الفرق بين البصمة والوصمة
الحياة لا تخلو من تلك الشخصيات التي تتغنى بما تتمتع به من إنسانية تتقدم كل خطواتها؛ لنشعر بها متى أَقبَلَت، ونتشبث بكل ما لدينا من قوة؛ كي تبقى معنا، فهي تلك التي نُفضل وجودها على الدوام؛ لأنها تُقلل من حجم اللحظات الصعبة التي نمر بها، (اللحظات) التي نشعر فيها بغياب كل ما نحتاج إليه ويعود نسبه إلى المدعو (أمان)، ذاك الذي يحول ملامح الألم لأخرى أقرب إلى الأمل، فتتقلص كل المخاوف، التي تنتابنا وتتناوب علينا ويفر ما تبقى منها بعيدا؛ لنظل وتلك الشخصية والأمان ثالثنا وسط موقف سنُكلله بشكر الله على كل ما أكرمنا به، فالشكر لك يا الله على الأمان الذي شعرت به وأنا في جوف معاناة انتهت على خير بفضلك أولا، ومن ثم الطبيب الذي سبق وأن تحدثت عنه في مقالي الأخير، وتحت عنوان «ما الذي يقدمه ذاك الطبيب؟».
هناك من سيجد في كلماتي هذه الكثير من المبالغة؛ ففي نهاية المطاف من أتحدث عنه هو مجرد (طبيب)، ولكني على ثقة أن من يحسب ذلك لا يُجيد الحساب أصلا، فالمريض وحين يعاني من أي مرض كان، يحتاج لمن يأخذ بيده، حتى وإن تظاهر بعكس ذلك؛ لذا وإن صادفت مريضا في طريقك أكرِمه بكلمة طيبة تمسح بها ومن خلالها على قلبه؛ لتخفف عنه ما يشعر به من ألم، دون أن تستهين بهذا الفعل أو تُقلل من شأنه، فهو ما سيُخفف عنه، ويمده بالأمل، الذي يحتاج إليه؛ ليمضي في رحلة علاجه وهو أكثر قوة وصلابة. تخيل ما سُتحدِثه كلماتك الداعمة في نفس ذاك المريض وأنت ذاك الغريب الذي صادفته، ثم تخيل إن كانت ذات الكلمات من (الطبيب) الذي يدرك حقيقة ما يعاني منه المريض، ويحرص على أن يساعده على تجاوزه، وشق طريقه نحو جملة من المكاسب أقلها ما تختزله هذه الكلمات: ستكون بخير إن شاء الله.
منذ فترة كنت قد خسرت فيها صديقة عزيزة على قلبي، بعد أن أصابها المرض بسهامه فأوقعها طريحة الفراش؛ لتصبح بعيدة كل البعد عن الدنيا، قريبة كل القرب إلى الله وتحت رحمته، خاصة بعد أن عانت من فقدان بصرها (فجأة) وليس بصيرتها، فتوجه بها الأحبة إلى المستشفى؛ بحثا عن أي علاج يمكنه انتشالها من الهلع الذي تَمَكَن منها بعد أن حرمها من رؤية صغارها، غير أنه ما لم يكن لها، خاصة وأن ملف (الحالة) -وكل ما ورد فيه من ظروف كانت تعاني منها- قد مر على العديد من الأطباء ممن أكدوا أنها قد فقدت بصرها فعلا، (اللهم لا اعتراض) ولكن يظل التمسك بالأمل، هو الأمل الأخير لمحاولات يقوم بها كل حبيب في سبيل إنقاذ تلك الحبيبة، وهو ما قد كان فعلا، غير أن من تلك المحاولات ما قد دمرها أكثر والسبب (طبيبة) لا تعرف للإنسانية شكلا، صرخت وصديقتي تلك عند باب العيادة بـ (لقد فقدت بصرها تماما، لماذا أنتم هنا؟) ولك يا عزيزي أن تدرك وقع تلك الكلمات التي وقعت على رأس ذاك الموقف؟ سأترك لك تصور ما حدث، ولن أخوض تفاصيل التفاصيل، غير أني سأقف عند نقطة واحدة وهي: أن ما حدث لصديقتي حين فقدت بصرها (حقيقة) نتفق عليها، ولكننا نختلف على الطريقة التي تبنتها تلك الطبيبة؛ لإخبارها بما كان يحدث معها، والحق أنها كانت لتبدو أهون لو أنها امتصت بإنسانيتها ذاك الموقف، وأخذت بيد تلك المريضة، التي فارقت الحياة بعد أن تركت بصمة إنسانية رائعة ستعلق في ذاكرة كل من عرفها، لا تلك الوصمة التي ستلحق بمن لم لا يمت لعالمنا الإنساني بصلة. (رحمكِ الله يا حبيبتي وأسكنكِ فسيح جناته).
إن ما عانت منه صديقتي، قد وُلد بداخلي جملة من المشاعر المضطربة، كانت سببا؛ لتجنب الذهاب للمستشفيات (ولفترة من الزمن) مضت بظهور ذاك الطبيب الذي بث الأمان في داخلي، لعظيم ما كان منه في لحظات حالكة مضت بسلام ولله الحمد، لوجوده وأمثاله في هذه الدنيا.
بعد مقالي الأخير وكل ما ورد فيه انهالت علي الكثير من الأسئلة حول ذاك الطبيب، وحاول الجميع معرفته، والحق أن من يقوم بمهامه على خير وجه، ويغمسه بإنسانيته هو من يستحق مني شكره على الملأ، وعليه كل الشكر والتقدير للدكتور/ عثمان عبدالظاهر وفريق عمله على كل ما تقدموا به من أجل مرضاهم.
صالحة أحمد – الشرق القطرية