جعفر عباس

جعفر عباس يكتب: بأي ذنب يُقتلون؟

نشأ أبناء وبنات جيلنا معتقدين ومقتنعين بأن كبار السن يعرفون كل شيء ومن حقهم محاسبتنا على كل شيء، وجاء عصر التكنولوجيا ففضح جيل الكبار الحالي، لأنه صار يعتمد على صغار السن في فهم أمور الأجهزة والمعدات الكهربائية والالكترونية، كما ان الطفرات الكبرى في المخترعات أعفت جيل الشباب والصغار الحالي من مهام عديدة، وكانت أثقل المهام التي توكل إلينا عندما كنا صبية صغاراً، أن نصب الماء على أيدي كبار السن من الضيوف، من أباريق النحاس والتوتياء بعد فراغهم من تناول الطعام، لعدم وجود أحواض لغسل الأيدي بل لعدم وجود مياه جارية أساسا، وفي المناسبات المهمة كان الناس يستخدمون وعاء جميل التصميم لاستيعاب الماء المتسخ الممزوج بفضلات الطعام، وكان علينا حمل ذلك الوعاء وتفريغه كلما امتلأ، فكانت مهمة مقرفة لأن محتويات الوعاء لم تكن “مشرفة”، ويا ما انسكبت على ملابسنا وأجسامنا لأن الوعاء كان يتسع لنحو أربعة ليترات من الماء الملوث، وكان ما يجعل تلك المهمة ثقيلة هو أن الكبار كانوا يطرحون علينا – الواحد تلو الآخر – أسئلة عن ترتيبنا في نتائج الامتحانات، فتقول لأحدهم إن ترتيبك كان الرابع فيقول: ليه؟ الثلاث الأوائل أحسن منك؟ كان يغيظنا أن جميع من يطرحون علينا ذلك السؤال مرة بعد أخرى كانوا تقريباً أميين مع سبق الإصرار والترصد، ولم يكن من حق أي منا أن يقول لهم: وهل جاء ترتيبك الخامس أو حتى الخمسين يوماً في مدرسة؟.
ولكن وبصفة عامة فإن جيل آبائنا لم يكن يغلظ معنا في أمور الأداء الأكاديمي، بل كان هناك آباء يعتقدون أن من يأتي ترتيبه “الأربعين” أفضل من ذلك الذي يكون ترتيبه الرابع، لأنه بالعقل والمنطق فإن الأربعين أكثر من الأربعة! تداعت تلك الذكريات بعد أن قرأت عن الرجل الإيراني الذي ضرب ولده البالغ من العمر تسع سنوات حتى كسر أسنانه لأنه أحرز في امتحان ما 16 درجة من المجموع الكلي للدرجات البالغ عشرين (يعني الولد نجح بتقدير جيد جداً بل ربما ممتاز ولكن ذلك الأب الفظ الغليظ القلب الجهول كان يعتقد أن ولده يجب أن يحرز الدرجات النهائية، ربما لأنه سمع أن ربع الطلاب في مدارس الدول العربية المجاورة يحرزون الدرجات الكاملة في الإنجليزية والعربية والفيزياء والكيمياء والرسم)؛ المهم. خرجت أم الوليد البالغ من العمر عشر سنوات تستنجد بالجيران لينقذوا الولد من ضربات ابيه، وعندما عادت مصطحبة عدداً من أهل المروءة، وجدت ولدها على الأرض مضرجا بالدماء وسرعان ما أسلم الروح، بعبارة أخرى فقد “أدّب” الرجل ولده لأنه لم ينجح في الحصول على أربع درجات إضافية، فكانت النتيجة أن نقله إلى عدة درجات تحت التراب. لهذه الحكاية المأساوية جانب خفف من وقعها المحزن، فقد نالت الأم (الزوجة) الطلاق من الزوج/ الأب القاتل، لأنه وبكل بساطة سيقضي في السجن بقية سنوات عمره.
والحكاية مهداة إلى الآباء الذين لا يتذكرون أن عيالهم يتلقون العلم في المدارس إلا في مواسم الامتحانات، ثم يلجأ الواحد منهم إلى حزام بنطلونه أو حذائه لـ “تحسين” مستواهم الأكاديمي: يا كلب يا حمار يا ثور… فلان ولد فلان يجي الأول كل سنة، وأنت دايماً جاي في آخر الطابور… أظن أننا بحاجة إلى مدارس لتعليم أولياء الأمور بأن ضرب العيال عند نهاية كل فترة أو سنة دراسية لا يؤدي إلى نجاحهم، وأن بعض العيال لن يتفوقوا حتى لو خصصنا لهم مدرسين خصوصيين لكل المواد، وأن طالباً يرسب في الجغرافيا والعلوم والرياضيات قد يكون صاحب مهارات يدوية وقد يبز أقرانه لو منح فرصة تعليم مهني أو صناعي. ولا تضربوا عيالكم بسبب سوء تحصيلهم تفادياً لمصير الأب والأم الروسيين اللذين ضربا ابنهما (13سنة) بقسوة لأنه رسب في امتحان الكيمياء، فانتظر حتى ناما وأتى بمسدس وطاخ طراخ… قضى عليهما… وبالطبع فإن مستوى هذا الولد في الكيمياء لن يتحسن على الرغم من أنه متفوق في كيمياء الحقد والعقوق.

 

 

 

 

 

 

 

صحيفة الشرق

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى