آراء

عثمان جلال يكتب: بين الحزب الشيوعي وسواقطه استراتيجية تفكيك المؤسسة العسكرية

 

(1)

تقول الرواية انه تم إسناد مهمة تعبئة ضباط الصف والجنود المشاركين في انقلاب مايو 1969 للرائد محجوب برير لرمزيته وسط هذا المكون العسكري الداعم للانقلاب، وصوب الجنود سؤالا للرائد محجوب برير، هل الحزب الشيوعي وراء الانقلاب؟ وعندما أيقن الرائد محجوب رفض الجنود المشاركة في الانقلاب ان كان وراءه الشيوعيين استدرك تعمية لهم بلا، وهذا ينم بأن المؤسسة العسكرية الوطنية بنية تحتية وفوقية يمينية الثقافة والعقيدة، فلا مشاحة فهي نتاج هذا المجتمع والذي تسوده ثقافة التدين والتوحيد منذ ابكار التاريخ امتدادا من إنسان سنجة وتانحسو وكوش ومروي والممالك المسيحية ، والسلطنات الإسلامية في السودان الشرقي القديم.

(2)

خطط اليسار الشيوعي في السودان إلى صنع الثورة الديمقراطية تدرجا داخل المجتمع السوداني وصولا إلى الاشتراكية وتلاشي الطبقات وسيادة الشيوعية،وذلك عبر التغلغل في النقابات والمشاركة في الانتخابات ، وعندما أدركوا استحالة تحقق النموذج المثالي الماركسي في التغيير يئسوا من المجتمع السوداني.

عندها تشكل من رحم الحزب الشيوعي السوداني تيار (القيادة الثورية) بقيادة يوسف عبد المجيد كمرات وأحمد الشامي، وعلي عمر، ورفع الحزب الجديد شعار الزحف العسكري المسلح من الريف بنسق الطريقة الماوية في الصين وتحطيم الأحزاب السودانية اليمينية ومؤسسات المجتمع والدولة وفي طليعتها القوات المسلحة وإعادة بناءها لصالح مشروعهم الإقصائي الأحادي
(٣)

بعد ثورة أكتوبر 1964 نزع الشيوعيون إلى اختطاف حكومة المرحلة الانتقالية عبر واجهة جبهة الهيئات مما أدى لانهاء المرحلة الانتقالية وتنظيم الانتخابات العامة في مارس ١٩٦٥ وأعقب ذلك حل الحزب الشيوعي في نوفمبر 1965، بعد حادثة الطالب شوقي بكلية التربية، جامعة الخرطوم وتم طرد نواب الحزب من الجمعية التأسيسية ولامتصاص الغضب الجماهيري المتصاعد ضد الحزب الشيوعي وبعد مؤتمر الجريف تم حل الحزب ودمجه مع قوى اشتراكية تحت مسمى الحزب الاشتراكي السوداني، ولكن تم التراجع عن الحزب الجديد بعد نصيحة الرفاق السوفيت وفق أدبيات الحزب الشيوعي

(٤)

في هذه الأجواء عقد الحزب الشيوعي مؤتمره الرابع عام ١٩٦٧م تحت شعار الماركسية وقضايا الثورة السودانية، وبرز تيار قوي رفع شعار التحالف بين الطبقة العاملة والعناصر التقدمية داخل المؤسسة العسكرية وهدفه تصفية العناصر الرجعية داخل الجيش، واجتثاث الاحزاب اليمينية واستعادة أهداف ثورة اكتوبر، وتطور هذا التيار الى تحالف الجبهة التقدمية اليسارية التي نفذت انقلاب ٢٥ مايو 1969.

(٥).

كما اختطف لينين الثورة الروسية عام 1917 بشعاراته الزائفة المتدرجة كل السلطة للسوفياتات ثم كل السلطة للبلاشفة، ثم دكتاتورية البروليتاريا والتي انتهت إلى دكتاتورية دون طبقة بروليتاريا ، حاول الحزب الشيوعي السوداني اختطاف انقلاب مايو 1969 وفرض نموذجه الماركسي اللينيني،ولما أدرك المرحوم نميري أن فرض هكذا نموذج يعني الصدام مع المجتمع السوداني والمؤسسة العسكرية ابعد العناصر العسكرية والمدنية الشيوعية من مؤسسات الانقلاب.عام ١٩٧٠م.

كما قاد لينين مشروع الثورة المضادة من بتروغراد واسقط حكومة التحالف الثوري في روسيا بقيادة كيرنسكي والتي اجمع فقهاء الثورات أن هذا التحالف كان سيضع روسيا في مسارات الدولة الديمقراطية حاول الشيوعيون استنساخ التجربة في السودان عبر انقلاب المرحوم الرائد هاشم العطا 1971 والذي اجهضه المجتمع السوداني والمؤسسة العسكرية وهو في مخاض صراع الرؤى والتكوين. وقد ارتكب قادة الانقلاب المندحر مذبحة بيت الضيافة والتي راح ضحيتها صفوة من ضباط الجيش السوداني، وارتد مشروع تحطيم المؤسسة العسكرية إلى اسبوع الآلام والحالة الكربلائية التي لا زالت تتلبس الحزب الشيوعي

(٦)

استيأس الحزب الشيوعي وسواقطه من إنجاز أكذوبة الثورة الوطنية الديمقراطية بالقفز ليلا عبر المؤسسة العسكرية، ووسمها بأنها تشكل الطليعة في التحالف اليميني البرجوازي شبه الاقطاعي والذي يقف عقبة أمام مشروعهم الاستبدادي ولذلك ينبغي تحطيم المؤسسة العسكرية، واتبع عدة تكتيكات ميكافلية شملت التحالف مع الغابة المسلحة بقيادة الدكتور جون قرنق وإحلال الجيش الشعبي بديلا للقوات المسلحة،وانتهى هذا التكتيك بانفصال الجنوب، ثم التحالف مع حركات الهامش المسلح بعد اختراقها عبر سواقط الحزب الشيوعي ، وإحلال قوات الحلو، وعبد الواحد نور بديلا للقوات المسلحة،وتكتيك تأليب الدول الغربية والمنظمات الدولية ضد السودان.

(٧)

بعد ثورة ديسمبر ٢٠١٨ نزع الحزب الشيوعي وسواقطه إلى اختطاف منجزات الثورة عبر تكتيكات متناقضة هدفت في آن واحد تحقيق السيطرة على الشارع الثوري باختراق لجان المقاومة وشباب الثورة وقوى التغيير الجذري، وأيضا الهيمنة على مؤسسات حكومة المرحلة الانتقالية الأولى والثانية بقيادة الدكتور حمدوك. ونزعوا الى استقطاب القائد البرهان لتمرير مشروع تفكيك المؤسسة العسكرية وعندما يئسوا، ابعد سواقط الحزب الشيوعي النجعة في الميكافلية السياسية وذلك بالتحالف مع المحور الإقليمي العربي بقيادة دولة الإمارات الاقطاعية والذي اجهض ثورات الربيع العربي في مصر وتونس، وأشعل الحروب الأهلية في سوريا وليبيا واليمن وأحالها إلى دول فاشلة، وكذلك التحالف مع الدول الغربية الرأسمالية التي تنزع إلى فرض نموذج التبعية السياسية والاقتصادية والثقافية والعسكرية وتكتيك اختراق الأحزاب التقليدية،كما تبدى ذلك في تحالف قوى الإطاري الساعي الي تشكيل حكومة انتقالية مدنية غايتها شرعنة تفكيك المؤسسة العسكرية والتكتيك الأخطر الذي نسج منواله سواقط الحزب الشيوعي هو التحالف مع قيادة قوات الدعم السريع وغايته فرض مشروعهم الاحادي التدميري عبر رافعة قوات الدعم السريع، وإحلالها بديلا للقوات المسلحة.

لكن هيهات فكل المخططات التاريخية للحزب الشيوعي وسواقطه تكسرت بانتصار إرادة المشروع الوطني وحماته كل قطاعات المجتمع والقوات المسلحة، بينما ارتد الحزب الشيوعي وسواقطه إلى جماعات وظيفية للاجندة الأجنبية ، والحركات والمليشيات المسلحة في الداخل.

وان كان ذلك كذلك فإن المعادلة الان واضحة بين مشروعين الاول وطني محصن بكل ارادة قطاعات المجتمع الحية وغايته وحدة وتماسك السودان،ومرحلة انتقالية توافقية تؤسس لنظام ديمقراطي توافقي ومستدام ، تحرسه مؤسسة عسكرية قوية وموحدة خاضعة لارادة السلطة السياسية المدنية المنتخبة من قاعدة المجتمع.

ومشروع قوى الإطاري ذو النزعة السلطوية الانتهازية، ورافعته المحور الإقليمي والدولي المناهض للثورات الديمقراطية في المنطقة العربية والافريقية وحتما فإن إرادة المشروع الوطني الديمقراطي هي المنتصرة بإذن الله

في المقال القادم نحلل مآلات تحالف الهاربين الانتهازي بين قحت المجلس المركزي وسواقط الحزب الشيوعي وقيادة قوات الدعم السريع

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى