حوارات

القيادي الإسلامي البارز البروفيسور حسن مكي: موغابي استقال بضغوط (البطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية)

لم أسمع منه وطوال ساعتين ضحكته المجلجلة التي تملأ صالونه ولم أره من قبل محبطاً كما رأيته في ذلك المساء، كان يتحدث من وحي مأساوي حتى أكد لي (أكل وجبة واحدة، مشاويري محدودة وحالياً أمارس الانسحاب من الحياة) ولأول مرة أشاهد حزن عينيه والهزيمة الحايمة من أفقه القريب والبعيد، حدد كل شيء وكان يحفظ الأزمة عن ظهر قلب ورفض الحديث عن الزبير أحمد الحسن، سألته بدون براءة عن آخر مرة قابل فيها الأستاذ علي عثمان، فاختصرني مع امتعاض أعرفه جيداً وقال لي: منذ سنين لم التق به، حاصرته بالمدة فاكتفى بعام واحد وكلانا محتار في الأوضاع حتى فرقنا المساء.. وإلى التفاصيل..

 

* صعب عودة تلك الثقة والآمال؟

– مجرد تغيير سياسات التخريب وهي بالضبط لبث الثقة في المجتمع ليتفاعل مع الدولة وبرامجها.

* وستعود الحركة الإسلامية حاكمة وليست محكومة؟

– ولكن بون مداراة ولا مداهنة ولا مصانعة.

* وكيف تحصل تلك المراجعات القاسية والأزمة تعبر بجدارة صناعها؟

– شورى ومصارحة غير مسبوقة.

* أنصحهم من هنا؟

– تفتح البلد ويترك سياسات الغرف المغلقة وتفتح البلد للناس كما فعلت إثيوبيا والمعارضة تدخل العمل السياسي بدون تلك الحوافز للاستقطاب ولازم نحترم الناس ونوقف شراء الذمم من أحزاب وأشخاص.

* الكلام الآن للاقتصاد؟

– الأموال المخزنة في دبي، بل جزء بسيط منها، سيحل الأزمة الاقتصادية.

* أموال أشخاص أم تنظيم؟

– لا أدري.

* هل حصل لبلد أفريقي كما يحصل لنا حالياً من تداعيات اقتصادية مؤلمة لكل الشعب؟

– حصل في زيمبابوي وجراء تداعياتها الاقتصادية أجبر العسكريين فيها على التمرد على موغابي وما أدراك من هو موغابي.. رفع علم الاستقلال وصادر أراضي البيض ووزعها على المحاربين.

* كل شيء وارد؟

– البطون الجائعة لا تعرف المعاني العالية.

* لو قامت الانتخابات في مثل هذه الظروف؟

– إذا كان لا بد أن تجرى انتخابات فيمكن ببساطة التمديد للرئيس البشير فقط وأن ننسى انتخاب نواب من حزب واحد يبصمون على قرارات الجهاز التنفيذي وكأنهم تلاميذ وحتى نتجنب تبديد الأموال في انتخابات لن تفرز واقعاً سياسياً مختلفاً عن سابقه.

* تمديد للرئيس؟

– وتكوين حكومة رشيقة بدون الظل الهامشي مثل حكومات المحاصصة الفاشلة.

* هذا هو زمن الجراحات السريعة وليس غيره..؟

– لا بد من إزالة الشحوم الزائدة في جسم النظام وحتى في الإنسان حينما يصبح ممتلئاً شحماً ولحماً ودماً سيصوم ليتخلص من تلك الدهون والشحوم بحثاً عن صحة وعافية.

* ولو قامت الانتخابات بكل تلك التشاؤمات المعلنة؟

– إذا قامت سيهدر المال السياسي وستصل أحوالنا إلى قاع رهيب نحو الأسفل.. هناك أحزاب تدعم خيار قيام الانتخابات وربما تحدث فيها حياة وحراكاً وروحاً.. الأحزاب الصديقة للحزب الحاكم تفكر أولاً وقبل كل شيء في المال السياسي وتلك تجارة وليست سياسة.

* ولا توجد حياة سياسية كمقدمة طبيعية لانتخابات حرة (مش كدا بالله)؟

– ايوا ما في ندوات سياسية ولا توجد نقابات أصلاً ولا اتحادات، وبالجملة كدا لا يوجد مجتمع سياسي أصلاً. ولكن الحزب الحاكم يحاول رسم وتخليق حالة سياسية فيها حراك ولا أحد يلومه.. أنا لا أعرف له أي أداء سياسي مفهوم.

* ماذا تقول للزبير أحمد الحسن؟

– أنا لا أتحدث عن أشخاص مطلقاً.

* تابعت مؤتمر الحركة بكونه حدثاً في الساحة؟

– لم أتابعها والمسألة عندي كانت مجرد ملهاة.

* حسب المطروح في نقاشهم، حصلت صراعات حول الأمين العام؟

– قلت لك هي عندي مجرد ملهاة ومشاكل السودان الوطن أكبر من هذه المكايدات بين الأشخاص وكلهم يسعون لتسجيل مواقف لا معنى لها مع ما تشهده البلد من تدهور.

* من زمان قلت إن الإمام الصادق لا مستقبل له ولكن بريقه باق والخرطوم تنتظره في يوم 19 الشهر الجاري؟

– الوقت لبناته وأولاده.

* حزب الأمة تجري فيه محاولات مخلصة؟

– هو حزب أسرة.

* ظلمت جماهير الأنصار؟

– أرجو أن يكون نموذجاً مثل سوار الدهب.. اعتزل وهو في قمة قوته.

* سوار الدهب عسكري (له الرحمة) وعليه ملاحظات من داخل ثكناته والإمام سياسي مدني وشتان؟

– إذا ليكرر موقف جده السيد عبد الرحمن المهدي.. لم يرهن وضعيته لشعبية بموقف جزبي.

* الحمد الله على بعض الهدوء في دارفور؟

– هدأت كثيراً.

* بعد 15 سنة عذاب؟

– نعم وانتبه لنا كل الخارج.

* هل تتوقع خروج مظاهرات تعبيراً عن سوء الأحوال؟

– ليست هناك قيادة سياسية لتلهم الجماهير بل الجماهير تعرفهم وهم يبحثون عن الصفقات والوظائف بين أبوجا وألمانيا وأديس أبابا.

* لماذا تسمى التفاوض السياسي صفقات؟

– لأنها بيع وشراء للمناصب.

* نداء السودان لو قرأته ملئ بالجدية من أجل الوطن والشعب؟

– المطروح هي قضايا كبيرة تنظر من جانب الفحص ولكن الإجراء الحقيقي هي الوظائف والمناصب وإلا فمن يدفع المليون دولار لكل المتاعب والتكاليف من تذاكر سفر وإعاشة وغيرها وغيرها.

* من سرب لك تلك المعلومات؟

– أمشي أسأل اليكس وال.

* المؤتمر الوطني يحاول عمل شيء مهم لتصحيح أوضاع البلد؟

– الأزمة تمهلت في البلد والحلول نفسها تآكلت وتبقى الفرجة والخوف وكل شعار لا يعكس هذه الحالة النفسية سيكون مجرد أكاذيب.

* ملاحظة البعض أن القوة الحية وسط الشباب سمح لها بالهجرة مبكرة وبتنهيج؟

– إن كنت تقصد شباب الإنترنت فهذا صحيح بدرجة ولكن البشير ليس ديكتاتوراً لو سمحنا بمقارنة مع صدام فهناك تسامح كبير وتواصل.

* تقصد الرئيس البشير لا يشبه صدام؟

– أقصد أن المشكلة ليست في قبضة السلطة لأنها (قبضة تراخت كثيراً) بل القبضة على أساس التخريب هي الحل وهياكل الدولة جراء ذلك التخريب قد صدأت ولا يوجد حافز من الدافعية لتسيير دولاب الدولة.

* أين جهاز الأمن والمخابرات مما يجري في البلد؟

– لا أرى أي ضغط واستبداد واقع على الناس من جهاز الأمن والمخابرات بل الأزمة اقتصادية كظلال سياسية فهناك تخبط شديد ولا مبالاة وكأن الوطنية انكمشت في العقول والأنفس وتضاءلت لخلل هيكلي وليس عارضاً عابراً.

* السياق يجبرنا على إعادة السؤال عن تصنيع حزب حاكم للآخرين بحثاً عن حيوية مناسبة؟

– الحزب الحاكم يفتقد لحيويته الداخلية، وصراعه الداخلي أقرب للتآمر من اختلاف وجهات النظر ولا يوجد أي نشاط ديمقراطي قائم على الانتخابات داخل الحزب، وحتى الولاة والمعتمدون ليس لهم ممسكات إلا الولاء.

* مهما كان فهناك حراك؟

– تحس به وكأنه تخبط سياسي.

* سلام جوبا الأخير أنتجته الخرطوم؟

– هذا أحسن ما تم لأنه حقن الدماء وأرجو أن يستمر لأن البعض يعتبره سلاماً هشاً.

* طبيعي؟

– نعم لأن مشار لم يذهب لجوبا حتى الآن وكأنه سلام مؤقت وحتى القراءة الأمريكية تعتبره سلاماً هشاً وضعيفاً وأي طلقة مساء السبت من رجل سكران ربما تولع جوبا والجنوب مرة أخرى فالكل متربص.

* أنت متخصص في هذه الشؤون؟

– نعم وعندي حل غريب للجنوب وأحسبه صراعاً بين أشخاص وقبائل.

* طيب؟

– وقبائل النوير أقرب للشمال بالرغم من أن مشار احتل هجليج وطبعاً البترول في مناطقهم، ونعطيهم حكم فدرالي ونعطيهم مناصب عليا في الشمال وأيضاً في مناطقهم كمناصب صورية مثل أن يكون مشار نائباً للرئيس في الخرطوم ونائباً لسلفاكير على أن يبقى في الخرطوم على أن تصلهم حصتهم من بترول الجنوب عن طريق حكومة الشمال.

* والشلك؟

– إن أرادوا نفس التدبير وحينها لن يبقى لسلفاكير سوى الاستوائيين وحلها فدرالية أخرى مع يوغندا.

* الكل يخاف من الحريق؟

– حتى الآن فالأمن أهم مكسب.

* ومم تخشاه في مقبل الأيام؟

– أنا ضد الانقلابات العسكرية.

* مبدأ (قصدك)؟

– لأنها ستبدأ من الصفر.

* خرج وزير الداخلية أحمد بلال باعترافات لم نتعود عليها من الشرطة وعالمها وكشف عن حالات ترك الخدمة وهروب من جنود وضباط؟

– مفروض يشكر عليه ولا يلام أبداً ودوماً دا المطلوب من وزير الداخلية.

* من وراء التخريب الممنهج؟

– قوة دولية.

* من أي جغرافية مثلاً أوروبا أم أمريكا؟

– دولة عربية تساند هذا الأمر.

* يمكن بلدنا محاصرة بشكل خفي؟

– اليمن، الصومال، ليبيا وإيران دي دول غنية وبسبب الإضرابات السياسية والتخريب الممنهج ضاعت والآن الريال الإيراني يتهاوى مثل الجنيه السوداني ولكن إيران حافظت على توفير السلع الأساسية مثل الأرز واللحمة.

* والعدل أساس الحكم؟

– سمعنا المخدرات بالحاويات دون تعقبها وسمعنا بفساد كثير وكبير دون أن تحصل أية محاكمة وسمعنا بفساد في الأراضي وأظن أن يد الجهاز مغلولة وفيه إدارة مقتدرة على الحسم.

* وكيف تنظر لمستوى الإرادة السياسية؟

– (ما فيش إرادة سياسية).

* خلاص يعني؟

– زيمبابوي.

* كيف تابعت اغتيال خاشقجي؟

– أنا حزين للحادثة وهو صديق للسودان ولكن الأسئلة في ذات السياق لماذا تجاهل العالم قتل 4 ملايين في الكونغو وإسرائيل تقتل باستمرار في علماء الذرة العرب وغيرهم وببساطة المجتمع الدولي يكيل بمكيالين.

* هل السعودية مظلومة؟

– السعودية مستهدفة وأظنها نسيت طبيعة المجتمع الدولي القائم بيننا كما أخطأنا نحن في دارفور وارتكبنا جرائم فيها وستنال السعودية عقوبات صعبة.

* وسلام القرن؟

– هو تصفية للقضية الفلسطينية بحصة تجارية أساسها جواز سفر لأي بلاد في الدنيا وفلوس في البنك.

* دي إهانة كبيرة للقضية نفسها؟

– هناك علو إسرائيلي يجب أن نفهمه ونتعامل على أساسه.

* هل بين الخرطوم وتل أبيب كلام وتفاهمات تحت التربيزة؟

– دا مؤكد.

* إذاً عندك معلومات؟

– دا إحساس.

* المجتمع السوداني رأيه واضح في التطبيع؟

– ربما الآن سيقي أي شيء وعبد الواحد محمد نور لديه مكتب في تل أبيب.

* رأيك في التطبيع بين الخرطوم وتل أبيب؟

– ننتبه للداخل شوية.

* إجابة متحذلقة وغير مفهومة؟

– دي إجابتي.

* واضح أنك تخشى الرأي العام مما تعتقده حقيقة في مسألة التطبيع؟

– هناك ترف واضح في القضايا التي تشغلنا وتمارسه النظم الحاكمة.

* هل التطبيع متوقع بين البلدين؟

– ينبغي السماح بمساحة تفكير أرحب من (إما التطبيع أو جيش محمد سوف يعود).

* السياسة (كعلم) تسمح بالكثير؟

– أمامنا صلح الحديبية وحتى حماس حالياً تعمل في هدنة.

* يعني التطبيع ممكن؟

– ما قلت كدا.

* وبعدين؟

– أعني أن هناك فن الممكن الذي لا يؤثر على الوضع ولا يخلق بطولات وهمية ولا يؤدي إلى الانبطاح.

* أي نسخة من الإنقاذ نعيش معها؟

– الإنقاذ حالياً غير موجودة.

 

حوار: صديق دلاي

الخرطوم: (صحيفة التيار)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى