آراء

الإدمان المُباح

في كلِّ يومٍ على مدارِ العامِ، يتكرَّم علينَا رجلُ الأعمالِ الأديبُ المثقَّفُ الكاتبُ أحمد حسن فتيحي برسالةٍ يوميَّةٍ في مجالاتٍ مختلفةٍ، بعضٌ منهَا تاريخيٌّ، وبعضٌ منهَا ثقافيٌّ، وبعضٌ منهَا اقتصاديٌّ، وقد استوقفتنِي رسالةٌ أرسلهَا لي سابقًا، وهِي رسالةٌ اقتصاديَّةٌ عنوانُهَا: (الإدمانُ المُباح) يقولُ فيهَا الآتِي: كلُّ يومٍ من أيَّامِ أسبوعِ التداولِ يدخلُ الآلافُ من المتداولِينَ سوقَ الأسهمِ بيعًا وشراءً، معظمهُم يحكمهُ خبرٌ عن الشركةِ، بمشاركتِهَا في اندماجٍ، أو استحواذٍ، أو مشروعٍ مستقبليٍّ، فينطلقُ بعاطفةٍ نحوَ سعرِ السهمِ للشركةِ التِي سمعَ عنهَا، وتأثَّر بعاطفتِهِ نحوهَا؛

أملًا في تحقيقِ أرباحٍ تتجاوزُ عن صبرِهِ وهدوئِهِ لجنِي أرباحٍ من شركةٍ أُخْرَى كانَ قد اشترَى فيهَا.وكثيرٌ من المتداولِينَ في سوقِ الأسهمِ، «وهنَا أعنِي السوادَ الأعظمَ»، يتأثَّرُ كثيرًا بالشَّائعاتِ والتكهناتِ، وربَّما بقولٍ عابرٍ، أو بتقديرٍ خاطئٍ، فيندفعُ شراءً أو بيعًا.والغريبُ أنَّ معظمَ المتداولِينَ يعوِّلُونَ كثيرًا على حظِّهِم في التداولاتِ، والتعبيرِ السائدِ «حظِّي اليوم غيرُ مُواتٍ»، «السوقُ تعيسٌ».هذه العاطفةُ المتقلِّبةُ المزاجِ من التداولِ، تمثِّلُ اللاعبَّ الثَّاني مع الدكتاتورِ «السوق الذِي يتعاملُ معهُ المتداولُ»، فينساق إلى مزاجيَّةٍ برفعِ الأسعارِ، أو بخفضِهَا، فيراهُ محبَّبًا عندمَا يرتفعُ، ويراهُ مرتبكًا وغيرَ واقعيٍّ، وسيئًا عندمَا ينخفضُ.ولكنْ هنَا ليسَ المُهم الارتفاعَ أو الانخفاضَ، وإنَّمَا كيفَ نتعاملُ مع هذَا الدكتاتور المتحكِّمِ المتقلِّبِ، الذِي يفقدنَا كثيرًا من ثرواتِنَا، ونادرًا مَا نحقِّقُ فيه مبتغَانَا.هناك حساب يسمى تحليل الأصول، وحساب يسمى التحليل الفني، وأرى أنَّ الحسابات الفنية التي ظهرت بشدة في الآونة الأخيرة،

هي أكثر وأبشع الأوصاف للفشل والهزيمة. فدائماً أحداثها المستقبلية التي تعتمد عليها تؤدي إلى التعثر وخيبة الأمل.أمَّا تحاليل الأصول، فهي تعتمد على أرقام مستوحاة من ميزانية موثَّقة، توضِّح رأس المال، ومضاعف الربحية، ومضاعف قيمة السهم والقيمة السوقية. وكلَّما كانت الأمور أكثر وضوحًا، كانت النتائج إيجابية.إنَّ الالتزاماتِ التِي تحملُ أعباءَهَا الشركةُ، تُعتبرُ أحد أهمِّ مَا يجبُ النظرُ إليه.. كمَا أنَّ إدارتهَا تمثِّلُ قيمةً معنويَّةً تدعُو إلى التفاؤلِ أو العكسِ.وليسَ بالضرورةِ أنْ توزِّع أرباحًا سنويَّة من غيرِ اكتراثٍ لحقوقِ المساهمِينَ واحتياطاتِهَا، وإنَّمَا نستمرُّ في الربحيَّةِ ولوْ بشكلٍ بطيءٍ، فقليلٌ متَّصلٌ، خيرٌ من كثيرٍ منقطعٍ.إنَّ التداولَ في السوقِ هُو إدمانٌ عليهِ، فاخترْ الوقتَ الذِي تستطيعُ أنْ تتخلَّصَ فيهِ مِن هذَا الإدمانِ.

نصائحُ اقتصاديَّةٌ وتحليلُ متابعٍ ومحلِّلٍ، آملُ أنْ يستفيدَ منهَا المدمِنُونَ على التداولِ في سوقِ الأسهمِ.

د. عبدالله صادق دحلان – جريدة المدينة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى