تحقيقات وتقارير

قراءة في (ذاكرة الكتمة) والحرب في جنوب كردفان من المستفيد بعد (7) اعوام

(ذاكرة الكتمة) سبع سنوات مرت من اندلاع الحرب في جنوب كردفان.. بالطبع التاريخ يفتح أبواب الأسئلة الحاضرة: ما الذي استفاده الناس من استمرار الموت؟ وما هي آليات تجفيف الدماء؟

في السادس من يونيو تمر الذكرى السادسة لانفجار الأوضاع في منطقة جبال النوبة. الحرب التي يؤرخ لها البعض باسم (الكتمة) التي صادفت السادس من يونيو وتحديداً في الساعة السادسة مساء. الآن تمر سبع سنوات على عودة الجبال للحرب بمترتباتها المعروفة وبالمعاناة التي كتب على المواطنين العيش بين جنباتها دفعاً لفاتورة الصراع السياسي بين الحركة الشعبية والمؤتمر الوطني. المفارقة أن الحرب اشتعلت بسبب الاختلاف حول نتيجة الانتخابات التي أجريت في المنطقة في العام 2011 بين مرشح المؤتمر الوطني لمنصب الوالي أحمد هارون ومرشح الحركة الشعبية لذات المنصب عبد العزيز الحلو. هارون تم نقله والياً لشمال كردفان بينما واصل الحلو لعبة السياسة عبر نجاحه في إزاحة ياسر عرمان ومالك عقار عن إدارة شأن الحركة التي تقود الحرب من أجل إزالة تهميش مواطني الإقليم.
في العام السابع لذاكرة الموت في الجبال تبدو الصورة هناك مفتوحة على كل سيناريوهات الألم في ما يتعلق بحياة المواطنين الذين يرافقهم السؤال: (لماذا الحرب؟) وبمعني آخر: لماذا عليهم دفع فاتورة رغبة البعض في التمسك بالكرسي الذي يبعد عنهم بمئات الأميال التي تقاطعت مع رغبة آخرين في الصعود لذات الكرسي؟ يظل السؤال وقتها بلا إجابة بينما ينتظر الجميع من ينقلهم من حالة الرهق اليومي لحالة زمان السلام الذي تنشط فيه أدوات البناء والإنتاج بدلاً عن أدوات الموت المتبادل.
سبع سنوات من حالة الحرب في ذلك الإقليم تطرح السؤال: كيف يبدو راهن من أشعلوها؟ حين تمضي في اتجاه الرفاق في الحركة الشعبية يفاجئك مؤتمر جبال النوبة الذي أفضى لانشقاق الحلو عن عقار ومغادرة عرمان منصب الأمين العام الذي بدا وكأن لا شخص يستطيع أن يملأ فراغاته مثلما يفعل ياسر بينما يتمترس الحلو ومناصروه في ضفة المطالبة بحق تقرير المصير للإقليم. حق تقرير المصير الذي لا يمكن استيعابه في الحالة السودانية غير أنه تأكيد لحالة جديدة من التشظي وإعادة نموذج الجنوب في جبال النوبة وبالطبع فإنه في ظل هذه الحالة من التشرذم فإن التعاطي مع مشروع السودان الجديد، تظل حالة ترف لا مكان لها في الواقع المعاش.
بعد سبع سنوات من المعاناة مع الموت ومن زيادة الضحايا وتمدد معسكرات النزوح واستيطان الخوف مكان الدخن والسمسم وتفريق المرأة عن ابنها وزوجها.. يخرج الأمين العام للحركة الشعبية وهو نفسه الرجل الذي كان يقود التفاوض مع أحمد هارون لتلافي سيناريو تجدد الموت. ياسر عرمان ليقول إن النضال المسلح ليس صنماً يعبد وإنه وفصيل حركته في أتم الاستعداد لخوص مفاوضات تقود لتسوية سياسية يكون ثمنها استقرار ما تبقى من السودان.
الجميع رحبوا بخطوة حملة السلاح في الاتجاه نحو السلام، لكن.. وحدهم المكتوون بسنوات الموت وفقدانه رددوا السؤال: وماذا عن الذي مضى؟ وما هي قيمة الأرواح التي راحت هدراً؟ وهل كل ما جرى هو تأكيد على مقولة إن الحرب يخوضها أفراد يقتلون بعضهم دون أن يعرفوا بعضهم لمصلحة أناس يعرفون بعضهم تماماً ويعرفون ما يريدونه؟
بالتأكيد أن سبع سنوات من الموت ومن توقف مشاريع الإنتاج كافية لطرح السؤال: ما الذي تحقق في تلك الفترة؟ وما هي المكاسب التي نالها كل طرف؟ وما الخسائر؟ هل حققت الحركة مشروعها في إنجاز وحدة طوعية تقوم على اساس المساواة وفتحت الباب أمام تحول ديمقراطي حقيقي؟ ولأي مدى نجح المؤتمر الوطني في تنفيذ تعهداته الانتخابية بتوفير الحماية للمواطنين وبالاستمرار في مشاريع التنمية؟ بالطبع الإجابة في الحالتين تظل صفراً كبيراً وتؤكد على فرضية رئيسة أن الحرب الأهلية ليس فيها منتصر بل مهزوم واحد هو الوطن.. وفي حالة السودان فإن الهزيمة دائماً ما ترافق أولئك الذين يتم توظيفهم بأنهم محض وقود للحرب.
بالطبع سؤال استمرار الحرب ورفضها من الجوانب كافة يفترض سؤالا آخر يتعلق هذه المرة بمدى توفر البيئة التي يمكنها صناعة السلام وتحديدا وفود التفاوض.. كثيرا ما يردد الشركاء في حكومة الوفاق الوطني عدم رضائهم عما يتعلق بالإنجازات في ملف السلام ويردون التأخر في ذلك لإصرار السلطة على بعث وفود لا تمثل حكومة الوفاق الوطني ولا يتمتع أصحابها بالقبول والمرونة التي تمكنهم من خوض التفاوض من أجل تحصيل السلام بل إنهم يساهمون في زيادة حدة الاختلاف.. بينما يؤكد المعارضون للحكومة على الدوام أن الأخيرة لا تستطيع العيش في سلام وأنها تستثمر من أجل بقائها في إثارة الحروب والنزاعات.. فيما يبدو الجميع؛ حكومة ومعارضة وحملة سلاح، في حل عن المطلب الحقيقي للمواطنين وهم يرددون رغبتهم بالقول: (أجمل ما في الحرب نهايتها).

تحليل : الزين عثمان – اليوم التالي

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى