تحقيقات وتقارير

حماية مسار التطبيع وراء الوساطة الإسرائيلية لحل الأزمة السودانية

تل أبيب تضغط على البرهان لتقديم تنازلات تؤمّن الشراكة مع المدنيين

لقاء إيلي كوهين وياسين إبراهيم: خطوة باتجاه التطبيع
لا يخلو دخول إسرائيل على خط الوساطة لحل الأزمة السودانية من حسابات سياسية تضع حماية مسار التطبيع مع الخرطوم على رأس أولوياتها. ويساور القلق المسؤولين الإسرائيليين بشأن انحسار فرص التطبيع، بعد انقلاب الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
ذكرت مصادر سودانية أن دخول إسرائيل على خط الوساطة في الأزمة السودانية لا يخلو من حسابات أمنية واستراتيجية للدولة العبرية، الساعية إلى تطبيع علاقتها مع الخرطوم المترددة، والتي يتهددها إقصاء المكون العسكري من إدارة المرحلة الانتقالية وتسليم السلطة للمدنيين بشكل كامل.
وقالت ذات المصادر إن تل أبيب، بالتنسيق مع واشنطن، دخلت في مفاوضات ثنائية مع المكون العسكري، الذي لا يرفض تطبيع العلاقات معها على عكس المدنيين الرافضين لذلك.
وأشارت المصادر إلى أن تل أبيب ستحاول الضغط على قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان لتقديم تنازلات أكبر للمكون المدني، تضمن استمرار الشراكة معه وبالتالي الإبقاء على حظوظ التطبيع قائمة.
ولم يعد سراً أن تزور الوفود الإسرائيلية الخرطوم، أو أن تتلقى تل أبيب دعوات من واشنطن للطلب من المكون العسكري السوداني العودة إلى المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية.

الطاهر ساتي: إسرائيل تناقش الأزمة بما يحقق مصالحها من التطبيع
والأربعاء قالت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية)، في نبأ مقتضب، إن وفدا إسرائيليا وصل العاصمة السودانية، فيما لاذت الخرطوم بالصمت، بينما لم تذكر هيئة البث المزيد من التفاصيل حول زيارة الوفد الإسرائيلي.
وتأتي الزيارة في ظل أزمة سياسية حادة يعيشها السودان، منذ أن أعلن الجيش في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وإعفاء الولاة، عقب اعتقال قيادات حزبية ووزراء ومسؤولين، مقابل احتجاجات مستمرة ترفض هذه الإجراءات باعتبارها “انقلابا عسكريا”.
واستبطن هذا الصمت من كلا الجانبين، حول تفاصيل الزيارة، عدة أوجه حول الدور الإسرائيلي في دعم المكون العسكري، الذي ابتدء معه عملية التطبيع بعد أن أقدم البرهان، في خطوة مفاجئة، على لقاء رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو في الثالث من فبراير 2020، في أوغندا.
ومنذ استقلال السودان في 1956، لم تنشأ أي علاقات ثنائية بين تل أبيب والخرطوم، بل شاركت الأخيرة في الحروب التي شهدتها المنطقة العربية ضد إسرائيل، وأرسلت جنودا للقتال في حربي 1967 و1973، كما شارك متطوعون سودانيون في حرب 1948.

وأثار الإعلام الإسرائيلي عاصفة من التساؤلات حول تأثير سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في السودان، في ظل قلق دولي على تطورات الأوضاع. وفي اليوم التالي من إجراءات الجيش السوداني في السادس والعشرين من أكتوبر الماضي، قالت هيئة البث “في إسرائيل، جرت عدة مشاورات بشأن الانقلاب”.
وأضافت “بحسب مصادر معنية بالموضوع، من المرجح أن تؤدي التحركات الأخيرة إلى تأخير انضمام السودان الرسمي إلى اتفاقات أبراهام (اتفاقيات التطبيع)”.
وتساءلت صحيفة جروزاليم بوست العبرية “هل يضر انقلاب السودان بالعلاقات الإسرائيلية؟”. وتعكس الرغبة الأميركية في حل الأزمة السودانية ضرورة العودة إلى المسار المدني خلال المرحلة الانتقالية وصولا إلى الانتخابات.
وفي السابع عشر من نوفمبر الماضي، أفاد إعلام عبري بأن ممثلة واشنطن لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد طلبت من وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس، “التدخل” في أزمة السودان، والعودة إلى “المرحلة الانتقالية بقيادة مدنية”.
وتمحور الطلب الأميركي حول ضرورة ضغط إسرائيل “لتشكيل حكومة في السودان، وإنهاء الانقلاب العسكري”. وفي الثالث والعشرين من نوفمبر الماضي، اتهمت وزيرة الخارجية السودانية السابقة مريم المهدي إسرائيل بـ”دعم” ما وصفته بـ”الانقلاب العسكري” الأخير في بلادها.

ويرى المحلل السياسي الطاهر ساتي أن زيارة الوفد الإسرائيلي إلى الخرطوم جاءت “لعرض وساطة تل أبيب في حل الأزمة السودانية”.
تل أبيب، بالتنسيق مع واشنطن، دخلت في مفاوضات ثنائية مع المكون العسكري
وقال ساتي “تختلف مهام هذا الوفد الإسرائيلي الذي زار الخرطوم بأن مهامه سياسية أكثر منها أمنية، وجاء للتوسط لحل الأزمة السياسية”. وأشار إلى أن الوفد الإسرائيلي ناقش مع واشنطن سبل حل الأزمة، بما يحقق مصالحه من التطبيع مع السودان.
وأضاف ساتي، المقرب من دوائر صنع القرار بالخرطوم، “الوفد الأميركي التقى بالأحزاب السياسية في السودان، ومنظمات المجتمع المدني، وطبعا لديه تواصل مع تل أبيب حول الأزمة”.
ووقّع البرهان ورئيس الوزراء المستقيل عبدالله حمدوك في الحادي والعشرين من نوفمبر الماضي، اتفاقا سياسيا تضمّن عودة الأخير إلى رئاسة الحكومة الانتقالية، وتشكيل حكومة كفاءات، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين.
لكن في الثاني من يناير الجاري، استقال حمدوك من منصبه، في ظل احتجاجات رافضة لاتفاقه مع البرهان، ومطالبة بحكم مدني كامل، وسط سقوط قتلى وجرحى.

وبحسب موقع “واللا” العبري، سعى البيت الأبيض في الأسابيع الأخيرة من عمر إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، لتنظيم حفل توقيع رسمي على التطبيع بمشاركة نتنياهو والبرهان.
وكان أحد الخيارات، آنذاك، إقامة حفل التوقيع، لكن الإغلاق في إسرائيل الذي تفرضه الحكومة للحد من تفشي وباء كورونا والتوترات الأمنية بين السودان وإثيوبيا، أزالا الفكرة من جدول الأعمال.
الإعلام الإسرائيلي أثار عاصفة من التساؤلات حول تأثير سيطرة الجيش على مقاليد الأمور في السودان، في ظل قلق دولي على تطورات الأوضاع.
وفي الخامس والعشرين من يناير 2021، أجرى وزير المخابرات الإسرائيلي إيلي كوهين زيارة أولى من نوعها إلى السودان، التقى حينها بالبرهان ووزير الدفاع السوداني السابق ياسين إبراهيم ومسؤولين آخرين، وناقش معهم عددا من القضايا السياسية والأمنية والاقتصادية، بحسب هيئة البث الإسرائيلية.
وأشارت هيئة البث إلى أن مسؤولين إسرائيليين في هيئات مختلفة رافقوا كوهين في الزيارة، اجتمعوا مع نظرائهم في الخرطوم. وأوضحت أن من بين المواضيع التي طُرحت للبحث “إمكانية ضم إسرائيل إلى مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن”.
وفي الثالث والعشرين من أكتوبر 2020 أعلن السودان تطبيع علاقته مع إسرائيل، لكن قوى سياسية وطنية عدة أعلنت رفضها التام للتطبيع، من بينها أحزاب مشاركة في الائتلاف الحاكم سابقا. وفي التاسع عشر من أبريل 2021، صادق مجلسا السيادة والوزراء بالسودان بشكل نهائي على مشروع يلغي قانون مقاطعة إسرائيل القائم منذ عام 1958.

 

(صحيفة العرب اللندنية)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى