العولمة وُجِدَت لتبقى.. ولكن الهيمنة لمَن؟!

العولمةُ سمةٌ من سِمات التطوُّرِ الإنسانيِّ.. فيها وعليها.. تجاذباتٌ وتبادلُ مصالحٍ بين الدول والمجتمعات، ووجودها شيءٌ طبيعيٌّ، ولكنَّ إفسادها -مثل غيرها- يصبحُ من عبثيَّة البشرِ -دولًا ومجتمعاتٍ-! والعولمة -تعريفًا- تبادل منافع، وسائل وخدمات، وبصفة عامَّة تبادل مصالح، ولا ينبغي أنْ تكون قهرًا، واستغلالًا، وإقصاءً، واستبدادًا، كما حوَّلتها الدُّول الكُبْرى التي تحوِّل كلَّ شيء من شؤون حياة البشر، إلى مصالح احتكاريَّة تتحكَّم بها كما تشاء، ولكنَّ القوَّة ونزعة الهيمنة والاستبداد، التي عادةً ما تحرِّك الدول الكُبْرى ذات الأطماع التي لا حدودَ لها، تلقي بتحدِّياتها الداخليَّة إلى الخارج؛ بحثًا عن حلولٍ ومصادرَ لدعم مخططاتها التنمويَّة والاقتصاديَّة في وطنها الأُم.. وللتَّشبيه: بريطانيا العُظمَى من جزيرة صغيرة محاطة بالبحار من كلِّ الجهاتِ، مدَّت نفوذها واستعمارها لعدَّة قرون في كلِّ جهاتِ الأرض؛ لتحقيق أطماعها؛ بنهب ثروات مستعمراتِها وتحويلِها إلى مركزها في لندن «عاصمة الوطن الأم»، حكمت مستعمراتها بالنَّار والحديد، حتَّى ضجَّت الشعوبُ المستعمرَةُ المغلوبَةُ على أمرها، وثارت ضدَّها، والتاريخ شاهدٌ على أنَّ مصدر الاستعمار البشع أوروبا: بريطانيا، وفرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا استمرَّت في اضطهاد الشُّعوب حتَّى أصبح بقاؤها مكلِّفًا وغيرَ مرغوبٍ فيه.. وليس مثل الإسلاميِّ، الذي كانت رسالتُه عامَّةً إنسانيَّةً مسالمةً.. تنمويَّةً اندماجيَّةً بامتياز.. والتَّاريخ يشهدُ بذلك.. وقد كان -ولايزال- الدِّينُ الإسلاميُّ عولميًّا من البداية بامتياز؛ لأنَّ رسالته للإنسانيَّة جمعاء، كما ورد في القرآن الكريم سورة الحجرات آية ١٣:(يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).في المرحلة الحالية خطاب ترامب/ أمريكا، التي وُلِدت من رحم الإمبرطوريَّة البريطانيَّة سياسيًّا واقتصاديًّا غير مقبول، ويحتاج لشجاعة ومواقف جماعيَّة.
الصين دولةٌ عُظمَى، اقتصادها ينافس بقوَّة على المركز الأوَّل، وخرجت من حلقة التخلُّف وأصبحت دولةً صناعيَّةً بامتياز، وبسرعة هائلة كوَّنت سلاسل إمدادات إلى كلِّ القارات، ودول العالم، وفي مقدِّمتها أمريكا، وكوَّنت ثروةً مهولةً من الذَّهب والدولار الأمريكيِّ، واذا أرادت -وفي الوقت المناسب- تستطيع جرَّ أمريكا للإفلاس.. أكرُّر للإفلاس!محاولة أمريكا -في هذا الوقت- تستهدفُ ليَّ ذراعِ الصِّين وغيرها من الدُّول، ولكنَّها لن تستطيع.. انظر تراجعها مع إيران!
والآن بدأت بإرهاب العرب، بالقول: اختاروا معنا، أو ضدَّنا.. والظَّاهر أنَّ هذا مشروع رحلة ترامب المقبلة، وهذا السؤال لا يمكن الإجابة عنه إلَّا بأسلوبٍ جماعيٍّ وبالحرفِ الواحدِ «لا»، خيارات العرب يجبُ أن تبقَى مفتوحةً وفق ميثاق الأمم المتَّحدة، الذي ينصُّ في المقدِّمة على ضمان سيادة الدُّول، واتفاقيَّة منظَّمة التجارة العالميَّة، والقانون الدولي، وخطاب الهيمنة وإرهاب الدول -صغيرها وكبيرها- يجب أنْ يتوقَّف.. وللحديث بقيَّة..
م. سعيد الفرحة الغامدي – جريدة المدينة