“تقييد تعدد الزوجات”.. تعديلات قانون الأسرة تثير جدلا في المغرب
أثارت التعديلات المرتقبة لمدونة الأسرة (قانون الأحوال الشخصية) بالمغرب، التي أعلن عنها وزيرا العدل والأوقاف والشؤون الإسلامية مؤخرا، جدلا واسعا على منصات التواصل الاجتماعي وفي الأوساط المجتمعية، بين من اعتبرها خطوات إيجابية نحو تحقيق مزيد من العدالة والمساواة، وبين من رأى فيها تهديدا لقيم الأسرة المغربية التقليدية.
وتضمنت المقترحات التي اعتمدتها الهيئة المكلفة بمراجعة مدونة الأسرة والرأي الشرعي للمجلس العلمي الأعلى، إخراج بيت الزوجية من التركة، واستمرار النفقة على المطلقة رغم زواجها مجددا، وتقييد تعدد الزوجات بشروط صارمة.
وخلفت هذه المضامين الرئيسية لمراجعة مدونة الأسرة انقسام الآراء بشكل لافت على منصات التواصل الاجتماعي بين من اعتبرها تحريفا للشريعة وتشجيعا للشباب على عدم الزواج، وبين من وصفها إنصافا للمرأة وتخفيفا من معاناتها في القضايا الأسرية.
وفي تعليقه على الموضوع، ينبه الباحث المغربي في الشؤون الدينية، إدريس الكنبوري، إلى أن التعديلات المقترحة لمراجعة مدونة الأسرة قد تؤدي إلى نتائج عكسية وأنها “منفّرة من الزواج” ولا تراعي طبيعة المجتمع المغربي المحافظ، مشيرا إلى أن “هذه التعديلات التي اعتبرت تلبية لمطالب بعض المنظمات النسائية جاءت على حساب حقوق الأسرة بمفهومها الشامل”.
ويتابع الكنبوري حديثه لـ”الحرة”، أن البنود المتعلقة ببيت الزوجية والإرث وتقييد تعدد الزوجات بشروط معقدة، تثير غضب الشباب وتضعف مؤسسة الزواج، موضحا أن بند بيت الزوجية الذي يخرج السكن من التركة أو يمنحه للمطلقة يثير استياء واسعا لأنه يعتبر، وفق رأيه، “إجحافا بحق الزوج والورثة”، خاصة في الحالات التي يعيش فيها أفراد آخرون من عائلة الزوج في البيت مثل الوالدين.
وفي هذا الصدد، قال الكنبوري إن “هذا البند قد يُفسر كشكل من تشجيع المرأة على الاستيلاء على ممتلكات الزوج، مما يخلق شعورا بالإحباط لدى الشباب ويدفعهم للعزوف عن الزواج خوفا من فقدان مكتسباتهم المادية مستقبلا”، مضيفا أن استمرار النفقة على المطلقة التي تتزوج مجددا “يتنافى مع الشريعة الإسلامية حيث تصبح النفقة في هذه الحالة عبئا غير مبرر على الزوج السابق”.
ويؤكد المتحدث ذاته أن “هذه التعديلات بتجاهلها للبعد الشرعي، قد تؤدي إلى نتائج اجتماعية خطيرة كتفكك الأسرة وانتشار الجرائم”، محذرا من أن تطبيق هذه البنود يشبه تجارب أخرى في المنطقة كتجربة تونس التي أدت إلى أزمات اجتماعية نتيجة تغييرات قانونية مشابهة.
وفي المقابل، تشيد رئيسة “جمعية التحدي للمساواة والمواطنة”، بشرى عبدو، بالتعديلات المقترحة على قانون الأسرة بكونها جاءت لمعالجة مشاكل ملموسة كالولاية القانونية على الأبناء التي كانت تعاني من غياب الإنصاف ومنح المرأة الحاضنة الحق في زواج جديد دون إسقاط النفقة عن الأب، معتبرة ذلك حقا طبيعيا وإنسانيا، بينما رأت أن بعض الانتقادات التي تربط هذه التعديلات بالعزوف عن الزواج نابعة من سوء فهم لمضامينها.
وتضيف عبدو في تصريح لـ”الحرة”، أن “بعض المزاعم حول هذه التعديلات، مثل الادعاء بأنها تشجع النساء على الاستيلاء على ممتلكات الأزواج أو أنها تثقل كاهل الرجال ماليا، لا أساس لها من الصحة”، مؤكدة أن النفقة مسؤولية مشتركة بين الطرفين وأن الواقع يظهر أن كثيرا من الرجال لا يلتزمون بواجباتهم تجاه أبنائهم سواء من حيث النفقة أو زيارة المحضون، مما يجعل النساء يتحملن العبء الأكبر.
وبشأن الجانب الشرعي، توضح الناشطة الحقوقية عبدو أن “هذه التعديلات استندت إلى اجتهادات فقهية أقرها المجلس العلمي الأعلى، مثل إخراج بيت الزوجية من التركة وهو بند يمثل حلا عمليا يحمي الأسرة، خاصة النساء والأطفال، من التشرد بعد وفاة أحد الزوجين”.
وتقول عبدو “رغم أن هذه التعديلات إيجابية إلا أنها غير كافية ولم تجب على كل مطالب الحركة النسائية”، مشددة على أن هناك قضايا أخرى لم تعالج بعد مثل إلغاء التعصيب، وإثبات النسب عبر الخبرة الجينية، وإلغاء تزويج القاصرات، داعية إلى تأسيس هيئة مكلفة بالأسرة لمواكبة تطور المجتمع والتزامات المغرب الدولية.
فؤاد الفلوس – الحرة