تحقيقات وتقارير

بروفايل : السنوسي.. قيادي صنعه الغياب

تسبب إغلاق السلطات الإنجليزية لخلوة في مدينة الأبيض لأسباب أمنية في ظهور سياسي لعب أدواراً مهمة في تاريخ السودان سواء عبر العمليات العسكرية أو التكتيكات السياسية
يتذكر إبراهيم السنوسي ذلك القرار ويبتسم في جلسة أنس الأسبوع الماضي بـ(خيمة الصحفيين) التي تنظمها طيبة برس قبل أن يقول: “لو ما قفلوها كنت الآن فكي كبير ومش رجل سياسة”.
غياب الخلوة كان الأول، ليأتي الغياب الثاني باعتقال زعيم الإسلاميين حسن الترابي إبان مظاهرات شعبان، ويتولى السنوسي المكتب السري، أما الغياب الثالث فكان رحيل الترابي في وقتٍ حرج بالنسبة للشعبيين ليتولى السنوسي دفة القيادات ويوصل الحزب إلى بر أمان المؤتمر العام في مارس 2017 (السوداني) الصادرة يوم الأربعاء ترسم ملامح من المسير في هذا البروفايل  .

الصف الأول

تداولت وسائل الإعلام خلال الأيام الماضية، خبر مشادة في مسجد سيدة سنهوري بطلها شاب تسلل للصف الأول خلف الإمام ذائع الصيت شيخ الزين محمد أحمد في مكان ألفه السنوسي وظهر فيه كثيراً على شاشات التلفاز خاشعاً للتلاوة، إلا أن معالجة مكتب السنوسي للحادثة جعلته يتحمل وزرها بالمدافعة في صفوف الصلاة.
المفارقة كانت حاضرة بعد يومين في خيمة الصحفيين عبر مداخلة الصحفي عمار محمد آدم التي يتحاشاها من يحضر الخيمة ويعمل لها ألف حساب، حين حاول عمار إلقام الشيخ حجراً ودفعه للاعتذار عن محاولة غزو الخرطوم إلا أن السنوسي راوغ ببارعة وهاجم عمار بوصفه أحد مناصريه في تلك المحاولة وأحد قادة التظاهرات المؤيدة لهم.
السنوسي بالرغم من عمله السابق كمذيع إلا أنه حذر في التعامل مع الصحفيين وبحكم خبرته الأمنية في المكاتب الخاصة للحركة الإسلامية لذلك تجده متحدثاً بارعاً في الندوات إلا أنه يتحاشى ضيق الأسئلة وحرج الحوارات.

مناكفة ومناصرة

إبراهيم محمد السنوسي عبد الكريم الذي دخل القصر ضمن حكومة الوفاق الوطني مساعداً لرئيس الجمهورية ولد في الأبيض في العام 1946، وصل إلى العاصمة الخرطوم لدراسة الثانوية فبدأ مبهوراً بها لينضم في سنته الأولى للحركة الإسلامية، أثناء عقدها المؤتمر الأول للمدارس في العام ١٩٥٤م والذي كتب دستوره د. حسن الترابي، ليتخرج لاحقاً في العام 1970 في كلية الحقوق جامعة القاهرة فرع الخرطوم.
السنوسي ارتبط منذ تلك الفترة بالترابي وظل ملازماً له، بجانب ذلك عمل معلماً ومديراً في مدارس بيت الأمانة الوسطى والثانوي بنين وبنات حتى 1973م، وعضو الجمعية التأسيسية عن دوائر الخريجين إقليم كردفان 1986م، قبل أن يصبح والياً لولاية شمال كردفان من 1997م إلى 1999م، لينحاز عند ساعة المفاصلة نحو المنشية ويصبح نائباً للأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي حتى مارس 2016م، قبل أن يتولى المنصب بعد رحيل الترابي.
علاقة السنوسي بالترابي لم تكن على وفاقٍ دائم، فبعد ثورة أكتوبر صدح الترابي بآرائه التجديدية التي مثلت هزة لمعتنقي الفكر الإخواني لا سيما بعد أن قدم انتقادات لفكر سيد قطب وتحدث حول تعزيز دور المرأة وتوليها للمناصب العامة بما فيها الوزارة، مما جعل السنوسي يتخندق ضده ضمن جناح جعفر شيخ إدريس وصادق عبد الله عبد الماجد.
قبل أن تحدث مصالحة ويجد الفريقين أنفسهم في سجون نميري 1973.
عندما بدأ التخطيط لمظاهرات شعبان تم اعتقال الترابي في بدايتها ليتولى السنوسي المكتب السري ولكن رد الفعل العنيف وموجة الاعتقالات الواسعة للنظام أفشلت الاحتجاجات.
ليخرج السنوسي متنكراً كتاجر ضان ملتحقاً بصفوف الجبهة الوطنية في ليبيا التي ترتب لدخول الخرطوم في عملية عسكرية بقيادة العقيد محمد نور سعد 1976 التي فشلت في الإمساك بالسلطة.
لعب السنوسي دوراً عسكرياً كبيراً ولمع نجمه وتولى مسئولية تأمين كبري النيل الأبيض حيث تعرفت عليه تلميذته ليلى المغربي وأبلغت السلطات لاحقاً باسمه.
يجد الكثيرون تشابهاً في ملامح السنوسي وشيخه الترابي من حيث الهيئة إلا أن المدقق يجد تمايزاً كبيراً من حيث الأفكار والتعاطي مع الإعلام، فالترابي متحرر في أفكاره، ومحاور جيد لخصومه، بينما السنوسي معتد بآرائه متعصب لأفكاره متشدداً في النصوص.
ثاني التمايزات الفكرية بين الشيخين كانت إبان قانون التوالي حيث كان الترابي يزمع تحقيق انفتاح سياسي تعددي إلا أن السنوسي وآخرين أعلنوا معارضتهم له وانحيازهم للعسكر ليصل الترابي لصيغة توافقية معقدة عرفت لاحقاً بالتوالي السياسي.

العشق الأحمر

السنوسي كان من عشاق النادي الأحمر وسعى لدخول إداراته كتمرين سياسي بعد مشاورة الترابي، وفي ذات الوقت كان السنوسي مثل بقية الإسلاميين يناهض الحزب الشيوعي ووصل به الأمر حد الاستماع للفنان أحمد المصطفى بعد أن بلغهم أن الشيوعيين يحبون حسن عطية.
السنوسي عركته التجربة التنظيمية والعمل السياسي وأظهر حنكة سياسية في المحافظة على تماسك الشعوب في وجه نحو أربعة مذكرات احتجاجية كادت أن تعصف بوحدة الحزب بعد رحيل شيخه وهم في منتصف الطريق للعودة للسلطة ليوصله للمؤتمر العام ويسلم الأمانة لعلي الحاج، الأمر الذي خلق له أرضية تمكنه من العودة لاحقاً بشكل أكثر قوة لقيادة الحزب في المؤتمر العام القادم إن أراد ذلك لا سيما بعد ظهور تيارات رافضة لنهج الحاج.
السنوسي بات رقماً يصعب تجاوزه في صفوف الإسلاميين بخبرته السياسية العامة و(الخاصة) الأمر الذي يجعله عصياً على التجاوز في أية معادلة داخلية لهم، إلا أن المحك الأساسي له قدرته على التواصل مع الأجيال الشابة وقطاع المرأة الأمر الذي يؤمن له رصيداً يتوازى مع كسبه ويساهم في تحقيق تطلعاته السياسية.

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى