تفاقم الوضع الاقتصادي.. هل تخلت الحكومة عن مسؤولياتها؟
حماية المستهلك: الحكومة غير قادرة على تحمل المسؤولية

حذر الخبراء من دخول أكثر من مليون شخص إلى أدنى من خط الفقر قريباً وفقدان معظم الشعب للقدرة الشرائية للسلع الأساسية جراء السياسات القاسية التي طبقتها وغياب الرؤية وبرنامج السلطة الحاكمة، وفي الوقت ذاته وضعوا (8) حلول للتعامل مع الأزمة الاقتصادية أبرزها إعلان حالة طوارئ اقتصادية ومنع هدر الإيرادات وترشيد المصروفات الحكومية فضلاً عن إعلان حالة تقشف قصوى في البلاد.
وأكدوا أن السلطة الحاكمة في البلاد تخلت عن مسؤولياتها تجاه المواطنين من توفير السلع الأساسية للمواطنين من الخبز والكهرباء والمحروقات والسلع الغذائية المستوردة وضبط المواصلات وغيرها، وتركت مصير المواطن لجنون السوق ومزاج التجار وفي ذات الوقت حرمتهم من الزراعة والصناعة بسبب قراراتها التي ساهمت بعدم توفير المواد المساندة ومستلزمات الإنتاج الأخرى، كما أن الوزارات المعنية بدلاً عن وضع الخطط المناسبة تقوم بقطع الكهرباء والاتصالات بحجة توفيرها لمصلحة المواطن، وكما انشغلت بجمع الأتاوات والرسوم.
ما بعد الانهيار
ويرى الخبير الاقتصادي د. مصطفى نجم البشاري أن الوضع الاقتصادي المتأزم تجاوز مرحلة الانهيار المسيطر عليه ووصل درجة ما بعد الانهيار وأن كل إجراءات وزارة المالية ستؤدي إلى تفاقم الوضع لأكثر مما هو عليه.
وقال إن الحكومة رفعت يدها تماماً عن دعم كل السلع الأساسية وتركت مصير المواطن لجنون السوق ومزاج التجار، وبتحريرها لسعر الوقود والكهرباء دخل أكثر من 85% من الشعب السوداني إلى ما هو أدنى من خط الفقر الذي يعادل دولارين في اليوم وأنه وضع خطير للغاية محذراً من دخول عدد كبير من المواطنين إلى دائرة الجوع وأن عدد الذين يواجهون الجوع خلال فترة قريبة أكثر من مليون شخص، وذلك بحسب آخر إحصاءات منظمة الأمم المتحدة في ديسمبر الماضي.
فقدان القدرة الشرائية
وفي السياق كشف البشاري في حديثه عن فقدان عدد كبير من المواطنين القدرة الشرائية لعدد من السلع الأساسية والضرورية لحياتهم مثل الألبان واللحوم والزيوت النباتية.. الخ، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي للمواطنين بالبلاد.
وأضاف أن الوضع الآن في غاية الصعوبة من جميع النواحي مشيراً إلى وجود تأثيرات وانعكاسات كبيرة وخطيرة لأزمة الحرب الروسية الأوكروانية على الوضع الاقتصادي بالبلاد خاصة فيما يتعلق بحالة الأمن الغذائي الذي حذر منه خبراء الاقتصاد الدولي خاصة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
إجراءات وتدابير
وشدد الخبير الاقتصادي على ضرورة اتخاذ إجراءات وتدابير سريعة وحاسمة وشفافة لتخفيف المعاناة عن المواطن السوداني ولضمان الحد من تأثيرات الحرب الروسية الأوكرانية، وقطع أنه في حال لم يتم ذلك أن البلاد ستصل إلى مرحلة الفوضى الأمنية في معظم المدن نتيجة للاضطرابات الاجتماعية والأوضاع المعيشية سيما وأن المدن باتت مكتظة بالأسر والأفراد الذين هجروا قراهم ومواطنهم الريفية بحثاً عن الأمان ولقمة العيش الكريم علاوة على أن المدن نفسها تعاني من ارتفاع الأسعار والبطالة، فالأمر أصبح “كالمستجير من الرمضاء بالنار” على حد قوله.
تراجع أوضاع
وطالب مصطفى وزارة المالية بالشفافية مع مواطنيها وأن تشرح لهم أين تذهب الإيرادات من الضرائب وغيرها التي أرهقت كاهلهم لجهة أن المواطن لم يرَ إنجازاً يذكر على صعيد الخدمات أو البنى التحية، بل تراجعت كافة الأوضاع إلى الوراء بدرجة كبيرة وفي الوقت ذاته حمل وزير المالية مسؤولية توفير الخدمات والاحتياجات الأساسية مروراً برسوم المدارس والجامعات والإيجارات للشرائح الضعيفة وأصحاب الدخل المحدود الذين يعيشون ضائقة اقتصادية لم يسبق لها مثيل.
وقال إن إجراءات وزير المالية القاسية سحقت المواطن وأن فوضى الجياع لن تترك الأخضر واليابس وعليه أن يتحدث إلى الشعب ويشرح لهم كيف تدار الشؤون الاقتصادية بوزارته.
حلول اقتصادية
ورهن الخبير الاقتصادي حل الأزمة الاقتصادية عبر إعلان حالة طوارئ اقتصادية للتعامل مع توفير السلع الأساسية لكل المواطنين وبأسعار مقدور عليها، ومنع هدر الإيرادات وترشيد المصروفات الحكومية فضلاً عن إعلان حالة تقشف قصوى في البلاد، ومحاربة الفساد بكل أشكاله بلا هوادة والسيطرة التامة على سوق العملات الحرة ومنع التعامل خارج القطاع المصرفي علاوة على السيطرة على إيرادات الذهب والموارد الأخرى وتفعيل قانون المستهلك للتعامل مع الأسعار والاحتكار وتفعيل كافة الإجراءات التي تعني حالة الطوارئ الاقتصادية وأضاف: بخلاف ذلك ستنهار العملة وستفقد قيمتها بصورة نهائية مع انتهاء القدرة الشرائية لغالبية الشعب، كما أن الحياة ستصبح مستحيلة وزاد: “حينها لا ينفع ولاة حين مناص”.
دولة لا يهمها المواطن
وفي الاتجاه ذاته يقول الاقتصادي والقيادي بالحزب الشيوعي كمال كرار إن البلاد في وضع شبه لا دولة حيث لا توجد حكومة بعد انقلاب 25 أكتوبر فضلاً عن أن الدولة في قبضة سماسرة حسب قوله، وأضاف: لذلك هذا المشهد طبيعي سيما وأنهم من يحكمون الآن بأمر الانقلاب وبالأمر الواقع، وأوضح كرار أن الانقلاب أضر وأفقر المواطنين، وقال أن الوضع بالنسية للطفيلية به فوائد وأرباح وتراكم رؤوس أموال لجهة أن ارتفاع الأسعار وسعر الصرف الذي تضرر منه المواطن يتحول إلى دولارات وتراكم حسابات في بنوك خارجية للأشخاص وبحسب الاقتصادي أن الدولة أصبحت لا يهما أمر المواطن.
وقال القيادي الشيوعي إن الحكومات مسؤولة عن خدمة المواطن لكن في السودان السلطة الحاكمة تمثل مصالح الطفيلية وهو برنامجها ولا يهمها المواطن ولا الموسم الزراعي ولا غيره فقط تهمها حماية مصالح الأشخاص.
التخلي عن المسؤولية
وبدورها أكدت الجمعية السودانية لحماية المستهلك تخلي الحكومة عن مسؤوليتها تجاه المواطن، وقال رئيس اللجنة الاقتصادية بالجمعية د. حسين القوني إنه لا توجد خدمة مقابل مع ارتفاع مستمر في سعرها بجانب زيادة الضرائب والرسوم زيادة في كل سلعة وخدمة في ظل غياب تام لكل شيء.
وطبقاً للقوني أن الحكومة أصبحت حكومة جبايات فقط مع استمرار ارتفاع قضايا الإجرام حتى داخل العاصمة وأردف: لا يمكن أن تكون سياسة بلد تتطلع لأن تكون في مقدمة الدول الأفريقية، ودعا الأحزاب والحكومة لإعادة النظر في سياستهم تجاه المواطن لجهة أنه لا يوجد أحد في الحكومة قادراً على تحمل المسؤولية “وجارين وراء الحكم ولا يعلمون أنهم يندمون عليه في الآخرة”.
وطالب المسؤولين بأن يكونوا أكثر مسؤولية تجاه المواطن بالإضافة إلى القيام بأدوارهم بأكمل وجه من أجل استقرار الأوضاع وتقدم الحياة للأمام وزاد: الآن الوضع ليس متوقفاً، بل راجع إلى الوراء وفق تعبيره.
غياب برامج
وفي السياق ذاته أرجع المحلل الاقتصادي أحمد خليل تخلي الحكومة عن مسؤوليتها تجاه المواطن إلى غياب الحكومة ووجود خلل في الهيكل الدستوري الذي لا يوجد به وزراء ورئيس وزراء، كما أن الشارع لا يعرف وزير صحة ولا تعليم، وقال: هذا يدل على أن الحكومة ليس لها برنامج وأنها دون حاضنة سياسية وليس لها أفق سياسي أو اقتصادي تريد أن تطبقه على أرض الواقع، بل إنها تعمل “رزق اليوم باليوم”
وأوضح خليل في حديثه أن غياب الرؤى والبحث عن إيرادات حال دون قدرة الحكومة على حل الأزمات وتوفير الخدمات الأمر الذي جعلها تتجه إلى فرض جبايات ورسوم على المواطن دون مقابل، لجهة أن الحكومة التي لها حاضنة سياسية تمتلك برنامج وسياسات واضحة ومحددة سياسية اقتصادية اجتماعية.
وأشار إلى أن السلطة الحاكمة تريد تحقيق وتطبيق جزء من برنامج الفترة الانتقالية وبرنامج حمدوك خصوصاً البرنامج الاقتصادي المختل، مبيناً أنه البرنامج الاقتصادي الشامل لتوفير الخدمات للبنك الدولي وأن السودان نفذ جزءاً من التزاماته فيما يتعلق بتحرير سعر الصرف والوقود والكهرباء دون أن تواجهه سياسة حماية التي التزم بتنفذها المجتمع الدولي الذي أوقف المعونات والبرامج الاستثمارية وإعفاء الديون التي تمت بمؤتمر باريس وكل هذا تراجع نتيجة للانقلاب.
وطبقاً للمحلل الاقتصادي أن السلطة الحاكمة في البلاد “لا هوية لها ولا طعم لها ولا رائحة” وفق حديثه وليس لها أي برنامج تريد تحقيقه، واعتبر ذلك من المشاكل والأزمات التي تواجه المجتمع السوداني.
تقرير – محجوب عيسى
الخرطوم: (صحيفة اليوم التالي)