تحقيقات وتقارير

تُمُور سعودية أتت لتُوزَّع مَجّاناً.. تُباع في قلب العاصمة!!

(غير مُخصَّص للبيع)، هي فقط مُجَرَّد عبارة تُكتب في المملكة العربية السعودية وتُقرأ هنا في الخرطوم، إنّها  (عجوة السعودية) المُنتجة بمصنع تمور الإحساء وتتوَّسط (كيس) عُبوَّتها عبارة (غير مُخصَّص للبيع) بتعبئتين زنة (1) كيلو و(2) كيلو، لكنها مع ذلك (تُباع) بل تغرق الأسواق في الخرطوم ما جعلها تُشكِّل خُطُورة على الإنتاج المحلي، وقد اشتهر بعرضها سُوقان، هما السوق المحلي بالخرطوم وسوق البوستة بأمدرمان.

قائمة أسعار

القذافي صاحب محل تجاري بالسوق العربي قال لـ (لسوداني)، إنّ هذه العجوة تأتي إلى السودان من المملكة العربية السعودية في شكل منحة للفقراء والمَساكين عبر المُنظّمات الخيرية، مُشيراً إلى أنّ العجوة تأتي إليهم من المطار (مُباشرةً) قبل وصولها إلى المُحتاجين سواء كانوا في المُعسكرات أو في منازلهم، وردّ على سُؤالنا كيف تأتيهم في محلهم من غير مجهودٍ وبسعرٍ رمزي؟ قال إن (البلد تعتريها الفَوضَي!) ويُوجد تُجّار يقومون بتصديق الورق من السودان وآخرون بالسعودية وتحديد الكمية والسعر وعند وصولها للسودان تُوزّع في حينها للأسواق، مُضيفاً أنّ العجوة تأتي في عبوتين، عبوة (1) كيلو بقيمة 40 جنيهاً، وعبوة (2) كيلو بقيمة 80 جنيهاً، ومضى بقوله إنّ سعر الكرتونة هو 400 جنيه للعبوتين، وتَختلف الأسعار من منطقةٍ لأُخرى لأنّها مسألة ضمير، في حين أنّها تأتي من المملكة مَجّاناً ومكتوب على الغلاف (غير مُخصّص للبيع) وتُباع نهاراً جهاراً في قلب العاصمة وتُعبر من غير رسوم جمركية من المطارات والموانئ والسَّماح لها بأنّها إغاثة.

(تُمُورنا في خطر!!)

عمر إسماعيل تاجر، أفاد (السوداني) الصادرة يوم الأربعاء أنّ العجوة السعودية تمتاز بالجودة وحلاوة المَذَاق، إضَافَةً لإقبال ورغبة الزبائن في شرائها حتى وصلت مرحلة الندرة، وأضاف أنّها حالياً تُوجد بأمدرمان والسوق المحلي بكميات كبيرة، وقال مُتعجِّباً: (في سوق أمدرمان ما ليها حَد)، ومضى يسرد: إنّ العجوة لا تُوجد شِبه مُحتكرة لأناسٍ مُعيّنين وصفهم بـ (التّماسيح) هم من يقومون بتوزيعها، ويتولون أمر استخراجها من المطار للسوق، ونوّه في حديثه أنّ ذات المافيا هي من تقوم بتسهيل طريقها من المملكة إلى السودان باستخراج التصاديق لدخولها للبلاد بـ (تحت تحت) من غير عِلم الجهات الرسمية، مُضيفاً أنّ العجوة السعودية تُباع الآن في المحال التجارية بسعرٍ أقل من عجوتنا السودانية، والسّبب طبعاً هو لأنّ الأولى تأتي في الأساس كعونٍ ويُفترض أن تُوزَّع مَجّاناً، وبالتالي فإنّ فارق السعر لصالح العجوة السعودية يُشكِّل مُهدِّداً حقيقياً للمنتج المحلي.

البوستة أمدرمان

محمد إبراهيم صاحب محل تمور بالسوق العربي تحدث عن العجوة التي يبيعها وعن كيفية جلبهم لها بقوله: (إنّهم يجلبونها من أسواق أمدرمان سوق البوستة ويشتهر هذا السوق بالتمور السعودية بكل أنواعها، حيث أنّ العجوة التي به تأتي من المُنظّمات كإغاثة للضعفاء والنازحين في المُعسكرات ومُتضرِّري الفيضانات والسيول، هكذا تخرج من المملكة العربية السعودية)، وردّ ساخراً على سؤالي حول مَجّانيتها المَكتوبة على الغلاف بقوله: (من ما قمت حصل زول في السوق أعطاك شيئاً بدون مُقابل؟ نحن هنا بنشتريها بي كم دي ما تسأل منها، لكن بنبيع ليك الكرتونة زنة (2) كيلو نحو 12 كيساً بــ 500 جنيه، ونحن بجيبوها لينا “أخوان البنات” وهؤلاء يقع على عاتقهم كل الأعباء، الترحيل من المطار واستخراج الأوراق، وأنّ هذه التمور تُباع في الأسواق قبل وصولها إلى أصحابها الأصليين وهم شريحة المستضعفين)، وزاد الرجل بقوله: (المال السائب يُعلِّم السرقة).

تهديد تجاري

ويقول أنس حامد ممثل المُزارعين للتمور بمدينة دنقلا لـ (السوداني)، إنّ التمور المُستوردة التي تأتي من المملكة العربية السعودية تُؤثِّر على سوق التمور المحلية وتؤدي إلى تدهور الأسعار، لأنّ المستورد دائماً أفضل من المُنتج المحلي، لذلك نُناشد الدولة بضبط السُّوق والاهتمام بترقية وتَجويد المُنتج المحلي وتحقيق المُنافسة حتى يتسنى للمُنتج المحلي تصديره للخارج بدلاً من الاستيراد وتنتقل الفكرة من الاستيراد للتصدير.

حفظ كرامة

وأكد د. نصر الدين شلقامي نائب رئيس فلاحة ورعاية النخيل السودانية، عدم رضاء المُزارعين والمُنتجين المحليين لهذه التمور التي تأتي من مُنظّمات وتقوم بعض الجهات ببيعها في السوق واستبدال ثمنها بشراء الذرة، مُعزِّزين موقفهم أنّ المُواطنين المعنيين بها لا يأكلون التمور ويستبدلونها لهم بالذرة والمواد الاستهلاكية، وأضَافَ قائلاً: نحن ضد هذا التصرف لأنّه يضر بالإنتاج المحلي للتمور، ووردت إلينا مذكرة احتجاج من المُزارعين والتُّجّار المحليين وتمّ رفعها لمجلس الوزراء للبت في أمرها، ونوّه شلقامي أنّه ليس ضد الإغاثة في حَدِّ ذاتها، بل في التصرف غير السَّليم وهو بيعها بأسعارٍ زهيدةٍ تضر بالمُنتج المحلي.. وناشد المُنظّمات الإغاثية بإيصال التمور والعجوة لأصحاب الحاجة لأنّهم هم الشريحة المناط بها.. وطالب شلقامي مفوضية العون الإنساني بضبط وتقنين هذا العمل لحفظ كرامة المُواطن وتقليص بيعها بالأسواق الذي يُعد فساداً، ونوّه مفوضية العون الإنساني لضبط الإغاثات وعدم التلاعب وتكرار سيناريو بيع الخيام وغيرها في السنوات السابقة.

جودةٌ عاليةٌ وثمنٌ زهيدٌ

من جانبه، تحدث لـ (السوداني) رئيس اللجنة الاقتصادية بجمعية حماية المستهلك د. حسين القوني قائلاً: إنّ التمور السعودية مُهدِّدٌ للمنتج المحلي، في حين أنّ جهات الاختصاص تَسعى لتطوير وتصدير المُنتج المحلي، تفاجأ بتمورٍ سُعوديةٍ تفوق المنتج المحلي من حيث الجودة وبسعرٍ زهيدٍ، وردّ على سؤالنا كيف تدخل هذه التمور وما هي الضوابط والشروط التي تُخضع لها؟ أجاب الرجل بأنّ جمعية حماية المُستهلك بريئة منها، ولا تعلم عنها شيئاً، مُبيِّناً أنّ شُروط دخول واستيراد كل سلعة غذائية يتطلّب بطاقة تُحدِّد مُكوِّنات المُنتج وتاريخ الصُنع (الإنتاج) وفترة الصلاحية وطريقة الحفظ (التبريد والإضاءة)، واتّهم القوني، وزارة التجارة بالتقصير بدخول هذا المُنتج من التمور خَاصّةً أنّها تُعتبر سلعة غير أساسية، واختتم حديثه مُتسائلاً: من أين تَتَحَصّل الجهات التي تستوردها، على النقد الأجنبي ومن أين لديها..؟!

حصرياً على المُؤسّسات:

مُوظّف بالهلال الأحمر السعودي فضّل حجب اسمه  تحدث لـ (السوداني)، وقال إنّ التمور السعودية التي تُكتب عليها (غير مُخصّص للبيع) ترد إليهم في شكل (هدايا) في شهر رمضان للمُوظفين بالهلال الأحمر، وتأتي إلينا في شكل (حِصص) ودفعات بعدد (كراتين) كشوفات المُوظّفين وحصرياً عليهم، مُؤكِّداً أنّ كل الجهات السعودية تبعث لمُوظّفيها تموراً في رمضان، إضافةً إلى منظمات الإغاثة السعودية المُنتشرة في السودان والخيِّرين السعوديين، ورد على سؤالي حول انتشار بيعها في السوق، بقوله إنّه وجدها ضمن الضيافة عند أسرة سُودانية، وعندما سأل أهل المنزل من أين استجلبوها قالوا: (اشتريناها من سوق الله أكبر).. مُختتماً حديثه بوجود خللٍ في الرقابة ومُتابعة الأسواق، لأنّ دَيدَن هذه التمور هو مُساعدة وإغاثة المُحتاجين، وعدم توصيلها هو فقدان المصداقية..!

الخرطوم (كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى