هل ترامب جاد بشأن ضم بنما؟

أدلى الرئيس ترامب أثناء حملته الانتخابية، وفي خطاب التنصيب بتصريحات ووعود مثيرة كالعادة، لكن تصريحاته المباشرة أثناء حملته الانتخابية وإعادة التأكيد عليها في خطاب التنصيب بشأن إعادة استعادة قناة بنما، ناهيك عن وعود مباشرة باحتلال جرين لاند، وضم كندا لأمريكا، أصابت العالم كله بذهول، فهي غير متوقعة حقاً خاصة من رئيس يعد بالسلام.
قناة بنما خاضعة للسيادة الكاملة لدولة بنما منذ عام 2000 وما قبل ذلك كان مجرد اتفاقات أمريكية مع حكومة بنما تسمح للولايات المتحدة بالإدارة المشتركة على القناة مع الإقرار بسيادة بنما على القناة. والقناة تعد ثاني أهم ممر ملاحي عالمي بعد قناة السويس، ويتجاوز دخل بنما من القناة قرابة الخمسة مليارات دولار سنوياً.
بغض النظر عن كيفية إعادة ترامب بنما للسيادة الأمريكية باعتبارها حقا تاريخيا كما يقول؛ بنما أولوية تركيز رئيسية لإدارة ترامب، وصرح ترامب ضمنيا وعلانية لبواعث التركيز على بنما، وهي التصدي للسيطرة الصينية على بنما – كما يقول – والتخلص من الرسوم الجمركية السخيفة وغير العادلة على حد قوله المفروضة على السفن التجارية الأمريكية التي تمر عبر القناة، وتعد الولايات المتحدة أكبر مستخدم للقناة.
هدد ترامب باستخدام القوة العسكرية لاستعادة القناة بصورة علانية أمام العالم، وهذا ما سبب جدلا واسعا حول جديته في تنفيذ ذلك. والواقع أن بواعث اهتمام ترامب بالقناة، ربما تؤكد على استعداده لذلك.
واستخدام القوة العسكرية لضم بنما ليس بالأمر السهل على الإطلاق، فبخلاف كونها جريمة عدوان متكاملة، فمن المؤكد أن هذا العمل سيتحول إلى حرب عالمية ثالثة، أو بالأصح تشكيل تحالف عالمي بقيادة الصين وروسيا يضم أيضا دول أمريكا اللاتينية ضد الولايات المتحدة وحدها.
هل ترامب ومستشاريه لا يعملون ذلك؟ بالقطع يعلمون مآلات هذا التصرف. إذن التهديد باستخدام القوة العسكرية، أو التهديد بضم القناة بصفة عامة ليس ببعيد عن نهج «سياسة حافة الهاوية» أو «سياسة الضغط القصوى» المفضل لترامب. وهو نهج اتبعه لعقود كرجل أعمال، وأشار إليه في كتابه الشهير «فن الصفقة»، ويستند على ممارسة أقصى ضغط على الخصم من أجل إخضاعه بالموافقة على مطالب أدنى هي التي يريدها بالفعل الطرف الضاغط.
وبالقياس على ذلك، يتصور ترامب أن ممارسة حافة الهاوية على حكومة بنما، ستؤدي إلى تخفيض الرسوم الجمركية على التجارة الأمريكية كحد أدنى من الطموح، وفي الحد الأقصى للطموح، إبرام اتفاقية مع بنما من شأنها توسيع النفوذ الأمريكي على القناة بصورة ما، وإجبار بنما على تقليص تعاونها مع الصين. وبشأن الأخيرة ربما قد ارتأى ترامب أن توسع النفوذ الصيني في بنما نظراً لموقعها الإستراتيجي الحيوي، يمهد الطريق لتقويض النفوذ الأمريكي التقليدي في أمريكا الجنوبية، لاسيما في ضوء الشراكات الصينية الواسعة مع دول القارة الكبيرة، واجتياح اليسار المعادي لأمريكا القارة.
خلاصة القول، نرى أن ترامب استنادا إلى عقيدته المناهضة لاستخدام القوة، والضعف العام الذي تمر به الولايات المتحدة، والخطورة الشديدة الناجمة عن ضم القناة بالقوة، غير قادر على ضم القناة بالقوة، إنما هو تكتيك حافة هاوية هدفه في نهاية المطاف محاولة فرض النفوذ الأمريكي التام على القناة.
د. فاتن الدوسري – الشرق القطرية