تحقيقات وتقارير

إضرابات تشل عديد من المؤسسات والقطاعات في السودان

تضرب عديد من المؤسسات والقطاعات الحكومية في السودان موجة من الإضرابات عن العمل، احتجاجا على تردي الرواتب وتفاقم الأوضاع الاقتصادية فيما تشهد الأسواق تزايدا مضطردا في أسعار السلع الأساسية.

ولجأ العاملون إلى سلاح الإضراب لنيل المطالب مع استمرار الغياب الحكومي عن تلبيتها ومعالجة الأوضاع المتفاقمة في عديد من مؤسسات الدولة التي أصيبت بالشلل شبه التام.

وبالفعل،دخل العاملون في وزارة الصناعة وديوان الضرائب وعدة بنوك منها الادخار والنيل الأربعاء الماضي، في إضراب مفتوح عن العمل بسبب تدني الأجور وتدهور بيئة العمل.

ووجد العديد من الأشخاص المتعاملين مع تلك الوزارات والمؤسسات والبنوك الخاصة، عنتا كبيرا لإكمال معاملاتهم.

وبسبب الإضرابات المتكررة في القطاعات المختلفة يقدر خبيران اقتصاديان تحدثا لـ(سودان تربيون) ضياع أكثر من 80 يوما من العمل خلال عام 2022 بعد أن شمل التوقف عن العمل قطاعات واسعة في التعليم والصحة والنقل والصناعة والتجارة والموانئ.

ويعدد المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي، في حديث ضمن أسباب الإضرابات عن العمل، غياب النقابات العمالية التي كانت تتولى الحفاظ على حقوق العاملين وتجسير الفجوة بين الأجور وتكلفة المعيشة كما شجع ذلك الغياب أصحاب العمل والمؤسسات الحكومية على تجاهل الاستجابة لمطالب العمال ومنحهم حقوقهم التي يكفلها قانون العمل، ما تسبب بزيادة ظاهرة الإضرابات وما تخلفه من تأثيرات على البلاد.

عام الإضرابات

خلال نوفمبر من العام 2022، نفذ عمال السكة حديد في عطبرة إضراباً مفتوحاً للمطالبة بتعديل الأجور وصرف علاوة مستحقة.

وأغلق محتجون نوفمبر الماضي ميناء بشائر للمطالبة بالتعويض عن الأراضي والتوظيف والتنمية والخدمات بالمنطقة مما أجبر العاملين في الدخول في إضراب قسري عن العمل.

وفتح بنك فيصل الإسلامي باب الاستقالات الطوعية للعاملين، بعد قرار لمجلس الإدارة بإغلاق بعض مكاتب الصرف ونوافذ الخدمة ومقترحات دمج وتقليص بعض الأقسام.

وفي يناير 2022 دخل الموظفون ببنك الخرطوم في إضراب عن العمل، احتجاجًا على فصل 210 موظف تعسفياً ومنح 547 آخرين إنذارا، بعد المطالبة بتحسين الأجور .

وتنقلت سلسلة الإضرابات من العاملين بهيئة مياه الخرطوم، خلال نوفمبر الماضي إلى العاملين ببنك السودان المركزي الذين نفذوا في الشهر نفسه وقفة احتجاجية رفضا للتنقلات التعسفية.

وخلال سبتمبر الماضي نفذ العاملون بالكهرباء إحدى أكبر الإضرابات في البلاد احتجاجا على تدني الأجور وعدم تنفيذ وزارة المالية لتعهدات بمعالجة الهيكل الراتبي، وتزامنت تلك الإضرابات مع إضراب واسع للأطباء.

كما اضرب العاملين في وزارة الزراعة والغابات وأستاذة جامعة الخرطوم بسبب تخفيض رواتبهم في الشهر ذاته.

وشملت موجة الإضرابات التي تنتشر بالبلاد الأسواق كأول حادثة إضراب التجاري بالبلاد بإغلاق عدة أسواق الفترة الماضية في الخرطوم والقضارف وتمبول والأبيض والدمازين وغيرها احتجاجا على الضرائب الباهظة.

حضور بالتناوب

وبدا اثر تلك الإضرابات المهددة للنظام بالدولة واضحا بخلو المكاتب الحكومية ومكاتب العديد من الشركات والمؤسسات الخاصة وتوقف الدراسة في المدارس الحكومية لايام بسبب إضراب المعلمين.

ومع مظاهر الإضراب الظاهر والمُعلن، بينت جولة لـ(سودان تربيون) داخل ثلاثة وزارات بينها صندوق الإسكان والتعمير بولاية الخرطوم غياب عدد كبير من الموظفين وتناوب بعضهم وفق مصادر داخل الصندوق.

وأكد موظف لـ(سودان تربيون) طلب حجب اسمه لعدم تعريضه للمساءلة أن العاملين يتناوبون في الدوام نسبة للأزمة الاقتصادية الطاحنة وعدم وجود أجور كافية.

وتشير موظفة بديوان الضرائب إلى لجوء بعض الموظفين إلى أعمال أخرى لسد ثغرة الأجور المتدنية بالعمل في وظائف أخرى بعد الدوام أو عدم الحضور إلا بداية الأسبوع ولحضور الاجتماعات المعلنة.

غياب قسري

في المقابل، أجبرت الظروف الاقتصادية شركات ومؤسسات وأفراد على الإضراب والغياب القسري لأيام معدودة في الأسبوع خاصة في القطاع الخاص الذي لجأ مؤخرا لتقليل الصرف وحضور العاملين.

وترجح رئيس تحرير صحيفة الحراك السياسي رقية الزاكي، أسباب الإضرابات المتمددة للفشل الاقتصادي الحالي وتدني الأجور وانعدام الرضا الوظيفي.

كما ترى  أن المؤسسات خاصة الصحفية لا تستطيع الضغط على الصحفيين والعاملين للحضور كامل الشهر بسبب عدم تمكنها من الإيفاء بالعائد المجزي.

وجزمت بأن كل الاضطرابات الحالية في مختلف القطاعات ليست سياسة واعتبرت ما يساق في هذا السياق “ليس منطقيا” ومزايدات قياسا بالواقع الاقتصادي الراهن.

وأكدت الزاكي أن المؤسسات الصحفية بصورة عامة لا تلزم الصحفيين بالحضور يوميا لأن ذلك غير ممكن في ظل ضعف الأجور، وزيادة كلفة التنقل بالمواصلات العاملة، و توقعت تمدد الإضرابات الشاملة والعصيان المدني مع بداية العام مع انحدار الأوضاع الاقتصادية والغموض الذي يكتنف موازنة 2023.

إضرابات بالجامعات وإغلاق الأسواق

أعلن أكثر من 20 من التنظيمات النقابية (المهنية والحرفية) في بيان  وفق (سودان تربيون) مناهضة رفع الرسوم الدراسية بالجامعات التي تشهد إضرابا واسعا للطلاب وأولياء الأمور عن تسديد الرسوم العالية التي ارتفعت بنسبة 900%.

في ذات الحين، يستمر المعلمون منذ شهر في سلسلة إضرابات تشهد الأسبوع المقبل إغلاقا كاملاً للمدارس ومقاطعة الامتحانات الموحدة.

وأكد المتحدث باسم لجنة المعلمين السودانيين سامي الباقر، وجود تواصل غير رسمي مع وزارة المالية لمعرفة رأي اللجنة في المطالب المرفوعة من حيث الترتيب وغيرها.

وقال إن الوزارة أمنت على عدالة المطالب ووعدت بعقد اجتماع رسمي مع لجنة المعلمين السودانيين والجهات المختصة لحل الأزمة، لكنه أكد استمرار التصعيد لحين عقد الاجتماع.

وذكر أن المعلمين نفذوا إضرابات بدأت تدريجيا منذ 28 نوفمبر الماضي ليوم واحد ويومين في 7 و8 ديسمبر ، وإضراب وإغلاق أيام 13 و14 و15 من الشهر نفسه، وإغلاق لثلاثة أيام 27-28-29 ديسمبر.

وأبان سامي، رفع ثمانية مطالب في مذكرة لمجلس الوزراء وبالتزامن لأمانات الحكومات بالولايات المختلفة.

وعلى صعيد الاوضاع في وزارة الصناعة قال عضو لجنة العاملين بالوزارة عبد الله الأمين  إن العاملين نفذوا إضرابا عن العمل الاثنين والثلاثاء الفائتين للمطالبة بتنفيذ عدة مطالب أبرزها تخصيص نسبة من إيرادات القطاع الصناعي للوزارة، وتحسين شروط خدمة العاملين.

وكشف عن عقد اجتماع مع الوزيرة، التي أعلنت التزامها بالوقوف مع مطالب العاملين.

من جانبه، ذكر المحلل الاقتصادي، هيثم فتحي، أن الحركة العمالية اعتمدت في احتجاجها على سلاح الاعتصام، ويعني البقاء في مكان العمل بعد انتهاء ساعات الدوام، دون وقف الإنتاج، أو التأثير عليه، وهذه الطريقة في الاحتجاج كانت الأبرز لفترة طويلة، خاصة في ظل علاقات العمل بالقطاع العام.

وأضاف ” المقارنة تصبح لدى صاحب العمل، سواء كان رجل أعمال، أو الدولة، واضحة بين تكلفة الإضراب وتكلفة المطالب التي يرفعها العمال، وعادة ما تكون مطالب العمال أقل تكلفة من توقف الإنتاج، فيستجيب”.

ونبه إلى استخدام سلاح الإضراب عن العمل، بدلا من الاعتصام، يعد تطورا هاما في الحركة العمالية، لأن الإضراب يبرز القوة الاقتصادية للعمال، ويضيف إلى الضغط السياسي والدعائي والأمني، الذي يسببه الاعتصام، الخسارة الاقتصادية المباشرة التي يسببها توقف الإنتاج.

وقال إن العمال السودانيون يجدون أنفسهم أمام رزمة من المشاكل والأزمات الاقتصادية والمعيشية الطاحنة، وتراجع الدخول أمام ارتفاع المصروفات اليومية.

ورأى هيثم، أن الحل لقضية إضرابات العاملين بالدولة يكمن في إجراء معالجات كلية على مستوى الاقتصاد الكلي بما يحقق زيادة في إيرادات الدولة، وبالمقابل تحسين مرتبات العاملين على الأقل في الحد الأدنى الذي يلبي احتياجات العاملين الأساسية.

الخرطوم ( كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى