحالف يفيده في الانتخابات القادمة.

تقرير: هبة محمود سعيد

الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى