آراء

إيران وسياسة الـ”ألف طعنة”

تخيم حالة من القلق الشديد في جميع أرجاء المنطقة بشأن رد إيران المنتظر على اغتيال إسماعيل هنية في طهران، وماذا سيفعل حزب الله انتقامًا لمقتل أحد أهم قادته العسكريين في هجوم إسرائيلي على الضاحية الجنوبية في بيروت.

ووسط هذا كله تسرب إسرائيل تقارير عن أن نتنياهو يخطط لضربة استباقية ضد طهران قبل الرد الإيراني، وتذهب معلومات أخرى إلى أن واشنطن تسابق الزمن للوصول لاتفاق وقف إطلاق النار في غزة؛ لوقف عملية الاندفاع لحرب إقليمية واسعة النطاق.

والمعلومات المتداولة بإلحاح تضع آمالًا كبيرة على جولة مفاوضات وقف إطلاق النار الجديدة غدًا الخميس، وجولات كبار مسئولي الإدارة الأمريكية ما بين القاهرة والدوحة وعواصم المنطقة أملا في منع تفجر المنطقة.

ترى هل تنجح جهود الساعات العصيبة، وهل القلق الكبير الذي يهيمن على المنطقة له ما يبرره، وهل لا مفر من الانفجار الرهيب، وأغلب الظن أن القلق مبرر إلا أن الانفجار ليس حتميًا، فواشنطن تريد تعديل سلوك النظام الإيراني، وانفجاره من الداخل ولو بعد حين، وفي المقابل يريد نتنياهو إسقاط النظام في طهران، وتدمير إيران وبرنامجها النووي بأيدي أمريكا وتحالف غربي وتوريط الدول العربية.

ترى ما هي الحسابات والمخاوف والخيارات والكوابيس؟! هنا سنحاول قراءة في اللعبة الرهيبة الدائرة الآن.

“سيكون هناك رد، والقلق الكبير الموجود في المنطقة له ما يبرره” وفق تقدير كليمون تيرم الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية والأستاذ في جامعة “بول – فاليري” في مونبيلييه بجنوب فرنسا.

بالنسبة للنظام الإيراني، يتعلق الأمر برفع تحدٍّ ذي رمزية مضاعفة، فقد تعرضت للضربة في عاصمتها تزامنًا مع الاحتفال بتسلم الرئيس الجديد مسعود بيزشكيان منصبه.

إضافة إلى ذلك يشير كليمون تيرن إلى أن هذا الاغتيال يمثل إهانة كبيرة وفق أعراف الثقافة الإيرانية، فيقول “الضيف” – والأمر هنا يتعلق بالصديق إسماعيل هنية – يحظى بأهمية خاصة للغاية. وعدم القدرة على حماية الضيف علامة أخرى على العار”.

ويضيف الباحث أن ضربة إيرانية قد تعيد أيضًا تشكيل نوع من الردع للدولة العبرية.

في الحقيقة، تقف إيران أمام “خيارين” للرد وفق وجهة نظر غيوم أنسيل خبير الشئون العسكرية والضابط السابق في الجيش الفرنسي. ويتمثل الخيار الأول في رد ذي “طبيعة خاصة”، أو ما يعرف بحروب الظل. وهنا يتعلق الأمر بالشخصيات السياسية، كما تعلق الأمر بالرياضيين الإسرائيليين الذين شاركوا في الألعاب الأولمبية بباريس. ومن المؤكد أنه تم تعزيز الإجراءات الأمنية لحمايتهم. لكن لا أحد يقدر على ضمان الأمن المطلق لأي كان”.

ويرى أنسيل أن التكتيك الإيراني الثاني قد يتمثل في “ضربة موجهة للأراضي الإسرائيلية”، وفي حال نفذت ستكون الضربة الثانية هذا العام، فقد أطلقت الجمهورية الإسلامية حوالى 300 صاروخ وطائرة مسيرة على إسرائيل في ليل 13/14 أبريل الماضي.

ولم تخلف القذائف الإيرانية على إسرائيل إلا أضرارًا قليلة بعد التصدي لمعظمها من قبل إسرائيل وحلفائها، ولا تعدو كونها مجرد “استعراض للقوة”.
ووفق تقدير العسكري الفرنسي السابق، ومن أجل الثأر من اغتيال إسماعيل هنية، يمكن أن تطلق إيران صواريخ تمتلكها “ذات قدرة تحليق أكثر مناورة ومن الصعب اعتراضها” .

وسواء تعلق الأمر بهدف مدني في تل أبيب أو ضد الجيش الإسرائيلي، فمن المرجح أن تسعى إيران هذه المرة إلى تحقيق “قيمة مضاعفة عالية”، ويفسر غيوم أنسيل أن “شن هجوم مماثل لهجوم أبريل الماضي لا معنى له بالنسبة إلى النظام الإيراني”.

ما نتيجة الحرب بين إيران وإسرائيل إن وقعت؟.. سؤال كبير يفرض نفسه على خبراء ودول المنطقة، ودوائر مراكز الأبحاث العالمية، وهنا نقدم إجابة إيرانية تلقي بعض الضوء علي “كيف تفكر طهران”.

ووفقًا للسفير الإيراني السابق سيد محمد حسيني، فإنّ إسرائيل وإيران تتمتّعان بمزايا نسبية، فبينما تتفوّق إيران على إسرائيل في “الحرب بالوكالة”، أكد حسيني أنّ اسرائيل تتفوّقً نسبيًا في الحرب النفسية والمعلوماتية والسيبرانية، وخاصة في الحرب الاقتصادية، حيث اكتسبت هذه الميزة من دعم الكتلة الغربية بقيادة الولايات المتحدة وبعض دول المنطقة.

وأوضح حسيني في مقال بصحيفة “آرمان امروز” الإصلاحية الإيرانية أنّ الحرب المباشرة بين إيران وإسرائيل، ستكون نتيجتها خسارة طهران بالتأكيد، نظرًا لإمكانية تدخّل الولايات المتحدة، ولكون قوّة إيران تكمن في الحرب بالوكالة، والتي يرى أنها من الممكن أن تصبح أكثر فعاليّة ضد إسرائيل بمرور الوقت حتى على المدى القصير.

وأكد حسيني أنّ إيران استطاعت وضع إسرائيل على سرير الموت التدريجي عبر سياسة “ألف طعنة”، مشيرًا إلى أنّ إسرائيل على شفير الدمار، وسيعني الدخول في حرب مباشرة معها إنقاذها حتمًا من هذا الدمار، ويرى أن المواجهة ما بين تل أبيب وطهران ستكون طويلة المدى.

ومن ناحية أخرى مرت أيام عدة على اغتيال إسرائيل إسماعيل هنية في طهران، وفؤاد شكر في الضاحية الجنوبية لبيروت، وحتى هذه اللحظة لا رد على العمليتين، ووسط هذا الجو المحموم هناك أنباء عن صفقة برعاية عمان.

ويرى البعض أن السباق محتدم بين محاولة الوصول إلى صفقةِ وقف إطلاق نارٍ وتبادل أسرى في غضون أيام، أو الدخول في المواجهة الكبرى.

وتقول معلومات متقاطعة لمصادر عدة أن التفاوض مستمر بين واشنطن وطهران بوساطة عمانية منذ أشهر، وحتى اليوم حول مصير حرب غزة والمنطقة كلِها، وأن البلدين لا يريدان توسعة الحرب، وتشير هذه المصادر إلى أن هذا التفاوض يُقرأ بين سطور ما سبق أن قاله الرئيس الإيراني من جهة والناطق باسم البيت الأبيض من جهة أخرى مؤخرًا.

وتقول مصادر مطلعة إن بزشكيان في حديثه الهاتفي مع إيمانويل ماكرون، قد حدد لواشنطن ودولِ الغرب سبل تجنب اندلاع الحرب، داعيًا إياهم إلى إجبار إسرائيل على وقف الإبادة الجماعية وقبول وقف النار.

وفي المقابل دعا جون كيربي المتحدث باسم البيت الأبيض يحيى السنوار إلى قبول وقف النار وإطلاق الرهائن، وكشف عن وجود اقتراح جيد معروض على الطرفين يجب قبوله، وتوجَّه بدوره إلى إيران بقوله إن جهودنا الدبلوماسية مستمرة، وإذا قررت طهران تنفيذ تهديدها، فنحن في وضع عسكري جيد لردعها.

وترصد مصادر لبنانية مطلعة عن تبادل الرسائل عبر المفاوضات، وهو ما يتزامن مع تطورات دراماتيكية، فعملية اغتيال هنية في قلب طهران أدت إلى اختيار يحيى السنوار خلفًا له، وهو ما يسقط أي كلام كان يقال سابقًا عن موافقة إسماعيل هنية على الصفقة ورفضِ السنوار لها، وما يجعل أي قرار يتخذه السنوار اليوم بقبول صفقة وقف النار وتبادل الأسرى أو رفضها غير قابل للتشكيك.

وتشير المصادر اللبنانية إلى أن التطور الثاني مرتبط بلبنان؛ فاستشهاد شكر على أهميته، لا يقلل من أهمية استهداف الضاحية الجنوبية.

وتقول المصادر إن حزب الله سيرد، أما رده إذا جاء مدروسًا وموجعًا لإسرائيل، فبذلك يكون قد أعاد تثبيت قواعد الاشتباك السائدة منذ الثامن من أكتوبر.

وتكشف المصادر اللبنانية عن أن التطور الأحدث، أن هناك ضوءًا أخضر سيتيح للنظام السوري استعادة آبار النفط في دير الزور، وهو على هذا الأساس بدأ عملية عسكرية مع حلفائه على قوات “قسد” المدعومة من الولايات المتحدة هناك. وتخلص هذه المصادر إلى أن السباق إذن على أشده، والأيام المقبلة مصيرية.

ولم تقتصر التسريبات على المصادر العربية، بل هناك تقارير إسرائيلية وأمريكية تتحدث عن تحرك أمريكي للدفع “بتسوية إقليمية” تمنع اندلاع حرب شاملة.

وكشف موقع “واينت” عن محاولة أمريكية لبدء تحرك واسع النطاق لتحقيق “تسوية إقليمية” الآن، تتم بموجبها صفقة تجلب الرهائن والحل الإستراتيجي للتوترات الإقليمية وتمنع التصعيد.

وبحسب الموقع العبري، فإن السيناريو الذي يدفع كبار المسئولين الأمنيين في إسرائيل نحوه أكثر فأكثر، يمكن أن يقلب الطاولة نحو الأفضل ويهدئ الشرق الأوسط برمته، بدلا من جر إسرائيل إلى حرب متعددة الساحات – مع التركيز على لبنان- والتخلي عن القتال في غزة وترك المختطفين في وضع سيئ لأشهر طويلة، وربما سنوات، في أنفاق حماس.

ولفت الموقع إلى أن “إيران وحزب الله يبعثان رسائل مفادها أن وقف إطلاق النار سيوقف الهجوم”، ولذلك، يبدي الأمريكيون نوعًا من التفاؤل، قائلين “إننا لم نكن قريبين من التوصل إلى صفقة لهذا الحد من قبل”.

“ولكن على افتراض أن الرسائل القادمة من إيران وحزب الله لا تشكل جزءًا من الخداع الذي يسبق الهجوم ـ وهو السيناريو الذي تستعد له إسرائيل أيضًا ـ فإن المشكلة تظل كما هي الحال دائمًا أننا لا نعرف ماذا قد تقول حماس. ربما يعتقد يحيى السنوار، أن الزمن يلعب لصالحه، ويفضل انتظار سيناريو “تقارب الساحات” الذي توقعه منذ البداية”.

وأشار الموقع إلى أن “المطالب الإسرائيلية في المفاوضات، بما فيها الجديدة، تشكل عقبة أخرى على طريق التوصل إلى اتفاق في الوقت الحاضر، ولذلك تضغط الولايات المتحدة على الجانبين ليكونا مرنين”.

وأوضح “واينت” أن “الأمريكيين يفضلون أن تكون هناك صفقة تؤدي إلى تأثير الدومينو: صفقة، إطلاق سراح الرهائن، ووقف إطلاق النار بغزة، وهدوء في لبنان ، ومن يدري، ربما أيضًا التطبيع مع السعودية رغم كل الصعاب”.

ونقل “واينت” عن مسؤول إسرائيلي كبير قوله “ليس هناك شك في أن الضغط الدولي لتنفيذ صفقة الرهائن وصل الآن إلى أعلى مستوى له حتى الآن، ويرجع ذلك أيضا وبشكل أساسي إلى الرغبة في محاولة منع اندلاع حرب شاملة”.

وفي هذا السياق، نقل الإعلام الأمريكي عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قوله مؤخرًا إن “فرص التوصل إلى اتفاق بشأن غزة زادت بعد مقتل “العناصر المتطرفة” التي عارضت الاتفاق”.

ويبقى أن عملية الثأر الإيرانية تخضع لعدة أمور حاكمة من أبرزها: ضرورة، تفادي الدخول في حرب شاملة مع إسرائيل، نظرًا لأنها تمتلك السلاح النووي.

ثانيًا صعوبة حماية إيران من الضربات الإسرائيلية، نظرًا لأن أراضيها تمثل ستين ضعف مساحة إسرائيل.

ثالثًا: النظام الإيراني لن ينتحر للثأر من اغتيال هنية في طهران، خاصة أن قطاعًا من الإيرانيين لا يدعم السياسة الإقليمية للنظام الإيراني.

رابعًا: لقد أنتخب مسعود بزشكيان من أجل حماية إيران من الفوضى، وتبني الحوار مع الغرب على أمل رفع العقوبات الأمريكية عن بلاده، خاصة أن هذه العقوبات تفاقم أزمة اقتصادية عميقة في إيران.

خامسًا: طهران لا تريد وضعًا أكثر سوءًا على الصعيد الداخلي، بل تعمل على تجنب مواجهة احتجاج قطاع من الرأي العام في حال التصعيد العسكري، وتحول أراضي إيران لجزء من ساحة الحرب.

.. ويبدو مما سبق أن إيران لن تتعمد تصعيد الموقف، بل تفادي تفجير الحرب الشاملة، وهي تلتقي في ذلك مع المصالح الحيوية لدول المنطقة، بل والسياسة الأمريكية المعلنة، إلا أن الكثيرين يتساءلون: ترى هل ستطبق هذه الحسابات بصورة صحيحة على الصعيد العسكري، أم أن حادثًا عسكريًا عشوائيًا أو عملية مدبرة من نتنياهو قد تفجر الأوضاع الإقليمية، بل وحتى حرب شاملة؟ لا أحد لديه يقين بأن التعقل سوف يسود دومًا في مواجهة سياسة حافة الهاوية لإسرائيل وحماية أمريكا لجرائمها.

محمد صابرين – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى