تحقيقات وتقارير

الأمن الغذائي٠٠ بين تطرف الطبيعة وسوء تقديرات الحكومات

 

تتناقص يوما بعد يوم حلقات سلاسل الإمداد الغذائي على المستويات العالمية والمحلية للبلدان في ظل تطاول أمد الحرب على أوكرانيا، إذ اعلنت دولة الهند السبت الماضي حظر تصدير القمح وذلك بعد ايام قليلة من تصريحها أنها تستهدف شحنات تصدير قياسية من القمح هذا العام لدول مختلفة، قدرتها بحوالي 10 ملايين طن، وأرجعت الهند قرارها المفاجئ هذا إلى موجة الحر التي ضربت مواقع الإنتاج وأدت إلى تقليص انتاج محصول القمح ما أدى بدوره إلى ارتفاع الأسعار المحلية للمحصول إلى أعلى مستوى، وأصبحت الهند مؤخرا قبلة المشترين العالميين للقمح بعد ان تراجعت صادراته من منطقة البحر الأسود أثر الحرب في أوكرانيا٠ وتوقعت تقارير خبراء عالميين حديثة ارتفاع أسعار الحبوب خاصة القمح والذرة بكل أنواعها إلى مستويات قياسية جديدة وتأثر المستهلكين الفقراء خاصة في افريقيا وآسيا بارتفاع الأسعار.

 

 اجتماع الإيقاد

واستشعارا لخطورة وضع الأمن الغذائي في إقليم الايقاد وبدعوة من السكرتير التنفيذي للمنظمة وريقني قبيو انعقد بالعاصمة الكينية نيروبي خلال اليومين الماضيين اجتماع وزاري عالي المستوى حول موجة الجفاف التي تلوح في الإقليم، وأكد مصدر دبلوماسي مشاركة السودان في هذا الاجتماع إلى جانب وزراء إدارة الكوارث في كل من كينيا، جيبوتي، الصومال، جنوب السودان ويوغندا، كما انضم إليه مانحون وفاعلون في التنمية الدولية حيث ناقشوا تقييم المساعدات الإنسانية وإطلاق برامج طويلة المدى تجسيرية للتمويل في الإقليم

وأشار السكرتير التنفيذي للايقاد خلال مخاطبته الاجتماع إلى تزايد شديد في أعداد المحتاجين للمساعدات الإنسانية منذ إطلاق آخر انذار حول الوضع الإنساني بالإقليم، حيث تشير آخر الاحصاءات وتقديرات الخبراء إلى أن حوالي 40.4 مليون شخص يواجهون مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، اي بزيادة تعادل 30% من المعدل الذي تم تسجيله في بداية أبريل الماضي والذي بلغ 29 مليون

وتشير تقديرات الايقاد إلى أن حوالي (10.6) ملايين سوداني يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما بلغت معدلات انعدام الأمن الغذائي حوالي (8.1) في اثيوبيا، (3.5) في كينيا (7.7) في الصومال 8.9 في جنوب السودان و(1.6)في يوغندا٠

وناشد سكرتير الايقاد التنفيذي حكومات الايقاد والشركاء والمانحين لزيادة الاستجابة الفورية لمقابلة الحاجة الملحة لمبلغ (6.3) مليارات دولار أمريكي فوريا لمقابلة موجة الجفاف بالإقليم، مشيرا إلى استراتيجية الايقاد للامن الغذائي والتي تعمل على بناء القدرات الاقليمية، بالإضافة الى تخزين الاحتياطات الغذائية في اوقات الأزمات مع تنويع المصادر واعتماد المصادر الغذائية البديلة، بما في ذلك الموارد المائية من اجل الوصول الى مستويات فعالة في التأهب لمجابهة الكوارث والمرونة في التعامل مع الأزمات واتفق المجتمعون ان الستة أشهر القادمة ستكون حرجة بشدة لإنقاذ الأرواح والحياة في الإقليم وقال المدير التنفيذي لمركز الايقاد للمناخ جوليد ارتان “ان مرحلة التعافي بعد الجفاف هي دوما من اصعب واحرج المراحل للمجتمعات حيث تأخذ ما يعادل فترة (5) أعوام لإعادة بناء حياتها بعد موسم جفاف واحد ولكم أن تتخيلوا الوضع الذي وجد فيه هؤلاء أنفسهم بعد أربعة مواسم من الفشل، مامن أحد في العالم يمكن أن يكون قادرا وجاهزا لمواجهة ذلك.”.

 حاجة إلى الدولار

وبالرغم من مشاركة السودان في هذا الاجتماع التقويمي المهم لحالة انعدام الأمن الغذائي في الإقليم والسودان خاصة الذي تشير التقارير إلى انه الأعلى من حيث عدد الذين يواجهون انعدام الأمن الغذائي (10.6 ملايين سوداني) بالرغم من ذلك كشفت تقارير صحفية عديدة عن ما يمكن وصفه بعدم الاكتراث والتقدير لحالة انعدام الأمن الغذائي تلك ، إذ نقلت (الحراك السياسي) في عدد سابق عن مصادر  متعددة معلومات حول بيع الحكومة ممثلة في البنك الزراعي للمخزون الاستراتيجي للدولة من الذرة إلى برنامج الغذاء العالمي بغرض تصديره إلى دولة جنوب السودان وبرر البنك بحسب مصادر الصحيفة اقدامه على الخطوة للحصول على الدولار لجهة ان الدولة في حاجة ماسة للعملات الصعبة لاستيراد السلع الاستراتيجية واعتبرت ذات المصادر أن هذه الخطوة وراء ارتفاع أسعار أردب الذرة لأول مرة إلى 40 الف جنيه بدلا عن 15 ألف جنيه بزيادة بلغت 150 % وقالت المصادر إن الشعب السوداني مقبل على أزمة في الغذاء.

 

 التحلي بالصبر

وفي تصريح خاص للصحيفة تم نشره في اعدادها الايام الماضية أقر وزير الزراعة والموارد الطبيعية، أبوبكر البشرى فيه بعجزهم وتسببهم في تأخير عملية شراء القمح من المنتجين، عازيا ذلك الى وجود صعوبة في توفير الأموال المطلوبة من جانب المالية، في وقت نفى فيه الوزير وجود مماطلة أو رفض من قبل نظيره وزير المالية جبريل إبراهيم لشراء القمح. وقال البشرى إن جبريل مازال ملتزماً بشراء القمح بالسعر المحدد من قبل الحكومة، وكشف عن عقد اجتماع أول الأحد الماضي بوزارة المالية ضم وزيري الزراعة والمالية ومحافظ مشروع الجزيرة، والجهات ذات الصلة، لمناقشة توفير الأموال المطلوبة للمخزون الاستراتيجي لشراء محصول القمح من المزارعين بأسرع ما يمكن. وقال البشرى إن وزير المالية أصدر توجيهات عاجلة إلى محافظ بنك السودان المركزي، حسين يحيى جنقول بشأن توفير الأموال المطلوبة للمخزون الاستراتيجي لشراء القمح من المنتجين وطالب وزير الزراعة المزارعين بالتحلي بالصبر إلى حين توفير الأموال.

ومن جانبه أبدى مدير عام مشروع الجزيرة، عمر مرزوق تخوفه من ضياع وتهريب نحو (3) ملايين جوال من القمح بالمشروع إلى دول الجوار، بسبب ما سماه مماطلة وزارة المالية في توفير الأموال المطلوبة للمخزون الاستراتيجي لشراء القمح من المنتجين لبناء احتياطي من القمح لتقليل فاتورة استيراده. و قطع مرزوق في تصريح سابق نشرته (الحراك السياسي) بعدم صدور قرار بمنع المنتجين من التصرف في إنتاج القمح في السوق الحر. وقال :”لم نمنع المزارعين من بيع محصولهم في السوق الحر”. وأضاف بأن المزارعين لديهم حق التصرف في إنتاجهم.

 

 تذمر وقلق

هذا وقد أبدى مزارعون من الجزيرة والولاية الشمالية وفقا لتقارير صحفية متطابقة تذمرهم من سياسات الدولة تجاه الزراعة خاصة زراعة القمح وما انعكس من هذه السياسات من انعدام وتأخير لمدخلات الانتاج من سماد وغيره ومشاكل الري وعدم تحديد سعر تركيزي مجزٍ ، والأسوأ مشكلة التسويق وتلكؤ البنك الزراعي عن شراء المحصول ، بل حتى رفضه استلام المحصول عينا لضمان سداد مديونيته إلى حين توفير سيولة لشراء الفائض في ظل انعدام مخزون استراتيجي معروف وندرة عالمية مشهودة بسبب الحرب في أوكرانيا ٠

مراقبون ومختصون ابدوا قلقهم الشديد من انعكاسات سياسات الدولة تلك تجاه الزراعة في ظل انعدام امن غذائي متوقع ، آملين أن تجد خطوات الحكومة التي أتت متأخرة والتي بدأت بتحركات مجلس السيادة واجتماعاته الأخيرة مع مسؤولين في قطاع الزراعة المطرية والتي كان آخرها اجتماع عضو المجلس ابو القاسم برطم و اجتماع آخر لنائب رئيس مجلس السيادة الفريق أول محمد حمدان دقلو،رئيس اللجنة الاقتصادية بمكتبه يوم أمس الأول مع وفد تجمع مزارعي القطاع المطري، حيث بحث الاجتماع المشاكل والتحديات التي تواجه القطاع٠

 

 أجسام طفيلية

وأكد نائب رئيس تجمع مزارعي القطاع المطري غريق كمبال آدم، أن الاجتماع مع نائب رئيس مجلس السيادة اتسم بالصراحة والشفافية وتم خلاله طرح كافة القضايا والمشكلات التي تواجه المزارعين بالتركيز على مصفوفة تشمل (٩) نقاط، أهمها سعر السَلم للعام الزراعي المنصرم ٢٢٠١ـ ٢٠٢٢م، حيث تم التوافق على أن يكون سعر سداد السلم لهذا الموسم خمسة عشر ألفاً وخمسمائة جنيه بنسبة تمثل ٥٢,٦٪ ،على أن يتم سداد سعر المرابحات وفق سعر السوق.

وأضاف أن الفريق أول دقلو تعهد بمعالجة قضية اعسار بعض المزارعين بطرح الأمر على منضدة مجلس السيادة، واصدار قرار بتأجيل سداد المديونيات للمزارعين المعسرين ومعالجة القضية مع فروع البنك الزراعي، واصفاً الخطوة بالقرار الشجاع والحكيم الذي من شأنه المساهمة في دفع عجلة الإنتاج وتشجيع المزارعين.

ونوه كمبال إلى أن الاجتماع توصل إلى قرار كبير قضى بمراجعة أسعار الجازولين وحسم التضارب في الأسعار ، مشيراً إلى أن الفريق أول دقلو، وعد بحسم من وصفهم بالأجسام الطفيلية التي تتعامل في سوق الوقود، ومطابقة سعر الجازولين مع السعر العالمي ليكون مجزياً للزراعة، وأشار إلى اعتماد نسبة ١٢,٥٪ لمحفظة التمويل الأصغر واضافتها للبنك الزراعي وتقديم دعم خاص للبنك، وتذليل كافة الصعاب حتى يتمكن من دخول الموسم القادم بقوة، وأشار إلى حل جميع القضايا المطروحة بما في ذلك تشكيل لجنة عليا للقيام بمهام تطوير الزراعة.

 

تقرير – أسماء السهيلي

الخرطوم: (صحيفة الحراك السياسي)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى