تحقيقات وتقارير

توحيد سعر الصرف… طوفان الأسعار أم إنقاذ الاقتصاد؟

 

حالة من الارتباك و الإحجام عن عمليات البيع والشراء اثارها قرار الحكومة الانتقالية بتوحيد سعر الصرف في الأسواق الموازية مما أدى إلى ارتفاع سعر الدولار بالسوق الموازي إلى 385 جنيها للبيع في تعاملات الأحد وسط مخاوف من من انعكاس القرار بشكل كبير على ارتفاع كافة اسعار السلع بينما تباينت رؤى المختصين حول فوائد توحيد سعر الصرف في ظل ضعف احتياطي النقد الأجنبي لدى بنك السودان المركزي فهل تفلح الخطوة في إنقاذ الاقتصاد ام ستزيد معاناته؟

 

أعلن بنك السودان المركزي عن توحيد سعر الصرف الرسمي والموازي للعملة الوطنية “الجنيه”، اعتبارا من امس الأحد بخفض قيمة الجنيه بشكل لافت وفق تبني سياسة سعر الصرف المرن المدار.
وقال البنك المركزي في بيان “صدرت منشورات وضوابط موجهة للمصارف وشركات الصرافة لتنفيذ الرؤية الإصلاحية للدولة اعتباراً من الأحد وذلك بتوحيد سعر الصرف”.
ووفقا لمنشور عممه بنك السودان فإن على المصارف إعلان أسعار صرف العملات الأجنبية بناء على قوى العرض والطلب في السوق على لوحة العرض قبل التعامل مع الجمهور.
وبعد إعلان القرار أظهرت اللوحات الالكترونية بالمصارف، الأحد، أن سعر صرف الدولار 375 جنيه للشراء و393 جنيه للبيع وسعر صرف اليورو 451 جنيه للشراء و474 جنيه للبيع قبل أن يقوم السوق الموازي برفع سعر الصرف إلى 385 جنيها للبيع بعد ساعات من قرار المركزي بتوحيد سعره.

 

تصاعد التضخم
المحلل المصرفي د. محمد عبد الرحمن أبو شورة يرى أن بنك السودان المركزي لم يكن لديه دور في إدارة سعر الصرف منذ سنوات وان السعر السائد هو سعر الأسواق الموازية.
وقال إنه طالما استمر التضخم فإن سعر الصرف سيمضي في الارتفاع بما سيؤثر على ارتفاع تكاليف المعيشة بشكل كبير وحتى السلع مثل الأدوية والتي يمنع المستوردون من رفع اسعارها فإنها تتغير بسعر السوق السوداء وخاصة أن هناك أصنافا عديدة سيتم استيرادها بالسوق الأسود، منوها إلى تأثير القرار أيضا على المصدرين الذين لن يكون لديهم لديهم صافي عائد بسبب أن البضائع السودانية التي ستصدر سترتفع تكلفتها أيضا، مستبعدا أن تكون هناك عناصر إيجابية طالما أن الحكومة لم تتخذ إجراءات لكبح جماح التضخم وعدم وجود احتياطي كاف من النقد الأجنبي لدى بنك السودان المركزي كما أنه سيدفع بارتفاع الأسعار للسلع بشكل غير مسبوق، مبينا أن المغتربين لن يقوموا بالتحويل والاحتفاظ بأموالهم بالعملة المحلية. وأضاف أن على الحكومة ايقاف التضخم باتباع سياسات مالية ونقدية رشيدة تزيد من إيرادات الدولة وتقلل الإنفاق الحكومي، مشيرا إلى أنه لا يمكن ضبط سعر الصرف دون اتخاذ إجراءات مالية ونقدية لكبح جماح التضخم.

 

مطلوبات ضرورية
ويشير عضو اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير عادل خلف الله إلى أن الطاقم الاقتصادي للحكومة لم يبلغهم بتوفر أي احتياطات نقدية من العملة الصعبة لاتخاذ قرار توحيد صرف الجنيه، واصفا خطوة توحيد سعر الصرف بأنها امتثال لمطلوبات البنك الدولي، مضيفا أن القرار يمثل تجاوزا لموازنة العام 2021م التي أقرت تحقيق نمو في حدود 1% بينما القرار سيقلص النمو إلى سالب 4 فضلا عن زيادة التضخم لمستويات قياسية أخرى رغم أن الموازنة خططت أن يكون في حدود 95%..

 

انعكاسات متوقعة
ويقول المحلل المصرفي عثمان التوم إن القرار سينعكس على كافة الأنشطة الاقتصادية في البلاد بارتفاع تكلفة الإنتاج ،مشيرا إلى أن روشتة البنك الدولي لن تعود بفوائد على الاقتصاد، مؤكداً أن السوق الموازي لن يستسلم وسيشتري بأسعار بأعلى مما يتم تحديده، متسائلا عما يمكن أن تستند عليه آلية تحديد سعر الصرف، مشيراً إلى أهمية وجود معادلة لآلية تحديد سعر الصرف. وتوقع أن يؤدي تحرير سعر الصرف الى ارتفاع في الدولار والسلع ما لم يكن هناك اختلاف في الآلية الحالية لتحديد سعر الصرف، مشددا على مراجعة أولويات النقد الأجنبي واستبدال العديد من السلع بالإنتاج المحلي.

 

قفزة في الظلام
ووصف الأمين العام للغرفة القومية للمستوردين السابق، الصادق جلال الدين صالح في تصريحات صحفية قرار بنك السودان بتحريك سعر صرف الجنيه السوداني مقابل الدولار بأنه قفزة في الظلام وأنها ستعمل على دق آخر مسمار في نعش الجنيه السوداني المغتال أصلا بسياسات الحكومة الخاطئة. وقال إنه حتى لا ينخدع الناس فالخطوة لا علاقة لها بالتعويم الذي “له شروط وعوامل محددة غير متوفرة حاليا”، موضحا أن الخطوة هي عبارة عن خفض لقيمة الجنيه بصورة كبيرة من 55 جنيها إلى 375 جنيه (على الرغم من أن السعر في السوق الموازي 365 جنيه)، مؤكدا أن القرار الذي تم اتخاذه هو ذات الخطوة المعروفة بصناع السوق الفاشلة في اكتوبر 2018 والتي خفضت قيمة الجنيه من 18 الى 47 جنيها ( على الرغم أن سعره في السوق الموازي آنذاك كان 45 جنيه)، مبينا أن بيان بنك السودان المركزي يتحدث عن سعر الصرف المرن المدار وهذا يؤكد أن الخطوة تحريك ليس الا .

 

زيادة المضاربة
ويمضي صالح متسائلا كيف للبنوك التجارية أن تسعر الدولار وهي لا تملكه اصلا؟ لافتا الى أن هذا يعني اننا ادخلنا البنوك التجارية مشتريا بأموال المودعين، معتبرا الخطوة بانها تعمل على زيادة المضاربة على الدولار مما يؤدي الى انخفاض قيمة الجنيه السوداني بصورة قياسية وهو عمل غير أخلاقي لا مبرر له لأنها سوف يؤدي الى فقدان المودعين القيمة الشرائية لأموالهم وستساهم مستقبلا في فقدان البنوك لمصداقيتها وثقة المودعين بها، مبديا استغرابه في الابقاء على سياسة بيع المصدر للمستورد بما يجعل التسعير بأيدي البنوك التجارية والمصدرين والمستوردين وتجار العملة، الامر الذي يساهم في اتساع رقعة السوق الموازي وقال إن ذلك ضرب من الجنون في ظل عدم وجود احتياطيات كبيرة بالنقد الأجنبي لبنك السودان، مبينا أن الشعب السوداني لن يجد من قرار تحريك سعر الصرف إلا مزيدا من الضنك والمعاناة في توفير أقل مطلوبات المعيشة.

 

ترحيب أمريكي
ورحبت السفارة الامريكية بقرار الحكومة الانتقالية بالمضي قدما في اصلاح اسعار الصرف َوقالت إن القرار يمهد الطريق لتخفيف عبء الديون ويزيد بشكل ملحوظ من تأثير المساعدات الدولية التي كان يجب انفاق الكثير منها في السابق بسعر صرف رسمي، وهو لا يوصل سوى جزء من قيمته المحتملة للشعب السوداني كما أن القرار سيساعد الشركات السودانية بشكل كبير ويزيد الاستثمار الدولي، لأن الشركات المحلية والاجنبية لن تواجه صعوبات في ممارسة الاعمال التجارية في السودان بسبب سعر الصرف المزدوج.

 

تقرير – الطيب علي
الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

 

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى