آراء

مع «التريند».. إلى أين سنمضي؟

استوقفني خبر بعنوان (بريطاني يغرق والمتجمهرون يلتقطون السيلفي!). هل وصل البشر إلى تلك الدرجة من تبلد المشاعر بحيث تكون ردود أفعال الكثيرين منهم متشابهة، والتي تتلخص بغياب العقل والعاطفة في آن معاً، حين يواجه إنساناً الموت فيستغيث لكن لا أحد من حوله يحرك ساكناً كما كان حال العشرات الذين تجمهروا خلف فندق راديسون بالقرب من جسر أوز في مقاطعة «يورك» البريطانية، لكن لم يبذل أي واحد منهم جهداً لإنقاذ الرجل على الرغم من وجود أطواق نجاة في مكان قريب من النهر، ذلك لأنهم لا يكترثون لأمره، ولا يعنيهم إنْ نجا أم لم ينجُ! كل ما عناهم في ذلك الوقت الصورَ ومقاطع الفيديو، التي بثوها في مواقع التواصل الاجتماعي التي يبدو وكأنها تكاد تسلب كل شيء منا، فتفرض علينا قوانينها، وتجردنا من إنسانيتنا. مواقع التواصل التي جعلت الكثيرين يعيشون في عالم افتراضي مخادع ومعزول عن العالم الواقعي.

فهل ماتت المشاعر الإنسانية وصار السيلفي والترند أهم من حياة إنسان. أكاد أجزم أن مشاعر جميع من شهدوا الموقف ميتة أصلاً لأنهم لم يتحركوا لنجدة ذلك الملهوف. حقيقة لا أبالغ إن قلت إن كآبة أصابتني بعد قراءة الخبر الذي يكشف عن تدنٍ أخلاقي رهيب، أو غياب كلي لها.

وددت لو أن القانون يتضمن مواد تنص على معاقبة كل من يكون بإمكانه إنقاذ روح ولا يحاول أو يفعل خصوصاً إذا توافرت الإمكانات لذلك، بل يلتقط صورة له بينما ثمة روح تئن وهي على وشك الموت، حتى وإن كان صاحب الروح حيواناً، مع العلم أن قطط الشوارع والكلاب المشردة في الغرب تستفز مجموعات بشرية بأكملها لإنقاذها، في حين أن إنساناً مشرداً يقع على الأرض أو يموت لكن لا يجد من ينقذه من جوع أو برد أو مرض.

في مثل هكذا حوادث، إن سلوك الذين يقومون بالتقاط صورة سيلفي وتصوير مشاهد فيديو لبثها وكسب مشاهدات بالآلاف والملايين، يعكس نوعاً من الانعزال عن الواقع، والتحول بشكل شبه كامل نحو انصباب الاهتمام بشكل كلي على الذات وعلى الترند، وبالتالي الانتشار عبر وسائل التواصل الاجتماعي.إن المرضى بتلك الوسائل بحاجة إلى إعادة تأهيل ليتعلموا كيف يكونون متعاطفين وإنسانيين، فعلى ما يبدو أن وسائل التواصل الاجتماعي غلبتهم فباتوا من ضحاياها.
ولأنني لا أميل إلى التعميم، وحتى لا تبدو الصورة قاتمة تماماً، فإن على الجانب الآخر أخباراً رفعت هرمون السيروتونين عندي. حيث تداولت وسائل الإعلام لقطات تحبس الأنفاس لعملية إنقاذ رجل عالق وسط حريق ضخم في منطقة سيشن هيل في بريطانيا أيضاً، وقد تم رفع الرجل بمساعدة مجموعة من العمال كانوا قريبين من الموقع، فاستخدم أحدهم رافعة ذات قفص حديدي قريبة من الموقع لمساعدة الرجل وإبعاده عن موقع الحريق.

صحيح أن كلا الخبرين يعكسان نوعين من البشر. نوع يستهتر بحياة كائن مثلهم، ونوع آخر فكر وعمل واجتهد لإنقاذ كائن مثلهم أيضاً. فمن يمثل كل طرف، ونحن إن سألنا أنفسنا أين سنكون لو كما في نفس الموقف وذات الظرف؟ هل سنكون من بين صفوف المتفرجين السلبيين؟ أم سنهب لنجدة إنسان يصارع كي يبقى حياً لنمثل بالتالي صورة الأشخاص الذين يتصرفون بشكل مسؤول ومتعاطف في مثل هذه الحوادث، ويسعون لتقديم المساعدة والدعم للآخرين؟
أعي تماماً أن كل شيء يمكن أن يتغير، وأن ما كان غير مقبول بالأمس، أصبح اليوم عادياً وشائعاً، ويكاد يصبح عادة الكل. ومن يعلم ماذا تخبىء لنا الأيام وإلى أين سنمضي!

علي بن سالم الكعبي – صحيفة الاتحاد

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى