تحقيقات وتقارير

أقصتهم وزارة الصحة.. اختصاصيو التخدير بين خلل التنظيم و(إبر) اللوائح

في خطوة اعتبرها مختصون غريبة ودخيلة على القطاع الصحي حرمت وزارة الصحة ولاية الخرطوم منسوبي المجلس القومي للمهن الطبية والصحية (علوم تخدير) من ممارسة العمل في القطاع الخاص (عمليات اليوم الواحد) إلا بإشراف اختصاصي تخدير (طبيب)، بينما سمحت لهم اللائحة المُعدلة في 2015م بالعمل بالقطاع العام رغم تشابه الأدوار  في القطاعين، الآمر الذي أبرز اتهاماً بعدم مهنية اللائحة واستناد صائغيها على أسس اقتصادية ومصالح شخصية ضيقة.

 

دراسة مُقننة

ممثل اتحاد التخدير د. مدني عبد الرحمن  يقول: إن دراسة التخدير متخصصة وتم تقنينها من قبل الجهات المعنية بالطب والتعليم العالي حيث خُصصت كلية التخدير للحاصلين على الشهادة السودانية ويتم تدريسهم (علم تشريح، تخدير، فيزياء) وغيرها من المتطلبات التي تؤهلهم لقيادة العمل مستقبلاً، ولم يُترك الأمر سدى حيث هناك ما يعرف بالمجلس القومي للمهن الصحية والطبية وهو مجلس معترف به يتبع لمجلس الوزراء يُخضع الخريجين لامتحانات تمهيداً لمنحهم رخصة مزاولة المهنة، وحسب الوصف الوظيفي يقول مدني أن كوادرهم تقدم خدمة التخدير في جميع العمليات بما فيها القلب المفتوح، و أن المؤهل يمنحهم صفات (تقني تخدير، اختصاصي، اختصاصي ثان) وذلك وفقاً للائحة العام 2011م التي تم تعديلها مؤخراً في العام 2015 ،وقد حرمهم التعديل من ممارسة المهنة، ووفقاً لهيئة الصحة العالمية التي اشترطت ممارسة التخدير بشهادة بكلاريوس، وعلى هذا الآساس قامت الدولة بمعادلة الشهادات بفتح فرص التجسير في كلية متخصصة (علوم التخدير) وهناك من وصل لدرجة الدكتوراه والماجستير، ويعني هذا أنهم تمددوا في التخصص ووصلوا مراحل عالية من التأهيل والخبرة، والشواهد تحدث عن ذلك وأبرزها كارثة قطار بورتسودان التي أبلى منسوبونا بها بلاءً حسناً.

مصالح شخصية

واتهم  مدني عبد الرحمن وزارة الصحة في إصدار القرار  بالنظرة المادية والرأسمالية فقط وليس للوزارة الحق في تعديل لائحة المؤسسات العلاجية الخاصة وبالطبع هو أمر مرفوض تماماً فالقرار يحرم الاتحاد وممارسي مهنة التخدير من حقوقهم المكفولة بالقانون، وقمنا بتصعيد الأمر  للمجلس التشريعي بالولاية وسلمنا خطاباً للنقابة العامة لإبداء الرأي والفصل فيه  و إن لم تنصفنا الجهات المعنية فسنلجأ إلى خيارات أخرى وعدم مشاورتنا لا علاقة له بحماية المريض كما تزعم بعض الجهات حيث نغطي أكثر من 95% في الخدمة بولاية الخرطوم فقط ويفوق عدد منسوبينا الـ(4) ألف شخص، والمقصود بالحرمان من عدم إجراء التخدير في عمليات اليوم الواحد حسب حديث عبد الرحمن (الحالات التي تجري عمليات وتخرج في يوم العملية ذاته)، ومنعنا منها في القطاع الخاص سيدعو للتساؤل خاصة و أن القيام بها في القطاع العام أشبه بالقطاع الخاص، وهذه إجابة نحتاجها من وزارة الصحة ولاية الخرطوم التي أخرجت لائحة دون غيرها وإصرار الوزارة على إشراف طبيب على عملنا به إجحاف كبير، حيث يمكن أن تُجرى أكثر من 4 عمليات بمستشفى في الوقت ذاته ومن يقومون بالتخدير هم منسوبونا، أما الطبيب المُكلف بالإشراف علينا فيكتفي بالنظر إلى قائمة العمليات فقط دون مساعدتنا ومع ذلك يتسلم المقابل بدلاً عمن تعب وكد عرقه وساهم في إنقاذ حياة مريض تحت مسمى (المسؤول الأول) واعتبره نوعاً من (الدكتاتورية)، ولا شك أن العمل سيتوقف باعتبار أن عدد أطباء التخدير قليل جداً مقارنة بالمستشفيات ومن يقعون تحت مظلتنا، وبعد كل ذلك هل سيتحمل المُشرف المسؤولية كاملة أمام القضاء؟ سيما و أن الجهات العدلية تطالب بمن يقومون بأي إجراء بشكل مباشر، وبحمد الله نعمل منذ العام 2011 لم نتلق شكاوى أو بلاغات بوجود أي إشكاليات.

هروباً من المسؤولية

رئيس قسم التخدير بمستشفى أم درمان التعليمي د. فيصل عثمان قال إنهم يباشرون عملهم بالمستشفى دون طبيب اختصاصي أو مُشرف حسب زعم وزارة الصحة، وبالنسبة للحوادث المعلوم أن كمية التردد بها كبير جداً ويغطي (المغضوب عليهم) الخدمة بصورة جيدة، ويتراوح التردد اليومي حوالي 25 – 38 عملية تحتاج لتخدير، أي ما يعادل 100% من التغطية الكاملة بالمشفى، ويقول فيصل: يوجد غياب تام للأطباء في تلك الدائرة و إن وجد لا يلبي النداء، ورغم ذلك لم يشعر أحد بالنقص حيث نغطي (12) غرفة عمليات في المجمع الدقيق، وفي الوقت الذي نتصدى فيه لكل شيء يهم الأطباء بإبعاد أنفسهم في حالة الطوارئ تجنباً للمساءلة القانونية، و بالطبع لن نتوقف والحديث لرئيس قسم التخدير بالمستشفى رغم عدم الرد على مذكراتنا التي رفعناها للجهات المعنية بما فيها المجلس التشريعي بولاية الخرطوم.

خلاف تنظيمي

يقول الخبير بالشأن الصحي واختصاصي التخدير د. سيد قنات إن هناك مسارين للعاملين بالتخدير، الأول أطباء درسوا بكليات الطب المختلفة وتخرجوا بدرجة البكالريوس ومن ثم اتجهوا لتخصص دقيق كـ(الجراحة العامة، العظام، العيون، جراحة المسالك البولية، جراحة القلب، جراحة الترميم والتجميل والحروق، أمراض النساء والتوليد، …الخ) ، وتمتد فترة التخصص لخمس سنوات.. أما الشق الآخر  فهم مساعدو التخدير وقد كانوا في الأصل ممرضين نالوا دبلوم التمريض ومنهم من اختار دراسة أحد أفرع مدارس المساعدين مثل (مساعد طبي عيون، مساعد طبي محضر عملية، مساعد طبي أسنان، مساعد طبي تخدير، مساعد طبي معمل، مساعد طبي عمومي، قابلة، وزائرة صحية) وغيرها من دبلومات مدرسة المساعدين الطبيين، ويضيف قنات كما أن هناك بعض الجامعات أنشأت كليات لمنح درجة البكالريوس في التخدير مع كشف قبول الجامعات، وقال قنات أن المجلس الطبي هو الجهة الوحيدة المعنية بتسجيل الأطباء بمختلف تخصصاتهم، ومنحهم رخص وتصاديق مزاولة المهنة عقب التأكد والاستوثاق من شهاداتهم ومؤهلاتهم، بينما يتخرج المعنيون بالأمر  بشهادة بكلاريوس تحت مسميات (تقني تخدير، فني، اختصاصي أول ، اختصاصي ثان) بينما يقوم مجلس المهن الصحية والطبية باستكمال إجراءاتهم مع العلم بأنهم ليسو أطباء وإن نالوا قسطاً من العلم والمعرفة، وبالطبع ليس المقصود من حديثي التقليل من شأنهم أو الاستخفاف بما يقومون به بقدر ما هو تعريف عن اختلاف المسارات في الدراسة والترقي، ولا ننكر دورهم الكبير في المستشفيات خاصة في تغطية نقص اختصاصيي التخدير بالبلاد، وبالطبع قضيتهم مكانها ليس الإعلام أو الوسائط بل هي إدارية  ولا شك أن ذلك خلل تنظيمي بين وزارة وهي المسؤول الأول عن صحة مواطنيها وبين مساعدي وتقني التخدير الذين يعتقدون أن حقوقهم هُضمت، ولمزيد من التوضيح يقول اختصاصي التخدير أن أس الخلاف ربما في اعتقادهم أن العمل بالقطاع الخاص أحد حقوقهم طالما يقومون به في القطاع العام، وبالنسبة للعام يكونوا تحت إشراف إدارة المستشفى وعلى قمتها المخدم الأساسي وزارة الصحة إضافة إلى أن اختصاصي التخدير المسؤول الأول عن المريض، وحال عدم وجوده فإن مسؤولية المريض تقع على عاتق الجراح ويظل تقني أو مساعد التخدير تحت مظلة اختصاصي التخدير أو الجراح، وحسب وجهة نظري أعتقد أن الجراح يمنح مريضه أعلى درجات الاطمئنان والأمان في عملية التدخل الجراحي وتوابعه.

تشكيك بالمؤهلات

اعتبر الأمين العام للاتحاد العام للمهن الطبية والصحية د. مصعب برير أن مشكلة التخدير هي واحدة من المشاكل المرتبطة بقضايا اللوائح المنظمة لحق ممارسة المهنة حسب الإجراءات المتبعة والخاصة بمهنة التخدير، وحدد القانون مهامهم الوظيفية في العام 2011م، وسمح لهم بممارسة نشاطهم وفق اللائحة التي نصت على جراحة اليوم الواحد في الفقرة (12) البند (أ) ، ولكن القائمين على أمر التخدير تفاجأوا باللوائح القاضية بإقصائهم وحرمانهم واشترطت إشراف طبيب على عملهم، وحسب متابعتنا معهم لم تتم استشارتهم عند تعديل اللائحة،  ورغم استصدار المجلس القومي المختص لرخص مزاولة المهنة إلا أن تعديل 2015 منعهم الأمر الذي يدعو لتساؤلات عدة،  كما قاموا برفع مذكرة احتجاج للمجلس التشريعي بالولاية على أمل إنصافهم، فمنهم من يحمل درجات عليا، وفي السابق عند إجازة لائحتهم لم يكن ما يمنع ممارسة نشاطهم في أي من أنواع التخدير، واعتبر برير أن ما يحدث لهم نوع من الظلم وبالطبع نحن معهم قلباً وقالباً، والأسوأ من ذلك التشكيك في مؤهلاتهم ودراستهم التي أجيزت من الجهات المعنية وأمنت عليها وزارة الصحة آنذاك، ولا بد من الاحتكام لصوت العقل والحوار من أجل حلحلة كافة الإشكاليات حتى يتلافى القطاع الصحي العقبات التي تؤثر على تقديم الخدمة.

نظرة اقتصادية

يقول الأمين العام للمجلس القومي للمهن الطبية والصحية د. زكي محمد إن المجلس أنشأ في العام  2010 وأجيز  قانونه في البرلمان، وكان في السابق تبعاً لوزارة الموارد البشرية ومن ثم العمل ومؤخراً أصبح تابعاً لمجلس الوزراء ومهمته حماية المستفيدين من الخدمات الطبية وتطوير المهن الطبية والصحية وضبط الأداء المهني ومنح التراخيص ويقع تحت لوائه  (24) مهنة معتمدة بينها علوم التخدير  وبها مستويان من ناحية التأهيل العملي والأكاديمي مستوى الدبلوم مساعد التخدير وحامل البكالريوس اختصاصي ثان ويدرس علوم تخدير بالكليات الجامعية، ولكل مستوى مسار مهني ومطلوبات للترقي ولائحة وظيفية، يؤدون من خلالها الخدمة بالمؤسسات العلاجية الخاصة والعامة، وبالطبع هناك اشتراطات صعبة لمنح الرخصة بعد التأكد من صحة الشهادات ومنحه السجل التمهيدي ليتدرب لمدة عام ومن ثم يسمح له بمزاولة المهنة بعد اجتياز  امتحان الكفاءة،  ويضيف زكي عندما صدرت اللوائح سابقاً صدرت بتوافق كامل مع كل مكونات القطاع الصحي، ولكن التعديل قضى بحرمانهم من العمل إلا تحت إشراف اختصاصي تخدير، ليبقى السؤال ماثلاً لماذا ترفض اللائحة العمل في القطاع الخاص بينما تجيزه في القطاع العام مع أنه العمل ذاته؟، واعتقد أن النظرة هنا اقتصادية وليست مهنية وعلمية باعتبار أن هناك دخلاً عالياً بالقطاع الخاص، و إذا طبق القرار في المؤسسات العامة فستتوقف الخدمة لقلة اختصاصيي التخدير، وبالطبع العملية تكاملية فهناك عمليات يمكن القيام بها دون اختصاصي تخدير طبيب وهذا في الغالب فما الذي استجد الآن؟ ولو كان التوجيه مهنياً لمنع العمل بالقطاعين، وردد الأمين العام أن الوزارة خالفت لوائحها بتلك التوجيهات التي تسمح لاختصاصي ثاني التخدير بالعمل، ولا ننكر بأن الوزير متعاون ولكن الإشكالية في الأجهزة التنفيذية فهي تقوم بخلق الأزمات، وما أريد توضيحه أن منسوبينا تقع عليهم مسؤولية وعقوبات تصل لسحب الرخصة.

تحقيق: وفاء كباشي

الخرطوم: (صحيفة الأخبار)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى