آراء

لماذا يروج البعض لإنجاز لم يحدث أبدًا ويسهل إثبات أنه لم يحدث؟

أوهام ترفض ان تموت:
“لا تخف شيئًا عن جماهير شعبنا. لا تكذب. أفضح الأكاذيب كلما قيلت. لا تخفِ أي صعوبات أو أخطاء أو إخفاقات. لا تدعي انتصارات سهلة”. – أميلكار كابرال

أحد أكثر الأكاذيب إثارة للشفقة التي ترفض الخروج من الفضاء العام بغض النظر عن عدد مرات دحضها، هو الادعاء المتكرر بلا نهاية بأن الحكومة الانتقالية نجحت في تحقيق استقرار سعر الصرف، على الأقل لمدة ثمانية أشهر. المشكلة الوحيدة في هذا الادعاء هي أنه لم يحدث أبدًا.

استقرار سعر الصرف من عدمه ليست مسألة رأي أو تحليل، اذ إنها مجرد سؤال حقيقة مقابل خيال. وسؤال هل حدث هذا الاستقرار أم لا يمكن الإجابة عليه بسهولة عن طريق الفحص والتحقق من تطور سعر الصرف في الشهور المعنية، وهو أمر يمكن لأي شخص أكمل خلوة روضة الأطفال القيام به.

إليكم ما تقوله الأرقام: في أغسطس 2019 كان سعر صرف الدولار في السوق السوداء يقارب 70 جنيهاً. في أوائل عام 2021، كان سعر الصرف الرسمي 55 جنيهاً وسعر السوق السوداء نحو 375 جنيهاً. في فبراير 2021 قررت الحكومة “توحيد” سعر الصرف عند 375 جنيهاً للدولار. بحلول أكتوبر 2021، في ثمانية أشهر، انخفضت قيمة الجنيه إلى نحو 450 جنيها للدولار. فأين هذا الاستقرار لذي يحتفل به هؤلاء؟ وغني عن القول إن هبوط سعر الصرف من 70 جنيهاً إلى 375 جنيهاً أو هبوطه من 375 إلى 450 جنيهاً لم يحدث بين عشية وضحاها أو في طلقة واحدة، اذ كانت الرحلة عبارة عن انزلاق متدرج.

أضف إلى ذلك حقيقة أن صندوق النقد الدولي خلص في يونيو 2021 إلى أن معدلات التضخم المرتفعة التي استمرت بعد فبراير 2021 تعني أن المزيد من تخفيض قيمة العملة أمر لا مفر منه (نتيجة للضغوط التضخمية التي نشأت قبل أكتوبر 2021).

فلماذا يروج البعض لإنجاز لم يحدث أبدًا ويسهل إثبات أنه لم يحدث؟ الجواب البسيط هو أنه لا توجد إنجازات حقيقية، لذا فإن المسار الوحيد المتبقي للأشخاص غير القادرين على مواجهة الحقيقة هو اختلاق قصص وردية حدثت في خيالهم فقط. وربما يعكس الوهم أيضا غموض علم الاقتصاد الذي أتاح التضليل غير المسبوق باسمه في أيام الحكم الانتقالي.
إنه لأمر محزن أن نضطر إلى تكرار هذه النقطة لأن المعسكر الآخر لا يكف عن اجترار أسطورة استقرار سعر الصرف ونحن نعتقد أن بناء اقتصاد سليم، معافي يحتاج إلى فهم الحقائق وقبولها ومواجهتها بدلاً من الهروب إلى عالم أوهام طفولية. كما ان ادعاء إنجازات خيالية يجرف الجمعي ويبتذل الحوار العام ويتيح لكل دجال يعتلي السلطة تأليف ما يحلو له من إنجازات زلوطية.

ثم ان الأكاذيب الكبيرة في الفضاء العام تولد منها أمراض فكرية مثل أكوام القمامة في الشارع التي تنشر التيفويد والأمراض الأخرى. علاوة على ذلك، فإن دحض إنجازات لم تحدث هو في نفس الوقت مطالبة بتحقيق إنجازات حقيقية ليس فقط في المجال الاقتصادي، ولكن في كل اركان بناء الدولة.

د. معتصم أقرع

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى