الطاهر ساتي

الطاهر ساتي يكتب: برميل نفايات

 

:: عندما تضع شرطة التموين يدها على أضخم شحنة (دقيق فاسد)، وحجمها (12.000 جوال، زنة 25 كيلو)، يصبح السؤال مشروعاً عن الشحنات التي عبرت إلى الأسواق في غفلة الشرطة.. فالخبر صادم، ولذلك وضعتها (الانتباهة) على صدارة أخبار الأمس.. ولو لم تداهم الشرطة المخازن بمنطقة صافولا شرقي الخرطوم، فإن هذا الدقيق الفاسد كان في طريقه إلى الأسواق، ثم المخابز، لتموت الناس وتمرض..!!
:: وقبل أسابيع من حل جمعية حماية المستهلك، وضعت الشرطة يدها على شركة تعيد تعبئة مواد منتهية الصلاحية، ومنها مرقة دجاج ومعجون ومزيل عرق وصابون ومواد أخرى.. عفواً، مع قرار الحل، تفاجأ رئيس جمعية حماية المستهلك، د. ياسر ميرغني، بأفراد لجنة التسليم والتسلم.. ولم تجد اللجنة غير بضعة كراسي وجهاز كمبيوتر.. واليوم لم يعد للمستهلك حتى مجرد جمعية تدافع عنه بالإعلام، لقد تم حلها (بلا تبرير)..!!
:: ولعلكم تذكرون، في نوفمبر 2019، مُخاطباً إحدى الورش، أعلن الوزير السابق بمجلس الوزراء عمر مانيس عن تنفيذ قانون حماية المستهلك، وتم تحديد وزير التجارة مدني عباس وزيراً مختصاً بتنفيذ القانون، ثم أثنى على جُهد جمعية حماية المستهلك التي تم حلها.. وكان ياسر ميرغني، الأمين العام لجمعية حماية المستهلك، قد قاتل لتحقيق هذا الإنجاز، وضحَّى بوقته وماله و(حريته أيضاً)..!!
:: ولهذا القانون – الذي أجازه برلمان البشير قبل السقوط بأسابيع – قصة محزنة، وثقناها بالتفاصيل.. واختصارها، في العام 2005، أصدر علي محمد عثمان وزير العدل الأسبق، قراراً بتشكيل لجنة برئاسة عبد القادر محمد أحمد، مدير المواصفات والمقاييس الأسبق، لوضع مسودة القانون.. ومنذ ذاك العام، وحتى عام السقوط، كانوا يجتمعون، ثم يشكلون اللجان، بلا جدوى.. تسويف وتلكؤ..!!
:: نعم، رغم غزارة البلاغات، منذ العام 2005، كانوا عاجزين عن إجازة قانون يحمي المواطن بالعقاب الرادع.. مراكز الفساد كانت أقوى من الدولة، وقالها رئيس لجنة العمل بالبرلمان عمر سليمان: (هناك جهات تقوم بتعطيل قانون حماية المستهلك).. (ولتضارب المصالح، فشلنا حتى الآن في إجازة قانون قومي)، وهكذا كان يردد لسان حال الدكتور ياسر ميرغني، طوال سنوات ذاك العهد، حتى أجازوه قبل سقوطهم بثلاثة أشهر..!!
:: ولكن، ثم ماذا بعد إجازة القانون في آخر أيام البشير؟.. للأسف لا شيء.. فالقانون ينص على إنشاء محاكم متخصصة بكل السودان، وهذا ما لم يحدث.. والقانون يُعاقب بالسجن، وهذا ما لم يحدث لفاسد.. والقانون ينص على تفرغ الأمين العام للجهاز القومي لحماية المستهلك، وهذا ما لم يحدث، بل بتوصية من وزير التجارة السابق مدني عباس مدني، عيّن رئيس الوزراء السابق حمدوك، اللواء شرطة نصر الدين صالح أميناً عاماً للجهاز، وهو اليوم يعمل مديراً لشرطة شمال دارفور..!!
:: وعليه، عندما تتحكم مراكز القوى التجارية الفاسدة على صناع القرار بأجهزة الدولة العليا والدنيا، تصبح البلاد مجرد (برميل نفايات)، أو هكذا حال السودان..!!

 

 

 

صحيفة اليوم التالي

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى