أبناء المهاجرين في الغرب وتحديات الهوية
يواجه الوجود الإسلامي في بلاد الغرب تحديات عدة، أبرزها الحفاظ على الهوية الدينية، ويعظم هذا التحدي في الأجيال اللاحقة التي تلي الجيل الأول من المهاجرين، فهذا الجيل الأول يحمل معه منظومات التصورات والقيم والأخلاقيات التي استقاها في مجتمعه الإسلامي ومن ثم لا تتأثر هويته بشكل كبير خاصة في نطاق العقائد والتصورات.لكن الخطر على الهوية يزداد ويتفاقم في نطاق الجيل الثاني وما يليه، وهو ما ينذر بالتأثير على أوضاع المسلمين مستقبلا، تتمثل هذه الإشكالية في فقدان هذه الأجيال الشعور بالانتماء للدين، ويصبح الدين بالنسبة لهم وصفًا لا منهجًا، فلا يكترث كثير من أبناء هذه الأجيال بالشعائر التعبدية، ويتضح ذلك في ترك الصلاة وترك ارتداء الحجاب، وإقامة علاقات بين الجنسين خارج إطار الزواج، وتناول المسكرات. ولئن كان ذلك لا يعني فقدانًا كاملًا للهوية الدينية، لكنه تعبير عن اتساع رقعة الانحراف الذي ينذر بتلاشي هذه الهوية على المدى البعيد.
وأما عن أسباب ضعف الهوية الدينية لدى هذه الأجيال، فنستطيع إجمالها في ثلاثة أسباب، السبب الأول يرجع إلى الأسرة المهاجرة ذاتها، وهو استجابة الأسرة لإيقاع الحياة السريع الصاخب في الغرب والانشغال بسببه عن تربية الأبناء التربية الإسلامية الصحيحة التي تضمن الحفاظ على هويتهم، ويعظم هذا الخطر في حال زواج المهاجر من أجنبية تخالفه في العقيدة، ما يؤدي إلى تهميش الدين في حياة أبنائه منها.
وأما السبب الثاني فإنه يعود إلى البيئة المحيطة التي تهيمن عليها العلمانية والتحرر بمفهومه الغربي الليبرالي، فلا شك أن هذه البيئة الضاغطة تترك أثرًا بالغًا على هذه الأجيال، خاصة في ظل غياب دور الأسرة عن التوجيه والإرشاد والمراقبة بفعل الانخراط في الواقع الصاخب كما أسلفنا.
والسبب الثالث هو ظاهرة الإسلاموفوبيا وتنامي رفض المجتمعات الغربية للوجود الإسلامي، وهو ما يمثل ضغطًا نفسيًا وفكريًا وثقافيًا على تلك الأجيال، التي يتماهى بعض أبنائها مع الحياة الغربية فرارًا من هذه العزلة المضروبة عليهم من المجتمع العلماني.
ومن أجل الحفاظ على الهوية الدينية لهذه الأجيال في الغرب، يستلزم أن تتضافر جهود عدة جهات، الجهة الأولى: هي الأسرة لا شك، فإن المسؤولية الكبرى في هذا الشأن تقع على عاتقها، إذ ينبغي أن توفر الأسرة بيئة داخلية تقدس القيم الدينية وتطبق تعاليم الدين لتغرس في الأبناء العقيدة والتصورات الصحيحة والمنظومة الأخلاقية التي ينبغي أن يكونوا عليها إضافة إلى الشعائر التعبدية والتمسك بها.
والجهة الثانية المنوط بها العمل لتعزيز الهوية الدينية لدى هذه الأجيال هي المساجد والمراكز الإسلامية في دول الغرب، فهي توفر لهم بيئة خاصة مصغرة ومحضنا تربويا يزيل عنهم الشعور بوحشة الاغتراب، إذ يجد الأبناء في هذه المؤسسة أعوانًا على امتثال تعاليم الدين، إضافة إلى أنها تكون صمام أمان بكون هذه المحاضن ملاذًا للرد على كل الشبهات التي تدور في نفوس الناشئة أو تُنثر أمامهم في المجتمعات الغربية خاصة فيما يتعلق بالشبهات حول العقيدة.
الجهة الثالثة التي يقع على كاهلها مسؤولية تعزيز الهوية الدينية لدى هذه الأجيال، هي المؤسسات التعليمية الخاصة التي يمكن أن يلتحق بها الأبناء، من خلال مناهجها التي تنسجم مع التعاليم الدينية وتعززها ولا تخرج عن أطرها، وتغرس الأخلاق والقيم الدينية في نفوس الطلاب المسلمين، يستطيعون أن يواجهوا بها الأخطار التي تتهدد هويتهم. وأما الجهة الرابعة فهي المجموعات والرابطات والجروبات على مواقع التواصل الاجتماعي التي يمكن أن يرتبط بها الشباب في الغرب، وتمثل منابر توجيه لهذه الأجيال، وتقدم إجابات حضارية واعية عن أسئلتهم في البيئة الغربية التي لديها حساسية من الوجود الإسلامي، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
إحسان الفقيه – الشرق القطرية