تحقيقات وتقارير

المعلم.. في المدرسة صباحًا ومع (الفرِّيشة) في سوق الخُضروات مساءً

التعليم في بلادنا يتأرجح مثل أي (مرجيحة) في ملهى للأطفال، دفع وتحريك عند التشغيل، ثم إيقاف وتعطيل عند تباطؤ أو تمرُّد العامل أو الفني، تتقدم المؤسسات التعليمية عندنا خطوة واحدة أو خطوتين في الفصل الدراسي، وتتراجع عشرات ـ توقف استئناف، توقف استئناف، تعدَّدت أسباب تدهور التعليم وتركزت بصورة جليّة في: إهمال البنية التعليمية ومدخلات تطوير الأداء متمثلة في: مباني المدارس، نقص أو ندرة الوسائل الدراسية المساعدة، تذبذب التقويم الدراسي، اضطراب السلم التعليمي تمدُّدًا وانكماشًا، تسييس المناهج و(اللعب) فيها، الإضرابات، امتهان المعلم وتجاهل أوضاعه المعيشية ومتطلبات أسرته التعليمية والعلاجية، واحتياجاته الأساسية من حيث تدني الأجور، وتجهيله بتعطيل برامج تدريبه وتأهيله، عدم ثبات المنهج، ارتباك التقويم الدراسي وتراكم الدفعات، ارتفاع الرسوم الدراسية، الازدواجية والفوارق بين التعليم العام والخاص، الظروف الاقتصادية والمعيشية المزرية لغالبية أسر التلاميذ والطلاب، صعوبة المواصلات، وفوق ذلك تسفيه الوزارة لمتطلبات اللجنة العليا لإضراب المعلمين، ومماطلتها في الاستجابة والتنفيذ بإعلان الوعود، إلى جانب اتهامها للجنة بزج مستقبل الأجيال القادمة في معارك سياسيةٍ، وكل هذه العوامل مجتمعة أجبرت المعلم ـ خاصة في بعض الأرياف ـ على أداء رسالته التعليمية في الصباح، ثم لبس (العرَّاقي) في العصريات والأمسيات واقتحام سوق الخضروات وتكوين زمالة مع (الفرِّيشة) ومشاركتهم النداء بأعلى الأصوات: علينا جاي، كوم البصل 10 جنيهات، الطماطم والبطاطس 15 جنيهًا، وأيضًا على مزاحمة عمال البناء و(النقاشة)، أو العمل في المطاعم، أو حتى في مجال (العتالة).

وتشهد بلادنا منذ سنوات إدخال سلعة (تخريب التعليم) إلى لائحة البضائع الأخرى الخاسرة حاليًّا في سوق الخدمات الأمنية والصحية والصناعية والثقافية، وإصابتها بالكساد ثم الشلل، وعلى رأس أسباب اضطراب التعليم: ضعف التمويل، ذلك أن التعليم والدعم المالي تجمعهما رابطة دم لا يمكن فصم عراها، وإذا انفصمت انهار التعليم، وحدثت موجات (تسرُّب) هائلة على مستوى كل المراحل كما يحدث الآن.

واستدعى الوضع المأساوي للتعليم؛ مكتب منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونسيف) بحسب السوداني أن يُعرب عن شعوره بالقلق البالغ إزاء اضطراب التعلُّم، وأن يدعو أصحاب المصلحة المشاركين في المفاوضات بشأن رواتب المعلمين الاهتمام بمنح الأسبقية لمصالح الأطفال وحقهم في التعلُّم.

والآن كأنما يعيد التاريخ نفسه يقول هارولد ماكمايكل في كتابه (السودان) عن أوضاع التعليم في خمسينيات القرن الماضي: “اتجهت العقليات القيادية في السودان من منطلق الانتماء والولاء إلى استخدام التعليم لتحقيق أهداف سياسية، ويُخشى وفق هذا المفهوم أن تنحط النزعات الوطنية إلى طموحات شخصية وطائفية وضيعة بغض النظر عن احتياجات البلاد الحقيقية” وتابع متناولًا أوضاع التعليم عمومًا في الشرق: “درج السياسيون في الشرق منذ فترة طويلة على تغذية أفكار الطلاب بمعتقداتهم وتشجيعهم على المظاهرات والاضطرابات لتأييد أي دعاية أو إشاعة جارية”.

الخرطوم(كوش نيوز)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى