حوارات

القيادي الإسلامي البارز البروفيسور حسن مكي: هناك أموال مخزَّنة لـ(2020) والاقتصاد لا يتحمَّل هذا الهزل

لم أسمع منه وطوال ساعتين ضحكته المجلجلة التي تملأ صالونه ولم أره من قبل محبطاً كما رأيته في ذلك المساء، كان يتحدث من وحي مأساوي حتى أكد لي (أكل وجبة واحدة، مشاويري محدودة وحالياً أمارس الانسحاب من الحياة) ولأول مرة أشاهد حزن عينيه والهزيمة الحايمة من أفقه القريب والبعيد، حدد كل شيء وكان يحفظ الأزمة عن ظهر قلب ورفض الحديث عن الزبير أحمد الحسن، سألته بدون براءة عن آخر مرة قابل فيها الأستاذ علي عثمان، فاختصرني مع امتعاض أعرفه جيداً وقال لي: منذ سنين لم التق به، حاصرته بالمدة فاكتفى بعام واحد وكلانا محتار في الأوضاع حتى فرقنا المساء.. وإلى التفاصيل..

 

* كيف وصلنا إلى كل هذا الحال؟

– مؤكد ما يحدث الآن للسودان لا يشبهه مطلقاً.

* نوضح؟

– في 90 و91 وجدوا نفس القوم بالخزينة 5 ملايين دولار، فقط، ونجحوا في تجاوز العقبة بعزيمة نادرة وحدثت اختراقات كبيرة.

* مثلاً؟

– تصفية السكن العشوائي وخطوط الكهرباء والكباري والطرق والتعليم.

* (دا خطاب منتهي الصلاحية)؟

– (مالك أنت) خليني أكمل.

* تفضل؟

– إذن ما دام كانت هناك جدية فيمكن قهر كل الصعوبات.

* نحن نتحدث عن اليوم وكل الراهن؟

– يبدو لي أن تلك الجدية انعدمت والساحة مليئة باللامبالاة والفساد والاستهتار بالمال العام والاستهانة بالكفاءات، أضف إلى ذلك صراع الأجنحة داخل المؤتمر والنادي الحاكم، وبدون أن يكون لدي معلومات استطيع أن أقول إن ما يحصل – حالياً – أشبه بالانتحار الذاتي والتدمير والتخريب الممنهج (سببه) قيادات نافذة داخل النظام وإلا فكيف تفرض (مثلاً) بطاقة الصراف الآلي على بعض المطاعم والبقالات بينما مؤسسات الدولة ترفض بطاقة الصراف الآلي وتدفع غرامات الدولة نقداً بينما ترفضها عبر الضرائب والجمارك، والأولى التزام الدولة بها كأنموذج وتلوي الدولة أيادي المواطنين وتأخذ منهم كل شيء دون مقابل وهذا هو التخريب الممنهج.

* من وراء جنون الدولار؟

– هذه سياسات نابعة من داخل النظام، فمن هو الذي يضارب في الدولار بشكل مؤثر (إنها الدولة) وفي سنوات يطير من 5 جنيهاً إلى 70 جنيهاً، بواقع 14 مرة علماً بأن احتياجاتنا الآنية يمكن أن تغطي بموارد عادية من البترول والذهب وحصائل الصادر وأموال اليمن، والسؤال أين تذهب كل هذه الأموال؟ أليس هذا هو التخريب الممنهج؟ ونحن في الحقيقة لا نحتاج من كل تلك الموارد سوى لـ(2) مليار دولار، في السنة.

* من المستفيد من هذا التخريب الممنهج وما الجهة التي تقوم به؟

– (ما عندي إجابة).

* حدثنا عن رجل سينتحر انتحاراً ذاتياً؟

– الانتحار الذاتي يحدث حينما يفارق الرجل واقعه بالكامل ويعيش مرض الشيزوفيرينا ويكون موهوماً بحالة غائبة.

* كيف لجهة حاكمة أن تعاكس كل شيء وتمنهج التخريب ضدها؟

– هذا هو السؤال الصعب.

* تستفيد من بعض المظاهر في الواقع؟

– هناك متواطئون باسم الدين والمشروعية الدينية تواطؤوا غرقاً في الفساد.

* كيف تمسى على أغلبية أن تجيد لعبة التواطؤ؟

– باسم التستر والمصلحة والخوف والمداراة والمصانعة والمداهنة (كلهم) يفضلون السكوت وهذه كلها سمات الانتحار الذاتي.

* لو ثبتنا أن الحكم اقتصاد؟

– هو ركيزة مهمة لأي نجاح حضاري أو قل سياسي.

* هل وصلك الضيق الاقتصادي الذي وصل معظم الشعب وفئاته؟

– عاوز الجد.

* طبعاً؟

– لم يصلني لأنو ما عندي أولاد في المدارس وأنا بأكل وجبة واحدة في اليوم ومشاويري محدودة وبعد عامين سأصل للسبعين فكم تبقى لي من الحياة.

* ليس فقط، بل لأنك تسكن في بيت الجامعة وأنت أستاذ جامعي؟

– أساتذة الجامعات بمرتباتهم في الوضع الحالي يستحقون الزكاة.

* بدأنا فكيف وصلنا إلى هذا الحال؟

– أنا مندهش ومستغرب ومصدوم مما وصلنا له من حال وأحوال.

* ستعتزل الحياة مع الناس؟

– أصبحت مؤمناً مع الكتاب.

* لا تنظيم ولا يحزنون؟

– لا حزب لا حركة ولا كيان.

* فقط مجموعة من الأصدقاء؟

– ولا تلك المجموعة.

* لكنك تفهم كل شيء وتشاهد الناس في الصفوف؟

– قليلاً ما أخرج من بيتي وحينما أخرج أشاهد المواطن معذّب في كل مكان.

* وحينما تضطر لتشتري أغراضك؟

– زوجتي تقف في صفوف الخبز والبنزين والبنوك.

* كأنك تنسحب من الحياة؟

– مطلوباتي قليلة جداً في هذه الحياة ولكني أقدر مشاكل الناس وكيف تذهب سيدة سودانية محترمة منذ الآذان الأول في صفوف الرغيف ثم تعود سيدة أخرى منتصف الليل بسبب المواصلات.

* لن تنعزل بسهولة لأنك فاهم الأزمة كويس؟

– أفهم جيداً ويومياً حجم الاحتراق الداخلي للمجتمع على الأقل في وجوه أبنائي مثل بقية الشعب.

* قلت لي سابقاً أبناؤك بالخارج؟

– ليس كلهم.

* ومطلوباتك قليلة؟

– أنا – حالياً – أمارس الانسحاب من الحياة.

* متفرج على الأحداث؟

– لست متفرجاً وما في أصعب من كدا على الناس والوطن.

* هل اقتنعت بالإشارة أكثر لمن هم وراء الأزمة من داخل صندوق الحكم؟

– لا أعرفهم.

* هل تعرف معتز جيداً؟

– لا أعرفه وهؤلاء أصغر مني سناً ويمثلون الجيل الأصغر وأظنه كان مجاهداً.

* كيف تحس به في مهامهم الحالية؟

– أنا عموماً أحب الجيل الجديد وهو يتسلم مقاليد الأمور.

* نحكي عن وضعه الحالي، جاء لينقذ الأوضاع ويصححها؟

– وضع البلد من قبله كان وما زال صعباً والرجل بكل أمانة لا ينقصه الإخلاص والشجاعة والكفاءة ولكنه محاط بشبكة التخريب الممنهج.

* وأنا مثلك مصدوم من ميلاد شبكة من داخل البيت لتخريب البيت؟

– شبكة تصنع السياسات الفاشلة في الاستيراد والتصدير وليس هناك بنك في العالم يمارس الاستيراد والتصدير ويقرر في سعر الدولار يومياً.

* دراما وما أدراك ما الدراما؟

– أحداث درامية جداً.

* ممكن تحكي أكثر في هذا السياق؟

– ياخ ممكن تصور كل شيء من خلال فكرة شراء ما لا يلزم مثل طائرات السوخوي وهي في همومنا لا تمثل لنا أي أولوية.

* دعنا نفهم ببساطة آليات ذلك التخريب وكيف سيشاهده مواطن بسيط على حياته؟

– القصة كلها وليدة تفكير خطير وهو محاولة تجفيف منابع السيولة بشراء المصدر كناري والبنوك وبشكل عام السيطرة على الاتصالات وشراء عمارات على بنك فيصل والتمويل السياسي المتواسع مع بقية الفساد.

* كلام عجيب؟

– وهناك الأموال المخزنة للحملة الانتخابية لـ2020 والاقتصاد لا يتحمل هذا الهزل.

* وما هي محطة التخريب الممنهج حينما ينجح؟

– المقصود منه طبعاً الإفساح لقوة جديدة لتأتي وتحكم.

* ملامحها وماذا تريد من بقية الوطن؟

– ربما هي من داخل النظام.

* يبدو أنك تعرف الكثير ولكن لا مجال لنا للوصول له؟

– هناك صراع أجنحة مؤكد ولكني لا أشخصها.

* تقصد لا تستطيع؟

– أقصد أنني أحلل الصورة من أمامي.

* ستكون هناك خسائر مادام هي أجنحة؟

– بكل أسف، نعم.

* بالإضافة لحالنا فكيف نستقبل خسائر جديدة من نفس الجو؟

– أكرر بكل أسف.

* أنا لا أستطيع فهم جماعة تخرب وطنها بذلك القدر؟

– أنظر فقط الحصل في ليبيا والعراق والصومال واليمن هو نفسه التخريب الممنهج بسبب السلطة والحكم والنفوذ وهو نفسه صراع الأجنحة.

* وسط كل هذا الخراب كيف تشاهد مجريات وأجندة مؤتمر الحركة الإسلامية قبل أيام؟

– للحركة نجاح كبير، أنها قدرت حافظت على عضويتها حتى لا تكون داخل السجون.

* الحركة الإسلامية حاكمة فكيف تتحدث عن نجاح كبير لها أنها حافظت على عضويتها لتكون خارج السجون؟

– الحركة الإسلامية محكومة وليست حاكمة.

* على الأقل نشاهد عضويتها تحكم فينا؟

– بالمصانعة والمداراة وهي بالتالي محكومة والتكتيك واضح.

* بالعودة لفكرة وأصول التخريب الممنهج، فهل سيكون المخرج سياسي؟

– فقط لو توقف التخريب الممنهج ستعود كل الأمور بسرعة لوضعها الطبيعي.

حوار: صديق دلاي

الخرطوم: (صحيفة التيار)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى