أحمد يوسف التاي

أحمد يوسف التاي يكتب: ونحنُ أيضاً لصوص

(1)
قبل بضعة أعوام كنتُ أمرُّ بكثير من شوارع العاصمة فأجد
أعمدة الإنارة الحديدية منصوبة على طول تلك الطرقات، بل أن بعضها مُزيَّن بالأنوار الخاصة بالزينة، وفي عام 2013م كانت الدولة تنفق مليار جنيه شهرياً لإنارة (18) ألف عمود كهرباء حديدي منتشرة في الشوارع الرئيسة وبعض الفرعية… لكن للأسف إختفى كثير من هذه الأعمدة وتم بيعها في أسواق الخردة…
(2)
الآن معظم هذه الأعمدة الحديدية إختفت من كثير من الشوارع والطرقات ، وبيعت خُرد سرقها مواطنون سودانيون، وبعضها تم إقتلاعه لـ “تتريس” الشوارع فسهل أمر سرقتها…ليس الأعمدة وحدها أي موارد عامة وأية ممتلكات تابعة للدولة بدءً بالسكة حديد والفلنكات والأبواب والنوافذ التابعة لبعض المرافق الحكومية تجد الآن هذا المصير المؤلم المحزن حد الوجع.. هذا السلوك بات لافتاً للأنظار حتى لكأنني أخال أن يوماً سيأتي ولانجد مرافق عامة ولا ممتلكات للدولة، ولهذه الفوضى يعمل “العاملون” بينما قوانين الدولة التي تردع موضوعة في الرفوف، والعيون التي تراقب في سُبات عميق…
(3)
ثمة حقيقة مؤلمة للغاية ومحزنة حد الإحباط وهي أننا كأمة سودانية ينخر الفساد أعوادنا، والوطن عندنا مجرد حرم مستباح الحمى، أمواله العامة، موارده القومية ،ممتلكاته العامة ليس لها وجيع… ونحنُ كشعب نتحدث فقط عن فساد الحكومة وننسى أننا أيضاً لصوص نسرق ممتلكاتنا العامة وندمر مرافقنا ونبيعها “خردة” بأبخس الأثمان فأية وطنية هذه وأي شعور بالإنتماء لهذا الوطن ونسعى في الأرض فساداً بالخراب والدمار ونهلك الحرث والنسل …
(4)
بئس الأمة التي لاتتناهى عن المنكر ، ولايقوم أفرادها بدور الحسبة و الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وهم يرون الجار و الصديق والأقارب وعامة الناس يسرقون الممتلكات العامة، ويتلفون مرافق الدولة وحسبهم عبارة : (وأنا مالي)، أية أمة على هذه الشاكلة ليست جديرة ببناء وطن ، وليست خليقةً بإنجاز أية نهضة تنموية ولا إنجاز أي مشروع سياسي أو إقتصادي… ولن يغيِّر الله مابقومٍ حتى يغيِّروا ما بأنفسهم…ترجو النجاة ولم تسلك مسالكها إن السفينة لاتجري على اليبِسِ..
(5)
قبل أسابيع كتبتُ في هذه الزاوية عن سرقة وبيع 1400 كيلومتر من السكة الحديد و400 جرار وآليات زراعية وعدد 15 سيارة و13 محلجاً، وورشتين بمشروع الجزيرة، بالإضافة إلى تدمير الكباري وقنوات الري و213 مبنى تابعاً للمشروع وسرقة أبوابها ونوافذها وحتى الطوب الذي شُيدت به.. وكل ذلك فعله مواطنون سودانيون وليس أجانب…
(6)
ذكرتُ يومها أن منبع حزني العميق أن من سرق السكة الحديد بكل تفاصيلها من قضيب وفلنكات هم سودانيون لا ينقصهم “طول” اللسان، ولا التظاهر بحب بلادهم ولا تنقصهم مزاعم الإنتماء الصارخ للوطن حزنتُ لكل هذا الخزي والعار، ولكني حزنتُ أكثر لما تذكرتُ أن هذه السكة الحديد التي سرقها السودانيون وباعوها قطعة قطعة بناها “المستعمر” الإنجليزي… والمفارقة المؤلمة أن المستعمر كان يبني وطننا قبل مائة عام ونأتي نحنُ السودانيون اليوم نهدم وطننا بهذه الطريقة الفضيحة الخسيسة الموجعة…وحزنتُ جداً لأن من كانوا مسؤولين عن حماية ورعاية وحراسة ومراقبة أصول المشروع هم أيضاً سودانيون فلم يقوموا بواجبهم ولم يؤدوا أماناتهم ومسؤولياتهم في الحماية والحراسة والمراقبة ولا حتى محاسبة اللصوص، فهل نعتبرهم إلا شركاء أيضاً في الجرم والنذالة والخسة… وحزنتُ جداً لأن من دمر 213 سرايا (سكن الموظفين) وسرق أبوابها ونوافذها وطوبها ،هم أيضاً سودانيون، ولكني حزنتُ أكثر عندما تذكرتُ أن هذه السرايا بناها “المستعمر الإنجليزي” قبل مائة عام ويأتي السودانيون الآن لتدميرها وتحطيمها بغرض سرقة أبوابها ونوافذها وطوبها،
……اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى