انتخابات أمريكا بين «الأصابع الخارجية» و«أعداء الداخل»
قال الرئيس الأمريكى جو بايدن، فى مقابلة سابقة مع مجلة (TIME) الأمريكية جرت فى يونيو الماضى: «إن هناك أدلة على تدخل الصين فى الانتخابات الأمريكية المقبلة»، وأضاف مازحاً: «إن جميع الأشرار يشجعون الرئيس السابق ترامب فى سباق نوفمبر».
وقبل أيام، توعَّد المرشح الجمهورى دونالد ترامب إيران بعد تعرض حسابات إلكترونية تخص حملته للاختراق، ويحقق حالياً مكتب التحقيقات الفيدرالى الأمريكى FBI فى مزاعمه، والتى تحولت إلى اتهام رسمى تقدمت به حملته الرئاسية ضد الحكومة الإيرانية. ورغم أن الناخب الأمريكى فى الأغلب يهتم أكثر بشئونه الداخلية ولا يتأثر فى خياراته الانتخابية بما يجرى فى العالم من حوله، فإن هذا العالم الذى حوله وحول بلاده الولايات المتحدة الأمريكية، بات يتأثر بشدة بطبيعة التوجه الحزبى والسياسى للقاطن فى البيت الأبيض.
لهذا أصبح من المنطقى أن تتردد مثل هذه الأخبار، ولن نتعجب عندما ينتهى (مولد) الانتخابات الأمريكية عندما نسمع عن «الأصابع الخارجية» التى أثرت فى الانتخابات لصالح مرشح معين، وغيرها من الحجج التى كنا نحسبها قصصاً شرقية من تراثنا العربى الغابر، وتخص انتخابات بلاد العالم (الثالث) المتخلف سياسياً، وغير المؤهل للممارسة الديمقراطية السليمة، كما كنا نظن وحتى الماضى القريب أن الديمقراطية الغربية محصنة ضد أى إفساد ولا تشوبها أى شبهة فساد.
أما جديد هذا المشهد، فهو الدور المؤثر الذى يلعبه بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلى فى هذه الانتخابات، يرجعها البعض إلى علاقته المتوترة مع الحزب الديمقراطى منذ عهد باراك أوباما، والتى انتقلت بالتبعية إلى علاقته مع بايدن، حيث كان الجفاء واضحاً بينهما حتى وقع «طوفان الأقصى»، واضطرت الإدارة الأمريكية إلى دعم إسرائيل بشكل مطلق، ثم جاء خطاب نتنياهو فى الكونجرس، والذى تجلى فيه أثر سوء العلاقة مع الحزب الديمقراطى، بغياب واضح لكامالا هاريس المرشحة الديمقراطية فى الانتخابات، فيما قاطع الخطاب 58 نائباً ديمقراطياً، فى المقابل كانت الحفاوة (الجمهورية) ظاهرة وواضحة، وتحول الخطاب السياسى إلى «حفلة تصفيق»، وتتويج لبطل (من ورق) يحارب الإرهاب، كما يدّعى.
وربما يكون طرف الخيط الذى يكشف تأثير (بيبى) المباشر على مجريات هذا الحدث الاستثنائى الذى يترقبه العالم هو مناوراته وألاعيبه التى أفشلت «خطة بايدن» لوقف الحرب فى غزة وعرقلته لإتمام صفقة الهدنة، والتى كانت سبباً مؤثراً ضمن حزمة عوامل أسهمت فى إضعاف مكانة وموقف الرئيس الأمريكى الحالى، وكانت دافعاً لضغوط أخرجته من سباق الرئاسة أمام ترامب.
فيما يكشف التصعيد المفاجئ فى الشرق الأوسط الذى أعقب زيارة نتنياهو إلى أمريكا، عن وجود صلة ما بين تأزم الأوضاع فى المنطقة وترجيح كفة حزب على الآخر فى انتخابات الرئاسة الأمريكية، خاصة إذا ربطنا ذلك بوصف ترامب لأى يهودى سينتخب الحزب الديمقراطى بأنه «غبى»، واتهامه لمنافسته كامالا هاريس بأنها تكره إسرائيل، وهو ما يعول عليه فى اجتذابه لأصوات اليهود الأمريكيين.
ولكن، هل يبقى كارت (غزة) وحربها وهدنتها مؤثراً فى قادم الأيام الفارقة فى مسار المنافسة الرئاسية فى أمريكا؟، الإجابة: نعم، فإيقاف الحرب يؤثر بالإيجاب لصالح الإدارة الديمقراطية الحالية ممثلةً فى الرئيس بايدن، كما يؤثر لصالح مرشحة الحزب كامالا هاريس التى تتبنى نفس السياسة فيما يتعلق بالصراع فى الشرق الأوسط، والتى تأسست أيضاً منذ عهد أوباما على توازن فى العلاقة مع إيران وفق سياسة «العصا والجزرة» فى محاولة لاحتوائها.
وهو ما يبرر جهداً خارقاً تقوم به إدارة بايدن لإيقاف التصعيد الذى أحدثته حماقات نتنياهو الكثيرة والمستمرة حتى اللحظة، والإلحاح القوى على إنجاز الهدنة، وتسويقها بمنطق «الفرصة الأخيرة»، بما يحمله المعنى من مغزى يخص أطرافاً كثيرة يؤثر عليها تجميد أثر «كارت غزة» ونزعه مؤقتاً من قبضة نتنياهو ليتلاشى أثره حتى تنتهى المعركة الانتخابية الأمريكية.
وأخيراً، فإن روسيا تعد من المتهمين البارزين بالتأثير على مجريات الانتخابات الأمريكية، لكن سيختلف الرئيس الروسى بوتين مع حلفائه فى الصين أو إيران حول اسم مرشحه المفضل فى الانتخابات القادمة والذى يحقق له مصالحه، خاصة ما يتعلق بالحرب فى أوكرانيا، لهذا لو كان له حق التصويت فى هذه الانتخابات لمنح ترامب صوته بلا تردد.
وقد كانت اتهامات قد طالت روسيا بالفعل، وأجريت تحقيقات استخباراتية موسعة حول دورها فى انتخابات الرئاسة الأمريكية عام ٢٠١٦، فيما اتهمها تقرير استخباراتى حديث صدر قبل عام بأنها «تستغل شبكات التجسس التابعة لها، إضافة إلى الإعلام الرسمى ووسائل التواصل الاجتماعى لتقويض الثقة فى الانتخابات الأمريكية».
وتحمل الانتخابات القادمة الكثير للعالم، كما تؤثر نتيجتها على مستقبل الدولة الأمريكية ونظامها السياسى، ولهذا ستكون أكثر انتخابات فى تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية إثارة، وسيترقب نتيجتها كل سكان الكوكب، وربما ينتظرها أيضاً بعض سكان الفضاء والكواكب المجاورة، خاصة مع وجود مرشح شعبوى مثل ترامب، يستخدم منهج الاستقطاب الحاد فى خطابه السياسى.
وقد زاد من جرعته عبر منصة «إكس» فى حوار المليار مستمع مع رجل الأعمال إيلون ماسك، مالك المنصة التى كانت (تويتر) وأصبحت اليوم لاعباً رئيسياً فى الانتخابات، وقد تحدث ترامب معه فى أغلب الملفات المثارة داخلياً وخارجياً، ثم أشار لمن وصفهم بـ«أعداء الداخل» رافضاً تسميتهم موضحاً أنهم أخطر من كوريا الشمالية أو روسيا، ملوِّحاً بـ«الرعب» فى حالة سقوطه فى الانتخابات، وهو ما قد يدفعه للهجرة خارج البلاد حرصاً على سلامته.
محمد مصطفى ابوشامة – الوطن نيوز