جعفر عباس

جعفر عباس يكتب: الأمومة والأبوة حكم بالمؤبد

نحن الآباء والأمهات في الدول العربية والإسلامية “أبطال”، ولعل المجال الذي نتفوق فيه على سائر شعوب الأرض، هو مجال الرعاية الأسرية، فمهما شكونا من أن عيالنا صاروا فالتين و”صايعين” وضائعين، فإن معظمهم يظلون بررة وينصلح حالهم بعد كذا كبوة وعثرة، ومن جانبنا كأولياء أمور فإننا في غالبيتنا نظل نهتم بأمورهم حتى بعد أن يدخلوا الحياة العملية ويتزوجوا ويصبحوا أمهات وآباء. يعني الأمومة والأبوة عندنا ليست “تاريخ صلاحية”، بينما وفي جميع الدول الغربية يعتبر الشخص – ذكراً كان أم أنثى – الذي يعيش تحت سقف واحد مع والديه بعد تجاوز الـ 18 أو العشرين، يعتبر عبيطاً وناقصاً وضعيف الشخصية.. بل إن البريطاني – مثلا – لا يتردد في القول لولده أو بنته: تايم تو موف آوت.. حان موعد رحيلك.. حِل عن سمانا، أما نحن فبعضنا يشترط على من يتقدم للزواج من بنته (خاصة إذا كانت وحيدة) أن يكون السكن والإقامة “معنا في البيت”، ليس هذا بالضرورة أمراً سيئاً أو دليلاً على أن أهل البنت يريدون أن يلبسوا زوجها خاتماً في “إصبعهم”، بل لأنه للعواطف الصادقة أحكام.
نعم من الخير لحديثي الزواج الاستقلال بالمسكن حتى يعتادوا على تحمل مسؤولية إدارة البيت بما في ذلك أمورهم المالية ورعاية العيال، ولكن هناك ظروفا كثيرة يكون فيها عيش الزوجين في بيت أسرة أحدهما أمراً ضرورياً وإيجابياً (أحس بأن إقامة الزوج في بيت أهل زوجته تنجم عنه مشاكل أقل مما لو حدث العكس، لأن أهل الزوج عادة مفترون لأن الشخص الغريب الذي دخل عليهم “امرأة”، في حين أن الزوج المقيم لدى أهل زوجته يحظى بالتقدير لكونه “رجلا”.. والزوج في أعرافنا مهما كان “رجل” وعنده هيبة وأبهة ومكانة حتى لو كان من النوع الرِّخِم).
وهناك آباء وأمهات يمارسون / يمارسن تلك المهمة بأساليب غير حميدة، ولو بذريعة الحب و”الحرص على المصلحة”، وتحضرني هنا حكاية شاب مصري تزوج عن حب، وعاش مع زوجته لبضع سنوات في هناء. وفجأة تحولت الزوجة إلى كائن شرس وبغيض ومشاكس وكثير النق والطن والزن، فشك الرجل في أنها صارت تنفر منه لأنها على علاقة برجل آخر، وهكذا وفي غيابها قام بتركيب جهاز تسجيل صغير فائق الدقة في تليفون البيت، وبعدها بأيام سحب الجهاز واستمع إلى المكالمات المسجلة الصادرة والواردة من التليفون. وانتهى به الأمر في مخفر الشرطة ثم أمام القضاء، وقص الرجل على القاضي الحكاية بكل أمانة، وكيف أنه اكتشف من تسجيل مكالمات زوجته الهاتفية أن أمها هي التي ظلت تحرضها على التنكيد عليه وتجاهله وشتمه، فكان أن انفعل وتوجه إلى بيت حماته وأشبعها ضرباً، واختتم اعترافاته للقاضي بعبارة أنقلها عنه بأمانة: “حماتي دي قنبلة ذرية بتطلع إشعاعات مدمرة.. هي دي أسلحة الدمار الشامل اللي بيقولو عليها”. ولا شك عندي في أن تلك الحماة لم تكن تريد تطليق بنتها من زوجها، بل تشجيعها على أن “تلبسه شبشبا في رجلها” فهناك من الأمهات من تحرض بنتها على عدم “المسكنة” مع الزوج، من منطلق مفهوم عجيب، بأن الرجل لا يحترم المرأة المسكينة الهادئة المؤدبة!! وهناك آباء وأمهات من النوع الذي يسميه الطب النفسي كونترول فريك (مهووس بحب السيطرة على الآخرين)، ويحشرون أنوفهم بانتظام في شؤون عيالهم المتزوجين، بل ويقومون بتحريض طرف ضد آخر.
ولكن غالبية الآباء والأمهات في البلدان العربية لا يقطعون الصلة بعيالهم مهما كبروا، رغم أن الأبوة والأمومة أمر مرهق. فالأعصاب تظل مشدودة مهما طالت قاماتهم وأعمارهم: اللهم اجعله خير، الولد تأخر.. البنت ما اتصلت اليوم تليفونيا غير ثلاث مرات، عسى ما شر.. يا خوفي يكون زوجها عكننها ونكّد عيشتها. ولكن الإرهاق الحقيقي يكون في الأمور المادية، ويكبر العيال فتترحم على أيام البامبرز والسريلاك والبطاطس المهروس. وشخصيا لم أعرف الضائقة المالية إلا بعد أن كبر عيالي، ولي نصيحة أقدمها لحديثي العهد بالزواج: بمجرد إنجاب الطفل الأول ابدأ في وضع ميزانية لتعليمه، والتزم بتخصيص مبلغ شهري من الراتب لتلك الغاية.. وإياك أن “تستلف” من تلك الميزانية، لأنه ومهما ادخرت من مال لتعليم العيال ستكتشف يوما ما أنه لا يكفي لأكثر من سنتين دراسيتين. وبعدين لا تخدع نفسك بالقول بأن توفير كلفة تعليم الطفل الأكبر هو الأهم، لأنه سيكبر ويشتغل، ثم يساعدك على تعليم وتربية بقية إخوته.. قد يحدث ذلك.. وقد يحدث أن يأتيك هذا الولد الأكبر لتقدم له “منحة زواج”

 

 

 

 

صحيفة الشرق

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى