آراء

الرئيس الأمريكي الثامن والأربعون

كأنه يستعيد مسيرة ريتشارد نيكسون، الرئيس الأمريكي السابع والثلاثين، عندما استدعاه الرئيس الرابع والثلاثون، دوايت أيزنهاور من ولاية كاليفورنيا، واختاره على بطاقته الانتخابية نائبا للرئيس.

يبدو أن الأمر يستعاد مرة أخرى مع جيمس ديفيد فانس، العضو الجمهوري في مجلس الشيوخ الأمريكي عن ولاية أوهايو، إحدى ولايات الصدأ، فقد استدعاه دونالد ترامب أيضًا، واختاره على بطاقته نائبًا للرئيس بتوصية من جونيور ترامب الابن، كان فانس قبل ذلك يصف ترامب بالأحمق، وأنه أسوأ من نيكسون، وأنه هتلر أمريكا.

هل هي الأقدار أم الترتيب؟

يتشابه فانس ونيكسون، برغم أنه كان يصف نيكسون بالأسوأ، ويتحول إلى نائب لترامب، وكان يكره رئاسته!

يتشابه الاثنان في مسيرة غريبة، عملا في مهن مختلفة: محاميان، خطيبان مفوهان، عضوان في مجلس الشيوخ عن الحزب الجمهوري، كاتبان لا يشق لهما غبار.

كان نيكسون مثقفًا عميقًا في تاريخ الحضارات القديمة، استفاد من ذلك في المفاوضات مع زعماء الصين والاتحاد السوفيتى، كان ملمًا بالروايات الكبرى في عصره، خصوصًا الروسية والأوروبية، وصاحب نظرية سياسية إستراتيجية، تجلت في كتابه «نصر بلا حرب»، وتجلت في تلاميذ بدءًا من بريجينسكي، وجورج بوش الأب، وصولا إلى هنري كيسنجر، وكذلك فانس، الذي كتب مذكرات عارية دون خوف من المجتمع المحافظ الذي ولد فيه.

فانس الشاب، 39 عامًا من ولاية أوهايو، عاش طفولة معذبة، أب من أصل أيرلندى يغادر العائلة مبكرًا، أم تدمن الكحول، جدة تقوم بتربيته بصرامة، يتخذ لقبًا من اسم جده لأمه، يرفض أن ينسب لأبيه الحقيقي بومان، أو زوج أمه.

يتعلم، ويعمل في مهن كثيرة، يدرس في جامعة أوهايو، ثم جامعة ييل، يتزوج من أوشا الهندية، زميلته في الجامعة، يصبح أبًا لثلاثة أطفال.

يكتب مذكراته العائلية بعنوان «مرثية ريفية»، يروي فيها تاريخ عائلته الثقافي والاجتماعي، يسجل الحكاية، كما جرت في الواقع، بالأسماء والأماكن، تتحول إلى فيلم سينمائي، يترشح أبطاله لجائزة الأوسكار، يحتل كتابه القائمة الأولى في مبيعات أمازون.

يترشح في انتخابات مجلس الشيوخ الأمريكى، عن ولاية أوهايو 2022، يصبح عضوًا جمهوريًا في يناير 2023، وفي يوليو يصبح المرشح على بطاقة دونالد ترامب نائبًا للرئيس، ويصبح ثاني أصغر نائب للرئيس في التاريخ الأمريكي بتسعة وثلاثين عامًا، ينتزع لقب ريتشارد نيكسون الذي كان في الأربعين عامًا.

الزمان والمكان يتشابهان، فالزمان عام 1953، كانت أمريكا غارقة في حرب الكوريتين، الشمالية والجنوبية، تفقد الجنود والهيبة، هيبة النصر في الحرب العالمية الثانية، يعاني الحزب الجمهوري من نقص الكاريزما، فجاءوا بنيكسون الشاب، الخطيب والمحامي المفوه من كاليفورنيا، فينجح أيزنهاور لدورتين، يرثه نيكسون فيما بعد في البيت الأبيض أثناء أزمة فيتنام التي تحولت إلى مستنقع.

والآن كأنها دورة أمريكية قدرية، تكاد تنزلق فيها إلى حرب أهلية، تشيخ، تتداعى هيبتها في العالم، يتعرض أحد مرشحيها في الانتخابات الرئاسية إلى محاولة اغتيال على الهواء مباشرة، ينجو مصادفة أو ترتيبًا، تهتز الدولة التي اخترعت كل شيء في القرنين ونصف القرن الماضيين، تكاد تسقط في هوة سحيقة، بين حالتين متنافرتين لا تلتقيان.

الأولى حالة الديمقراطيين، وقد عجز خيالهم السياسي، ونضب كتابهم الفكري، واتخذوا من إشعال الحروب تجارة رابحة، وقد ورد ذلك على لسان الرئيس جو بايدن في أكثر من خطاب.

أما الثانية فحالة الجمهوريين الذين يرغبون في عزلة نهائية عن العالم، وفي ابتعاد عن العالم القديم، وفي رفض لفكرة صناعة الانقلابات والثورات والحروب.

كاد العالم يصدق أن هناك حربًا أهلية تقع بين حين وآخر، وكادت رصاصات الشاب توماس ماثيو كروكس، ضد ترامب في ولاية بنسلفانيا، تفتح المزاد بالفعل، لولا أن المهمة فشلت.

مهدي مصطفى – بوابة الأهرام

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى