تحقيقات وتقارير

المساح الدولي.. مُعاناة المستوردين تتجدد

جأر مُستورد سلع من إمارة “دبي” بالشكوى حتى بح صوته؛ يقول : تفرض شركات المساح الدولي مبلغ (500) درهم للصنف الواحد؛ هذه المبالغ تفوق امكانياتنا المادية وقد عجزنا عن تسديدها.
تُطالب هيئة المواصفات والمقاييس التابعة لرئاسة الوزراء المستوردين بشهادة المساح الدولي أو ما يُعرف بالفحص المسبق للسلع لضمان جودتها ومنعاً لدخول البلاد أي سلع رديئة تتسبَّب لاحقاً بأي أضرار للمستورد والدولة معاً.

إلاّ أن المُعضلة تكمن فِي أن الرسوم التي يفرضها وكلاء شركات المساح الدولي المعتمدين لدى هيئة المواصفات والمقاييس السُّودانية باهظة وفقاً لما أدلى به بعض المستوردين .
احتجاج المستوردين لم يتوقف حد المبالغ التي أثقلت كاهلهم فهناك أيضاً ملاحظات حول عمل هذه الشركات،فهي كما قالوا لا تؤدي عملها على أكمل وجه. يقول مستورد ـ فضل حجب إسمه ـ : تبعثُ الشركة مندوب لفحص البضائع ومن ثمة تحديد إذا ماكانت جيدة ومطابقة للمواصفات أم لا وبناءً على ذلك تُمنح الشهادة والتي تُعد بمثابة إذن عبور يسمح للسلع المستوردة دخول السُودان. بيد أن ذلك لا يحدث وفقاً لمحدثنا فالمندوب المعني لا يُكلف نفسه بأخذ عينة للفحص ويتمحور جل اهتمامه في المطالبة بالأوراق والمستندات الخاصة بالمستورد ومن ثمة المبلغ المحدد لينصرف ويأتي صبيحة اليوم التالي وبمعيته شهادة المساح الدولي.

 

ضوابط صارمة
يدحض مدير إدارة المواصفات القياسية مهندس عبدالمنعم عبدالقادر مصطفى من على منضدة مكتبه بالهيئة ما ذكِر مسبقاً، ويُؤكد في حديثه  أن شركات المساح الدولي المعتمدة لدى السُّودان تعمل وفقاً لضوابط وشروط صارمة. ويضيف : سابقاً كانت لدينا (6) شركات مساح دولي؛ وتمت إضافة (4) أُخريات خلال السنتين الماضيتين ليُصبح مجموعها (10) . يجب أنّ أذكر معلومة مهمة للغاية ؛وهي أن هناك قائمة محددة للبضائع التي نُطالب مستوردها بشهادة فحص مسبق ،هذه القائم مقسمة لمجموعات أولها المجموعة (أ) وتضم ما يُعرف بالسلع الاستراتيجية وهُنا يُصبح استخراج شهادة المساح الدولي أمر إلزامي لا مناص منه . تحتوى القائمة (أ) على (9) سلع وهي ” القمح ، الدقيق ، السماد ، المبيدات ، الحديد ، السمن النباتي ،السكر ،الأسفلت والأسمنت”.

 

قد يقفز سؤال لماذا هذه السلع تحديداً بالرغم من أن الاف الأصناف تدخل السُّودان يومياً ، يقول مهندس عبدالمنعم  : دخول باخرة قمح غير مطابقة للمواصفات إلى السُّودان من شأنه تكليف الدولة والمستورد خسائر مالية ضخمة ، هذا الفحص المسبق ليس سوى نظام عالمي لتخفيف الخسائر على الجانبين. هذا أيضاً ينطبق على مستوردي الأسمدة والمبيدات بالرغم من أن الخطورة هنا أكبر بكثير نظراً إلى أن التخلص من هذه السموم الفاسدة يحتاج لمتخصصين واتفاقية دولية السودان ليس جزء منها وهذه مبررات كافية للتشدد في عدم دخول أي شُحنات من هذه السلع غير مطابقة للجودة .

 

عقوبات وشروط
حسناً؛ مخلص جمركي بميناء سواكن يكشف لـ(الجريدة) تكدَّس البضائع في الميناء لأكثر من (6) أسابيع نتيجة لعجز المستوردين تسديد مبالغ شهادة “المساح الدولي ” الباهظة والتي تُطالب بها إدارة الجودة بهئية المواصفات والمقاييس، مقرونة برسوم أخرى تفرض في الداخل. وقال إن المستوردين عجزوا عن تسديد مبلغ (500) درهم في الصنف الواحد ما قاد إلى تكدس البضائع لفترة طويلة واصفاً ما يحدث بالمأكلة المقننة وتابع : ” تم فرض مبلغ 4 مليار على مستورد لديه (250) كرتونة بطارية شحن وعقب احتجاجه لدى رئاسة هيئة المواصفات والمقاييس فرع بورتسودان قٌلص المبلغ الضخم إلى 54 ألف فقط “. وأشار إلى حدوث تجاوزات مالية وشُبهات فساد في شركة المساح الدولي بدبي والتي تم تأسيسها من قبل نافذين بهيئة المواصفات والمقاييس التابعة لرئاسة مجلس الوزراء لافتاً إلى أن مؤسسي الشركة تمت إقالتهم من مناصبهم .

 

يري مهندس عبدالله المنعم إن تلك الإتهامات غير منطقية؛ ويتساءل كيف وصلت تلك البضاعة المكدسة لميناء سواكن دُون شهادة فحص مسبق؟،ويمضي في حديثه  بقوله : أيّ سلع في القائمة (أ) لن تدخل السُّودان دون شهادة مساح دولي معتمدة لدى المواصفات والمقاييس مُضيفاً وبنفس الحرص والتشدد تفرض الهيئة عقوبات صارمة على شركات المساح الدولي تصل حد سحب الترخيص وإيقاف الشركة عن العمل إذا ثبت أي تجاوزات ضدها، وشدد على وجود شروط لتسجيل واعتماد تلك الشركات لدى الهيئة، يأتي في مقدمتها الحصول على شهادة تسجيل من المسجل التجاري في السودان وتوكيل من الشركة الأم في الخارج على أن تكون هذه الشركة محايدة وغير منخرطة في أي أعمال تجارية ويجب إبراز مستندات تؤكد ذلك، كما تطالب الشركة الوكيل بتأمين سرية المعاملات التجارية وعدم إفشاء أسرار المستوردين ويجب عليها الإلمام بضوابط وشروط المنظمة لعمل المساحين الدوليين عالمياً وهناك أيضاً ضرورة حصولها على عضوية كاملة في مجلس التفتيش والاختيار ومنح الشهادات العالمي.

لم نفرض أي رسوم
المبالغ الباهظة التي تفرضها شركات المساح الدولي والبالغة (500) درهم للصنف الواحد وفقاً لما أكده مستورد  لا تدخل خزينة هيئة المواصفات والمقاييس ولا يمكن للهيئة التدخل أو مطالبة الشركات بتخفيضها هكذا يقول مهندس عبدالمنعم  : ويمضي مسترسلاً : هذه الرسوم تفرضها الشركات ونحن لا دخل لنا بها،الإجراء الوحيد الذي قمنا به هو مخاطبة وزارة المالية باستلام رسوم تجديد الترخيص لهذه الشركات بالدولار نظراً إلى أنها تأخذ من عملائها رسوم بالدولار. ويزيد : ما يؤخذ على المستورد السُّوداني عدم إلمامه بأُسس التجارة العالمية ،هناك دول عديدة تُطالب صاحب السلعة بالتكفل برسوم الفحص المسبق وليس المستورد،كما أن أغلب العقود تُلزم صاحب السلعة الرئيسي والذي يشتري منه المستورد البضاعة بإستخراج شهادة المساح الدولي.

سياسة القطع الناشف
يقول مستورد سلع بإستنكار  إنه إبان الفترة الماضية لم يكن هُناك تشدد فيما يعرف بشهادة الفحص المسبق وإنما رسوم معقولة تُدفع في ميناء سواكن متسائلاً عن أسباب تفعيل القرار مرة أخرى مطلع (1/ مارس) المنصرم. ويُجيب الناطق الرسمي باسم وزارة المالية والتخطيط الاقتصادي غازي حسين بأنّ الدولة بسبب الأزمة الاقتصادية التي تُعاني منها بحاجة ماسة لأي “تعريفة” تدخل عبر مؤسساتها الايرادية. وشدَّد على أن الوضع الراهن يتطلب التعامل بسياسة ” القطع الناشف” تجاه من يُحاولون التملص مِن تسديد المبالغ المالية المفروضة عليهم. وعلل اتجاه وزارة المالية إلغاء كافة الاعفاءات أو التخفيضات الممنوحة للمستوردين سابقاً بقوله : الدولة محتاجة لأي تعريفة في المؤسسات الايرادية وعلى المستورد أن” يكرب قاشه” ويدفع . وأوضح إن وزارة المالية وبالتنسيق مع إدارات هيئة الموانئ تُحدد رسوماً معينة تُفرض على البضائع الواردة إلى السُّودان، ولكنها غير معنية بتخفيض تلك الرسوم أو إلغائها.

 

استثناءات
ذكرنا في بداية هذا التحقيق أنّ هيئة المواصفات والمقاييس قامت بتقسيم البضائع إلى ثلاث قوائم تتدرج حسب أهمية خضوعها للفحص المسبق،اضافة للقائمة (1) الواردة آنفاً، هٌناك القائمة (ب) وهي كما أكد مهندس عبدالمنعم  تضم سلع مهمة عاني السُّودان كثيراً من عدم جودتها سابقاً وتأتي الأدوات الكهربائية والإلكيترونية في مقدمتها،ويُشير هُنا إلى أن المستورد يمكنه استخراج شهادة ” منظمة الكهروتقنية للاجهزة الكهربائية والالكترونيات “،عوضاً عن شهادة المساح الدولي وهي بالطبع معتمدة لدى هيئة المواصفات. يستنكر المستوردين في المقابل استثناء “اسبيرات السيارات والملابس” من كافة قوائم المساح الدولي بهيئة المواصفات والمقاييس وتدور اسئلة كثيرة حول مبررات هذا الإستثناء، إلاّ أن مدير إدارة المواصفات القياسية بالهيئة العامة يرى أن السلعتين لا يسببان خطورة وجودتها أمر متروك لـ( جيب) المشتري ومقدرته المالية فإسبيرات السيارات الجيدة موجودة لدى وكلاء معروفين بالأسواق والمشتري وحده من يقرر أيهما يريد ؟.

سلمى عبدالعزيز

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى