الأنثى سكن الروح
تمر الأيام سريعا من عمر الإنسان، بين رحلة عمر بكل ما يمر فيه من مواقف وتجارب وخبرات، وبين ما يقف عنده من محطات انتظار وترقب وسؤال وحيرة، ومحطات أخرى يلتقي خلالها وجوها قد يعرفها، وقد يكون التقى بها في سنين عمره أو التقى بها في عالم تلاقت فيه الأرواح قبل أن تتلاقى واقعا..
• أجمل ما يمكن أن يحققه الإنسان من إنجاز يشعر خلاله بسعادة وقرب حقيقي من روحه..بما يحققه من تصالح وقرب من ذاته، والالتفات اليها بحب واهتمام في زحمة انشغاله أو زحمة الأمنيات والأحلام التي لم يستطع تحقيقها، أو في زحمة بشر وضجيج يحاول خلالها الهروب والبحث عن ركن هادئ ومكان يختلي فيه بذاته..
• بعض البشر رغم كم الدوائر والأدوار التي يعيشون ضمنها؛ إلا أنهم لا يلتفتون ولا ينظرون ولا يعيرون اهتماما لمن هم في دائرتهم القريبة بهم كقدر ورحم، ولا يلتفتون لأهمية الدور الذي يشغلونه.. تجدهم في هرولة دائمة وفي لهاث مستمر في الانشغال بمن حولهم وما في أيدي غيرهم!!
• كل منا يسكنه ذلك الطفل البرئ الذي يرفض أن يتقدم بالعمر ويكبر أو ينضج او أن يغادر، هذا الطفل هي الروح النقية والصادقة والشفافة التي قد يتجاهلها وينساها كثير من البشر في زحمة انشغالهم ظنا منهم أن البراءة ضعف !.. وإن ردة الفعل العفوية سذاجة وإن تخصيص وقت لمرافقة وحوار الطفل مضيعة للوقت.. !
• هذا الطفل الذي يسكن عمر الإنسان والذي كان أساس تكوين شخصيته ونضوجه.. عمر مهم وجميل في كل ذكرياته.. وإن كان هناك من لم يعش طفولته وبراءتها ولهوها بكل مراحلها..
• وهناك من يعيش معه ويسكن روحه ذلك الكهل، من عمر الإنسان..
• قد يُهمل ويُنسى ويُترك وحيدا..هذا الكهل..لسنين حياة إنسان سبق سنوات عمره الحقيقي لما مر به من تجارب عمر وتراكم خبرات ليقبل إليه ويكون ضمن سكاني أعماقه.. ذلك العمر بتجارب عبرت حياته تأتي لتربت على كتفه في لحظات ضعفه.. وتمنحه حكمة سنين لم يعشها في زمن يفتقد فيه سندا يتكئ عليه، وعقلا يرشده لرؤية وتجربة وخبرة عمر لم يكن ضمنها..
• هذا الشيخ الهادئ كثير الصمت.. والتفكر وجد في أعماق الإنسان ليؤدي دورا مهما قد يفتقده حوله في عقول بشر وحكمتهم.. لنصغي لهذا الصوت الهادئ متى ما أخذتنا ظروف الحياة إلى سيناريو لم نكن نتوقعه ونتخيله أن يكون ضمن تجارب عمر نعيشه..
• كل منا يرافقه عمر الشباب والطموح.. والرغبة في العمل والإنجاز، تتزاحم أمامه أمنياته ورغباته، وكم الإحلام والطموح الذي يرغب في تحقيقها.. يود في اللحظة التي يعيشها أن يكون كل شيء وفي كل مكان هو الشيء المهم والشخص الذي تلفت إليه الرؤوس وتصغى له الأسماع، وتبرق له الأحداق وتهفو الأرواح للاقتراب منه وطلب وده ورضاه. هذا العمر نريده دوما معنا ولا نود أن يهدأ تقدمه ولا أن يصمت صوته ووجوده لأنه هو التعبير والصورة التي يراها من حوله.. ودافعا دائما لوجوده وحقيقته..
• وتبقى موجودة وحاضرة دائما هي الأنثى الحقيقية بهدوئها وصمتها وخجلها ومشاغبتها وحزنها.. تبقى الأنثى أينما كانت الطفلة والشابة والحكيمة وبكل أدوارها.. أم وزوجة وابنة وشقيقة.. تبقى الأنثى الحكيمة والحنونة.
• الأنثى خجل جميل يسكن الأعماق لمواقف وقرارات ولحظات.. تكون هي المانعة لتهور ربما قد يكون، وربما تكون الحاضنة لحيرة خوف زائرة وشك وظنون، الأنثى سكن طمأنينة روح تُشعرنا أننا هنا بكل ذلك الهدوء وبكل تلك القوة اللينة التي لا تكسر ولا تتراخى ولا تنقاد حسب الأهواء.
• قد تكون أنثى تسبق مراحل عمر سنوات وسنوات..إلا أنها تبقى رفيقة مخلصة، ووفية، وصادقة وأمينة لا يمكن أن تخون صاحبها، ولا يمكن أن تُمارس أشكال غدر وغياب وهجر ! ولا يمكنها أن تكون أنانية الفكر والتصرف والاهتمام.. أنثى تضع ذلك الطفل في حضنها.. وتعتني وتهتم بذلك الكهل في كل زمن ومكان.. وتراقب ذلك الشاب وتتواصل معه في كل حين وتكون معه رفيقة عمر.
• آخر جرة قلم:
نعيش عمرا قد نختار في عجلة حركته ما نريد أن يكون، وقد يسبق القدر ويكون ما هو مقدر ومكتوب.. في كل لحظة وكل يوم من أعمارنا.. لنعتني بالروح فينا وأعمارنا وننظم فوضى أعماقنا من أن تصاب بفوضى وضجيج يمنع تقدمها، وتصاب بجفاف مشاعر وحزن أو عزلة وهدوء وصمت.. لنكون مع الطفل بالعفوية والضجيج الذي يكسر سكون صمت شيخ ونستدعي حكمته وسداد رأيه.. ونرافق الشاب وطموحه.. ونسكن للأنثى الحنونة بكل جمالها وهدوئها.. لتسلم الروح من عنائها وتعبها..
سلوى الملا – الشرق القطرية