ذئاب الحرب مرة أخرى
يكاد الشرق الأوسط يهبط إلى الجحيم، هكذا ترغب ذئاب الحرب، وهكذا تختاره أرضًا للتجارب القاسية.
ذئاب الحرب تؤمن بالخرافات البالية، تعتقد أن الناس في الشرق الأوسط فائضون عن الحاجة، أو محض أغيار، يمكن إبادتهم دون عقاب، والذئاب تستدعي رواية الهنود الحمر، ولسان حالها يقول: نعم نستطيع مرة أخرى.
يتنبأ ديمتري ميدفيديف، نائب رئيس مجلس الأمن القومي الروسي، بحرب شاملة في الشرق الأوسط، ويراها حلًا نهائيًا لمسألته المعقدة، ويراها رجل الأعمال الألماني الفنلندي كيم شميتز، زلزالًا رهيبًا يضرب وجود إسرائيل كدولة.
ميدفيديف يدعو أو يتنبأ، سيان، بحرب تفك عقدة الشرق الأوسط مرة واحدة إلى الأبد، وبعدها يمكن إقامة سلام هش، يتخلص فيه الشرق الأوسط من عقدته المُحكمة، وقد وصفه بالرهينة للولايات المتحدة الأمريكية.
وصف قاسٍ من رجل أمن روسي، وسياسى محنك، كان رئيسًا للوزراء، ورئيسًا سابقًا، ويعرف كمائن المخططات، ولا يعوزه التعبير عن وصف حالة الشرق الأوسط.
أما كيم شيمتز، مؤسس خدمات تبادل الملفات «ميجا أبلود وميجا»، لا يمكن أن يخاطر بحياته أو سمعته عندما يقول إن وقعت الحرب، فإن وجود إسرائيل سيكون محل شك، فمن خلال انخراطه في عالم الأعمال، واتساع دائرته في إدارة الأموال، يدرك أن الحرب إن وقعت قد لا تشبه أيا من الحروب السابقة في المنطقة.
ذئاب الحرب اختاروا خيار شمشون، عليّ وعلى أعدائي، أطلوا من سجلات خرافية عتيقة، أعادوها من مراقدها، جعلوها حية، تمشى بالموت بين الناس.
فشلوا في مسألة الربيع المسمى زورًا بالعربي، وفي المسألة الأوكرانية، وفي السيطرة على منطقة الأوراسيا، فأرادوا التعويض في الشرق الأوسط، اعتقادًا بأنه المنطقة الرخوة التي يمكن أن يعيدوا من خلالها الإمبراطورية الأبدية.
الشرق الأوسط، المسمى الذى لا أعتقد فى صحته، ليس أرضًا للهنود الحمر، ولا هو بالمكان الرخو الصالح لإقامة الخيام، فالصورة الخارجية تبدو هشة، خادعة، لكنها لا تعبر عن الجوهر، فالجوهر يكاد يكون بحرًا عظيمًا من الرمال الناعمة، يبتلع ذئاب الحرب، إذا ما أصيبوا بعاهة التفكير فى ارتكاب حرب إبادة.
ذات مرة كتبت هنا «لا تجربونا»، ولا تدخلونا في التجربة، فالناس في الشرق الأوسط ليسوا قليلي الحيلة، كما تعتقدون، وليسوا قادمين من الخرافة، بل هم صناع الحالة العقائدية في العالم، وورثة الحضارات المتعددة القديمة، وقد حافظوا عليها لآلاف السنين، وقادرون على الحفاظ عليها، مهما يكن من مخططات تستند إلى ذاكرة جريحة، نجحت ذات مرة في إبادة أقوام، لكنها الآن، وهنا، ستسقط تحت قوة الكتلة الحرجة، كتلة الشرق الأوسط التي دارت على أراضيها أعتى الحروب، ولم تذهب إلى الفناء، كما يتصور أسباط الخرافة.
ثمة معضلة مزمنة تتعايش معها ذئاب الحرب، معضلة تصغير الآخر، والنظر إليه من علٍ، واعتباره ميدانًا صالحًا للرماية، واختباره اختبارًا قاسيًا، حتى يخضع لنظرتهم الثقافية والإنسانية، وقد جربوا هذه الوصفة طويلًا دون جدوى.
تكشف تصريحات ذئاب الحرب عن إفلاس إنساني عميق، فبعضهم يهدد باستخدام الأسلحة النووية، دون رادع، ودون خوف من المحكمة الجنائية الدولية.
هل نتذكر كيف اغتالوا علماء الذرة العرب؟! وهل ننسى تدميرهم لدول بشبهة حيازتها لأسلحة دمار شامل؟!
حان الوقت ليتوقف ذئاب الحرب عن العواء المميت، فلسنا ميدان رماية، ولن نكون.
مهدي مصطفى – بوابة الأهرام