تحقيقات وتقارير

بعد مشروع القانون الجديد الصحافة.. هل تغرق في لجة المحاذير

ربما لم يكن مفاجئاً أن تأتي تعديلات قانون الصحافة والمطبوعات المقترحة حافلة بعدد من الإشارات الحمراء القانية المتمثلة في إيقاف الصحف لمدة خسمة عشر يوماً بواسطة مجلس الصحافة والمطبوعات ومنحه ـ كذلك- سلطة إيقاف الصحفي عن الكتابة لمدة تقديرية غير محددة وسحب الترخيص مؤقتاً، ولعل عدم المفاجأة يأتي بالنظر إلى تململ الحكومة الكبير من أداء الصحافة طوال سنوات خلت.

في وقت سابق قبل حوالي ثلاث سنوات أو أقل، خرجت حمم نارية تجاه الصحافة بعضها من شخصيات رسمية وأخرى موالية، حيث صوبت نبالها بقسوة بعد موجة من الانفتاح امتشقتها الأقلام الصحفية، وإن اختلفنا أو اتفقنا في مضمون تناولها، وسيل كبير من المستندات والإفادات اعتمدت عليها العديد من الصحف في قضايا الفساد، بعضها اندفع بحمية البحث عن الحقيقة أو وقع التوزيع فكانت العجلة في الطبخ وإن حسنت النوايا، لكن العديد منها أيضاً كانت ملتزمة بنهج التقصي والتثبت، بيد أن الصدمة التي قدمتها لم يكن من الصعب تحملها في ظل فقه تطاول اتكائه على المعالجات تحت الستار أو المسكنات التي تبتعد عن الجراحات الضرورية، فخرجت العديد من التصريحات التي تحذر من محاولة تفكيك النظام أو إلباسه ثوب الفساد قسراً .

البرلمان يدخل الحلبة

وامتدت سهام النقد ضد الصحافة حتى إلى البرلمان آنذاك حيث شن البرلماني عن المؤتمر الوطني د. الفاتح محمد سعيد وقتها هجوماً عنيفاً على الصحفيين السودانيين لتناولهم قضايا الفساد واتهمهم بالتشكيك في مشروعية الحكومة وإضعاف ثقة المواطنين فيها بحديثهم عن الفساد مما يؤدي إلى الإضرار بمسيرة الحوار الوطني، وحمّل الصحفيين مسؤولية هروب المستثمريين من البلاد بسبب نشرهم قضايا الفساد، وطالب البرلمان بتبني إصدار مشروع ميثاق شرف إعلامي لضبط تصريحات الصحافيين في الداخل والخارج والإعلام المرئي والمسموع وصنع صحافة استقصائية تلزم الصحف بعدم التطرق لقضايا بعينها.

وقال خلال الجلسة “لن نمنعهم من طرق القضايا الوطنية، لكن يجب أن يتم ذلك تحت ميثاق”، وأضاف أن أداء الإعلام في الشهر الماضي ومنذ انطلاقة الحوار انحصر جله في الحديث عن الفساد.

ولعل اللافت للنظر، أن النقد جاء من برلماني وليس تنفيذياً في الحكومة، كما أن الحديث عن الفساد كما يرى الكثيرون لا يؤثر على سمعة الحكومات عندما تتخذ فيما تكتبه خطوات جادة للنظر في تلك لقضايا والتحقيق فيها وتحويلها للقضاء، إما لإثبات ما جاء فيها من اتهامات أشارت لها تلك الصحف أو محاسبة الصحفي والصحيفة في القضاء الطبيعي في حالة إن رأت الجهات الرسمية أن ما كًتب مجرد تلفيق أو معلومات خاطئة تشين سمعة الدولة .

ويرى كثير من المختصين بحسب الصيحة الصادرة يوم الأحد أن الدولة التي تحاسب المفسدين وتتعامل مع نهج الشفافية ولا تلقي بالاً لكاريزما الشخصيات مهما علت هي التي يطمئن لها المواطنون ويثقون في سياستها، كما أن المستثمرين يقبلون على الاستثمار في الدول التي تحارب الفساد وتطبق مبدأ الشفافية وليس العكس .

فالمستثمر يتجنب أي دولة تكثر فيها الرشاوى والأتاوات غير القانونية وفرض المشاركة القسرية من الباطن .

هجوم حكومي

وبعد يوم واحد من هجوم البرلماني د. الفاتح، شن وزير الإعلام أحمد بلال هجوماً على الصحافة ونعتها بعدم المهنية والمسؤولية، واستنكر ما أسماه بعمليات الاغتيال السياسي للمسؤولين عبر نشر ملفات الفساد دون التثبت منها، كما طالب بإنشاء محاكم للصحافة خاصة للإعلام للبت السريع في قضايا النشر، وكشف في تصريحات صحافية عن تكوين لجنة من قبل الوزارة وعدد من الأجهزة التنفيذية والتشريعية لمد الصحف بالمعلومات وطالب بالرجوع للجنة في قضايا الفساد قبل نشرها. والفقرة الأخيرة في حديث الوزير عن لجنة المعلومات قد يراها كثير من المراقبين والصحفيين أن التعامل العملي معها يبدو مستحيلاً إذ أن قضايا الفساد بطبيعتها لا يتحمس الجهاز التنفيذي للتعامل معها بالشفافية المطلوبة ولا يعقل أن تمد اللجنة الصحف بالوثائق اللازمة في أي تهمة كما أن قضايا النشر لا تتطلب التعامل البروقراطي مثل الطلبات العادية التي تقدم للدواويين الحكومية قد توافق عليها أو ترفض أو تسكت حتى عن الإجابة حولها ربما لفترات غير محدودة، كما أنه لا ينبغي أن تلزم الصحف بالتعامل مع كيان حكومي في قضايا الفساد طالما هي لديها المصادر التي منحتها تلك الوثائق والمستندات، ويبقى نشرها هو حق الصحيفة وتتحمل مسؤوليته أمام القانون . ولاشك أن إلزام الصحافة بإخطار اللجنة بقضايا الفساد مسبقاً يكبل رسالتها نحو الوصول إلى الحقيقة، وقد يؤثر على مسار القضايا التي تتناولها، لكن الخطوة لم تر النور لاستحالة تطبيقها.

عقبات في الطريق

بالإضافة إلى العقبات القانونية والقرارات الاستثنائية التي تواجه الصحف، هناك عقبات أخرى تتعلق بارتفاع مدخلات الطباعة المتمثلة في الورق والأحبار وغيرها، يمثل تهديداً بالموت الإكلنيكي للصحف.

المطلوبات

أخيراً يرى كثير من المراقبين على ضروة أن تزيل الحكومة كل العقبات التي تواجه الصحافة حتى تؤدي رسالتها وأن تنظر إليها بعيداً عن “فوبيا” التداعيات الأمنية باعتبار أن الحكومات لا تفقد سلطتها وسلطانها لأن الصحافة نالت هامشاً معقولاً من الحرية، لكن الذي يبعدها حقاً من سدة الحكم هو انغلاقها في كهف محكم بعيداً عن هموم الجماهير ونبضها وتمكين مراكز القوى من الفساد والظلم.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى