آراءأبرز العناوين

فك شفرة أعظم ألغاز المخ!

يومًا بعد يوم؛ لايزال العلماء يكتشفون المزيد من القدرات الفريدة للمخ البشري، الذي يُعَدّ أعقد وأعظم ما خلق الله في جسم الإنسان.

ومهما بلغت تقنيات الذكاء الاصطناعي من تطور، تبقى قدرات التفكير والتخيل والإدراك من المهارات التي يعجز أي حاسوب في العالم عن تقليدها بنفس الكفاءة والإبداع الذي يميز المخ البشري.

يؤدي المخ مهامه المعقدة؛ كالتفكير، والتعلم، واتخاذ القرارات، والإبداع، والشعور بالأحاسيس والمشاعر، من خلال 86 مليار خلية عصبية في المتوسط، ومن مظاهر الإعجاز أنه يستهلك 20% من طاقة الجسم، رغم أنه لا يتجاوز 2% من وزنه!!

فكيف يمكن لجهاز بهذا الحجم أن يتولى مهام بهذه الضخامة؟! إنها القدرة الإلهية الخارقة!!

يستطيع المخ، بفضل التشابكات العصبية بين خلاياه، تخزين حوالي 2.5 بيتابايت من البيانات، أي ما يعادل 2.5 مليون جيجابايت من سعة التخزين، ولتبسيط الرقم، فإنه في حال تحويله إلى برامج تليفزيونية، فإن 2.5 مليون جيجابايت من البيانات تعادل 300 عام من البرامج التليفزيونية، وهذا الكلام في مجرد مخ واحد فقط، فكيف بمليارات الأدمغة؟!

وتبقى الذاكرة هي إحدى أعظم وظائف المخ؛ إذ يمكنه تخزين كميات هائلة من المعلومات، سواء كانت تجارب شخصية أو مهارات عملية، أو حتى تفاصيل دقيقة عن كل لحظة وهمسة عاشها الإنسان، والاحتفاظ بالمعلومات لعقود وإعادة استدعائها في لحظات.

في تطور علمي مهم، تمكن باحثون في جامعة بازل بسويسرا من فك شفرة تخزين الذكريات، حيث يٌخزن المخ ذكرياتنا ليس في نسخة واحدة فقط، بل في ثلاث نسخ مختلفة، ولا تبقى كل نسخة على حالها بل تتباين في قوتها وثباتها عبر الزمن.

الأمر أكثر تعقيدًا مما يتخيل العلماء، فعندما يفكر أحدنا في تخزين ذكرياته، يضع نسخة احتياطية طبق الأصل على حاسوبه، لكن أن يجعل المخ منها ثلاث نسخ تتطور بطرق مختلفة عبر الزمن، ويمكنه استدعاؤها في أي لحظة، فذلك هو الإعجاز بعينه.

السر في ذلك؛ أن هذه النسخ من الذكريات تُخزن في مجموعات مختلفة من الخلايا العصبية، ليست واحدة بل ثلاث، تختلف في أعمارها.

فالخلايا الأقدم، التي تشكلت ونحن أجنة في بطون أمهاتنا، تحتفظ بالذكريات لفترات طويلة، وتصبح أقوى بمرور الزمن، وهي المنطقة التي نُخزن فيها كل ذكريات الطفولة بكل تفاصيلها، ونستدعيها بسهولة حين تجمعنا المناسبات مع أصدقاء الطفولة.

أما الخلايا العصبية التي تكونت في مراحل لاحقة من الحياة، فتُخزن الذكريات لفترة قصيرة فقط، قبل أن يطويها النسيان بالتدريج، وهناك مجموعة ثالثة من الخلايا العصبية التي تظل ذاكرتها مستقرة نسبيًا، لا تتغير كثيرًا مع مرور الوقت.

ما يجعل هذا الاكتشاف مثيرًا؛ أن كل نوع من هذه النسخ يمكن أن يتغير ويتكيف بشكل مختلف بناء على التجارب الجديدة، فالذكريات المُخزنة في الخلايا العصبية اللاحقة تكون مرنة وسهلة التعديل، وعندما نفكر في حدث معين بعد فترة قصيرة من وقوعه، تعمل هذه الخلايا على دمج المعلومات الجديدة في النسخة الأصلية من الذاكرة.

وعلى العكس من ذلك؛ الذكريات المُخزنة في الخلايا التي تكونت أول العمر تكون ثابتة وصعبة التغيير، ما يجعلها أقل عرضة للتأثر بالتجارب اللاحقة، وهذا يفسر سر تذكر مرضى ألزهايمر لأحداث وشخوص الماضي، في حين تتلاشى نهائيًا من ذاكرتهم الأحداث اللاحقة.

أما النوم، الذي يظن الكثيرون أنه مجرد راحة للجسم، بل هو عملية نشطة ومعقدة تساعد على إصلاح وتنشيط خلايا المخ، ففي خلاله، يتم تصفية الذكريات وترتيبها في الذاكرة طويلة الأمد، وهي وظيفة بالغة الأهمية لصحة الإنسان العقلية والذهنية.

وستظل الأبحاث قاصرة عن كشف أسرار المخ كاملة، وسيبقى إعجازه دليلًا على الإبداع الإلهي فائق التعقيد؛ وتتجلى معه عظمة الخالق الذي يقول في كتابه الكريم: “وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلا تُبْصِرُونَ”.

حسن فتحي – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



اسماء عثمان

محررة مسؤولة عن تغطية الأحداث الاجتماعية والثقافية، ، تغطي القضايا الاجتماعية والتعليمية مع اهتمام خاص بقضايا الأطفال والشباب.
زر الذهاب إلى الأعلى