آراء

محجوب مدني محجوب يكتب: إن أريد إلا الأصلاح صراع السلطة بين دعاة الإسلامية ودعاة العلمانية

 

السلطة غنيمة ساحرة، وغاية لا تدانيها غاية، فمن الاستحالة بمكان أن تقنع من يتشبث بها بتركها والاستغناء عنها.
كل من يتعلق بالسلطة لن يتركها، وسيظل يتعلق بها ولو كلفه ذلك حياته، فمن العبث وإضاعة الوقت والجهد محاولة إقناع جهة ما بأن تتخلى عن السعي للاستيلاء على السلطة لمجرد كون هذه السلطة لا تتناسب معها أو أنها لا تجيد استخدامها أو أنها ليست من حقها.
لا أحد يمكن أن يقتنع بأن يتخلى هو من نفسه عن السلطة ما دام متشبث بها ومتعلق بها، وبالتالي لا بد من إيجاد حل آخر يبعد كل جهة لا علاقة لها بالسلطة أو أنها إذا مارستها سوف تسيء إليها.
ولتقريب هذا المعنى يذكر المثال التالي:
حيث يقال أن القضاة عادة ما يفصلون بين المتصارعين حول حق ما.
فما أن يقف متخاصمان أمام القاضي إلا ويسعى القاضي جاهدا بأن يحكم لصاحب الحق.
وكثير ما يقع القضاة بعدم وجود بينة ودليل يثبت الحق لصاحبه.
الأمر الذي يتوقف على مدى حصافة وحنكة القاضي.
ومما يحكى عن حصافة القضاة أنه وقفت ذات يوم أمامه امرأتان تتخاصمان حول مولود بينهما كل واحدة تدعي بأنه ابنها وحينما لم يجد هذا القاضي دليلا على انتساب الوليد لواحدة من هاتين المرأتين عرض عليهما بأن يقسم الطفل بينهما بحيث كل واحدة تأخذ النصف.
لجأ القاضي هنا إلى العلاقة التي تربط بين الأم والطفل.
علاقة لا يمكن أن يطمسها ويزيلها أي عائق.
وبالفعل قامت الأم بالتنازل عن حقها، وفضلت بأن يذهب الطفل بكامله إلى خصيمتها من أن تقسمه إلى نصفين بينما انفعلت تلك التي تجرأت بانتساب الطفل إليها بأن رضيت أن يقسم الطفل بينهما، فحينئذ عرف القاضي من هي أم الطفل؟
وبالعودة للصراع بين دعاة الإسلامية ودعاة العلمانية حول السلطة نجد أننا أمام متصارعين اثنين كل واحد منهما يدعي بأن السلطة حقه، وقطعا لا يمكن أن يتنازل أحد الطرفين لمجرد أن السلطة ليست من حقه أو أنها لا تتناسب معه.
البعض لجأ إلى القوة لحسم هذا الصراع إلا أن القوة لم تحسمه إذ أنها بمجرد أن تضعف هذه القوة إلا ويرجع الخلاف كما كان وأسوأ.
يحتاج حسم الخلاف إلى قاضي ذكي وحصيف مثل قاضي المرأتين، فكما أن القاضي استطاع أن يبرز العلاقة بين الطفل وأمه، فكذلك لا بد من وجود دليل قاطع يبرز انتساب السلطة لأحد المتصارعين بحيث يفضح به من يتشبث بها زورا وبهتانا، وإلى أن يظهر هذا القاضي، فهناك ما يبرز انتساب هذه السلطة لواحد من المتصارعين حولها.
هذا الانتساب تبينه جهتان، فإن ظهرت إحدى الجهتين، فهذه هي التي تستحق أن تستولى على السلطة.
فما هي هاتان الجهتان؟
الجهة الأولى: أنها ليس لها أي هدف من السلطة سوى إثبات دعائم شرع الله في الأرض، فهي ليست فقط لا تسعى لملذات السلطة وما يتبعها من ثروة وزعامة بل تمقت كل هذه التبعات وتكرهها غاية الكره، وكل تركيزها ينصب في اتخاذ السلطة لتثبيت دعائم الدين من عدل ومساواة وسلام، فحينئذ سوف تتغلب هذه الجهة على غريمتها وسوف تأتيها السلطة وترتبط بها راغمة.
الجهة الثانية: هي الجهة التي تطلب السلطة لذاتها بمعنى أنها تبحث لأن تكون هي فوق الجميع.
تبحث لأن تكون هي الوحيدة التي تضع يدها على موارد البلد وثرواته.
تبحث لأن تكون هي في القمة، فهي سوف تحصل على غايتها هذه كلما ابتعدت الجهة الأولى عن نشاطها.
كلما خلا لها الجو من أي منافس أقوى منها.
ووفقا لهاتين الجهتين، فالجهة الأولى يمثلها دعاة الإسلامية بينما الجهة الثانية يمثلها دعاة العلمانية، وكل من لف لفهم من يساريين وغيرهم، وممن وقع داخل دائرتهم.
أما إذا كانت السلطة تائهة حائرة بلا أم تضمها إليها وتنسبها لها، فستظل هكذا تتخبط بين طالبيها ومنجذبيها، والكل يسعى للحصول عليها إلى ما شاء الله.
جملة القول هو أن الصراع حول السلطة ومدى شرعيته لن يحسمه سوى الممارسة، فمن أظهر عبرها حكما إسلاميا فهي كذلك، ومن أظهر منها غير ذلك فهو وما أظهره.
الحديث عن تصور وأفكار لن يجدي نفعا، وليس له أي تأثير على أرض الواقع بل ربما يثبت العكس إذا لم يصاحب التنظير واقعا يشير ويدل عليه.

 

 

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى