صلاح الدين عووضة

صلاح الدين عووضة يكتب:للذكـــرى!!

كتبها بخط عريض..
كتب الكلمة التي اخترناها عنواناً ليومنا هذا بخط أعرض من عُرض كتفيه العريضين..
فهو لم يُؤت سعةً من أي شيء سوى بسطة الجسم..
كان من هواة المقاعد الخلفية… والدرجات الخلفية… والصفوف الخلفية… والخطوط الخلفية..
حتى في حصة الرياضة كان يفضل وظائف الدفاع..
نعم فقد كانت للرياضة حصة في زماننا، كرة قدم… كرة طائرة… كرة سلة… (رنق) طائر..
أما حين يلج ملعب المدينة فلا يجلس إلا خلف المرمى..
وفي آخر يوم دراسي لنا بالمدرسة كتب كلمة (للذكرى) على حائط الفصل الذي خلفه..
فهو طوال سني دراستنا لم يكن خلفه سوى الحائط..
ولسوء حظه شاهده أكثر أساتذتنا مقتاً له… ولهواياته الخلفية… ومنها درجاته العلمية..
شاهده وهو يختم شخبطته بعبارة (فلان الفلاني)..
فلما سأله لم يفعل ذلك -تشويهاً للحائط- أجاب ببلاهة اشتهر بها (للذكرى يا أستاذ)..
فقاده الأستاذ من يده إلى مكاتب المدرسين..
وانهال عليه ضرباً موجعاً وصاحبنا يدمدم (ماذا فعلت لتضربني كل هذا الضرب؟)..
فلما كلت يدُ الأستاذ رمى بالسوط وأجاب (للذكرى)..
هل أخطأ الأستاذ وهو يشتط -ويبالغ- في العقوبة؟… ربما… ولكنا عرفنا السبب بعد ذلك..
فقد كان يراهن عليه -منذ البداية- متحدياً زملاءه المدرسين..
قالوا إنه بليد… وقال هو إنه ذكي… وأن بسطة جسمه هذه لا بد أن ترافقها بسطة في العلم..
واستشهد بقول الحق (وزاده بسطة في العلم والجسم)..
ثم بدلائل ذكاء خفي تشع من عينيه لا يبصرها إلا ذوو بصيرة، وهو -أي الأستاذ- منهم..
فلما انقضت السنوات الثلاث أدرك أنه قد خسر الرهان..
تماماً مثلما أدركنا -نحن- الآن خسارتنا الرهان على حكومة الثورة قبل نحو عامين..
فقد خدعتنا دلائل ذكاء تشع من عيونها… وعيون رموزها..
وبهرتنا بسطةٌ في العلم -والجسم- من تلقائها، وتلقاء خبرائها القادمين من وراء البحار..
وغرَّتنا قعدتها -دوماً- (خلف) المكون العسكري..
إذ حسبناها (قعدة فوق رأي) -حسب مقولتنا الشعبية- فإذا هي مثل قعدة زميلنا ذاك..
ويسألنا البعض أمس: لم تُكثر من جلد هذه الحكومة؟..
وسؤالهم هذا ينفض الغبار عن (ذكرى) دراسية قديمة في أرشيف ذاكرتنا (الخلفية)..
فتذكرنا زميلنا الذي يهوى (الخلفيات) في كل شيء..
وبقدر ما يُؤلم جلدنا هذا -إن كان الضرب يؤلم ميتاً أصلاً- نتألم نحن إذ نجلد (الذات)..
ونشعر بمثل شعور أستاذنا ذاك وهو يجلد من كان يراهن عليه..
ثم وجه الشبه الآخر أن حكومتنا هذه تشخبط على حائط تاريخ أمتنا -وبلدنا- بخط عريض..
فقط خطوط عريضة -عرض كتفي زميلنا- تشويهاً لكل شيء..
للحائط… ولنا… ولإرادتنا… ولاقتصادنا… ولثورتنا… ولشواهد من عُثر عليهم من الشهداء..
ثم ببلاهة -كبلاهة زميلنا- تظن أنها تخط شيئاً للذكرى..
ونهمهم نحن إذ نجلدها:
للذكـــرى !!.

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى