تحقيقات وتقارير

ساقية الدماء تحصد المزيد من الأرواح بالجنينة

 

مرة أخرى تتجدد الصراعات الدموية في سيناريو متكرر، بالأحداث التي اندلعت في الجنينة ليعود هتاف (الجنينة تنزف) للمشهد.. أسئلة كثيفة تنطلق مرة أخرى باحثة عن من المستفيد من إطفاء شموع الأمل في استقرار وهدوء الإقليم ووقف نزيف الدم؟

 

الموقف حالياً
آخر محطات المشهد الدموي في الجنينة أعلنتها لجنة أطباء دارفور، عن ارتفاع أحداث العنف في مدينة الجنينة حاضرة ولاية غرب دارفور إلى 83 قتيلاً و160 جريحًا، بما في ذلك جرحى القوات المسلحة.
وقالت اللجنة، إن حركة الأطقم الطبية والمتبرعين بالدم لا تزال صعبة من وإلى المستشفيات بسبب حظر التجوال الذي لم يستثن أحداً، بجانب وجود حالات حرجة تحتاج إلى تحويل عاجل للخرطوم منها إصابات على مستوى الرأس.

وناشدت حكومة الولاية بتعزيز تأمين المرافق الصحية وتسهيل حركة منسوبيها والتنسيق مع السلطات الاتحادية لإرسال طائرة بصورة عاجلة لإجلاء الجرحى الذين يحتاجون إلى جراحات دقيقة لا تتوفر في الولاية.

 

ظاهرة متكررة
الخبير الاقتصادي والكاتب الصحفي الحسين إسماعيل ٲبوجنة يذهب في حديث لمصدر إلى أنه منذ مطلع التسعينيات في القرن الماضي، ظلت ساقية الدم والدموع تدور بدارفور، من خلال احتكاكات ومشاحنات وخلافات، وصلت مرحلة الاشتباك الناري بين السكان المحليين لاسيما في الجنينة بين المكونات السكانية هناك.. منوها الى أن الظاهرة اتخذت شكل ظاهرة سنوية، ظلت تتكرر بشكل منتظم وبذات السيناريو، يبدٲ بمشاجرة صبيانية تنتهي بحادث قتل بالسكين، يتطور إلى انفجار دموي، تستخدم فيه بصورة انتقامية كافة ٲنواع السلاح الناري، بدوافع حمية القبيلة وعصبيتها، في ظل ضعف هيبة السلطة وعدم قدرتها على بسط نفوذها.

 

مؤامرة وظنون
نظرية المؤامرة لم تكن بعيدة عن تحليل اسماعيل، ويرى أن المسألة قد تكون مدبرة بغرض جر الولاية إلى مربع الفتنة بين السكان المحليين في اطار مخطط ملعون يهدف إلى إعطاء الانطباع الامني بأن الخراب والفوضى سيحلان مكان الفراغ الذي يخلفه خروج قوات اليوناميد من دارفور، مشيرا الى أن ذلك الاحتمال ربما يكون راجحا على خلفية تطابق ٲسباب الحوادث ما بين الامس واليوم وفي ذات المكان، وبذات الابعاد الاجتماعية في معادلة الصراع الذي يبدٲ بالسلاح الابيض وينتهي بكافة ٲنواع الرشاشات في المواجهة بين الاشقاء في المدينة الواحدة.

وطالب أبوجنة ببسط هيبة الحكومة بصورة جادة تضمن عدم تكرار هذه السيناريوهات الخبيثة ، المخطط لها من جهات كل همها ٲن تستثمر في مثل هذه الفتنة اللعينة وعلى عاتق الحكومة المركزية تقع مسؤولية عزل الوالي الحالي توطئة لمحاسبته على تكرار هذه الخطأ المؤسف الذي تسبب في إزهاق ٲرواح بريئة في إطار حماقات قبلية تحركها نزوة الانتقام من الآخر، على خلفية ضعف هيبة الدولة كونها عجزت تماما عن وضع حد لظاهرة الاقتتال القبلي المتكرر دارفور التي تعيش بوادر انتكاسة في ٲمنها الاجتماعي!!

 

مجرمو الحرب والإبادة
من جانبه يرى النازح بمعسكر كلمة خضر محمد علي أن المستفيد الأول من تجدد العنف في دارفور هم مرتكبو جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية ضد الانسانية في دارفور وهم بالتحديد أنصار وملايش (مليشيات) النظام البائد، منوها الى أن اولئك استولوا على حقوق الآخرين بدعم من النظام البائد وبعد ذهابه وتوقيع اتفاقية جوبا للسلام يرون أن الوضع مهدد لامتيازاتهم التي حصلوا عليها بغير وجه حق.

واعتبر خضر أن الازمة تكمن في عدم تنفيذ اتفاقية السلام ولا بنسبة 1% منها بالرغم من مرور الجداول الزمنية منذ فترة في ظل عدم وجود تغيير في واقع الأرض، واضاف: اتفق مع الذين يرفضون خروج بعثة اليوناميد دون أن يكون هنالك بديل يطمئن له النازحون، منوها إلى أن المستفيد الأول من بقاء البعثة المشتركة اليوناميد هو النازح المغلوب على أمره ولكن هناك جهات مستفيدة من تجدد اشتعال الاقليم كل مرة وهؤلاء هم أعداء الامن والاستقرار بالإقليم، ضاربا المثل بتكرار أحداث الجنينة بصورة مزعجة ومرعبة لكل أهل السودان.

 

مليشيات الإنقاذ
فيما لفت الباحث في شؤون دارفور فيصل شقف إلى أن تجدد المجازر وأحداث العنف القبلي لا يمكن النظر اليها من زاوية سطحية باعتبارها أحداثا عادية لا تتعدى المشاجرة بين شخصين ولكن سرعان ما تتحول إلى معركة طاحنة في كل مرة يكون المعتدي فيها واحد وهم المليشيات المسلحة كما لا يمكن قراءة ما يجري الآن بعيدا عن ما جرى في العام ٢٠٠٣م بداية اندلاع التمرد والسنوات اللاحقة عندما حشد نظام الانقاذ المليشيات المكونة من بعض القبائل العربية في مواجهة التمرد، فكانت فرصة لبعض القبائل لفرض واقع جديد حيث مارست أبشع أنواع العنف والقتل الممنهج بقصد تهجير السكان الأصليين وبالفعل تم تهجيرهم والاستيلاء على أراضيهم، هذه المليشيات تضم مجموعات من دول الجوار تشاد والنيجر تحديدا وفق إستراتيجية متبعة هي أنه لا عودة للنازحين إلى مناطقهم الاصلية باعتبارها أصبحت (محررة)!

 

واعتبر فيصل أن ثمة أسباب أخرى لتجدد اشتعال الصراع بدارفور متعلقة بالصراع حول السلطة والحكم، منوها الى أن من يقف وراءها بعض النافذين بالمركز من أبناء بعض القبائل في إطار فرض واقع جديد بدار اندوكا الجنينة وغيرها من المناطق استنادا إلى ما يملكونه من قوة سلطوية وترسانة أسلحة، وبالتالي فإن هذه الأحداث المتكررة وتجدد الاشتعال تحركها دوافع قبلية واطماع حول الأرض والحكم.
وكشف فيصل أن المجموعات التي تقاتل المساليت معظمها لا تنتمي للاعراق الاصلية بدارفور لجهة أن هناك علاقات تعايش ممتدة عبر التاريخ بين المساليت والقبائل العربية الاصلية في إطار الأعراف والاحترام المتبادل بين جميع مكونات دار أندوكا.

 

سلام جوبا
من جانبه وصف أمين التنظيم والادارة بحركة العدل والمساواة بالخرطوم محجوب الجزولي عز العرب تجدد أحداث دارفور بالمؤسفة بل أصبحت تتجدد دون أسباب واضحة خاصة الأحداث التي وقعت عقب ثورة ديسمبر المجيدة التي وحدت معظم وجدان الشعب السوداني علاوة على الاحداث التي وقعت مؤخرا بعد سلام جوبا تحت ظلال ثورة شعارها حرية سلام وعدالة.

وأشار محجوب إلى أنه تأكد لهم بأن هناك أطرافاً أرادت زعزعة الأمن وافشال السلام وهؤلاء هم المستفيدون من اشتعال الحروب بدارفور، مطالبا الدولة بحسمهم حتي لا تتسع دوائر فشل الدولة السودانية بسبب المتفلتين من أبناء قبائل دارفور بل يجب على الادارة الاهلية أن تقوم بأدوارها تجاههم، مشدداً على الحركات الموقعة على السلام تفعيل أدوار قواتها مع بقية القوات المسلحة لوقف التفلت والاقتتال القبلي مع مراعاة جمع السلاح من الكافة دون استثناء لقبائل بحكم إنتمائها لقوات الدعم السريع حتى يكونوا تحت إمرة قانون القوات المسلحة. وتابع (أي متفلت لا تنظيم له ولا قبيله له ولابد من حسمه عاجلا لينعم شعبنا بالأمن والاستقرار ويتوقف اشتعال دارفور في كل مرة من جديد)..

 

تاريخية الاشتعال
فيما يذهب الباحث في شؤون دارفور علي منصور حسب الله إلى انه على الرغم من تعدد المحطات التاريخية للصراعات في دارفور والاحداث المؤسفة، الا أن الصراع الحقيقي بدأ عام 1983م بين الرعاة والمزارعين والتنافس حول الموارد الشحيحة والأرض الصالحة للزراعة، منوها الى أنه نتيجة لموجات الجفاف والتصحر التي ضربت منطقة الساحل الأفريقي منذ أواخر الستينيات والتحولات البيئية التي نتجت عنها انحسر نطاق المراعي والموارد المائية والتربة الخصبة، وحماية للحقوق المشتركة بين المزارعين والرعاة، مشيرا الى اتفاق اهالي دارفور على فتح مراحيل ومسارات التي أصبحت الآن سبباً للصراعات القبلية وذلك لكثرة أعداد الإبل والماشية التي تمر عبر المرحال ليستحيل معها ضبط هذه الحركة خاصة مع التوسع الزراعي، فضلاً عن بعض الأخطاء الإدارية وعدم متابعة السلطات المحلية المراحيل الموسمية، أيضاً أن محاولة بعض القرويين قفل المسارات أو الطرق التي تؤدي إلى مشارب المياه تسبب في صراعات دموية بين المزارعين والرعاة.

ويرصد منصور ابرز الصراعات الدموية في هذا السياق سواء بين قبائل الزغاوة والرزيقات الشمالية (المهرية والجلول والعريقات) في العام 1969م بمنطقة الجنيك التابعة لمحافظة كتم، وفي عام 1994م بنفس المنطقة، وكذلك النزاع بين الزيادية والميدوب ضد الكبابيش والكواهلة في منطقة شمال الفاشر منذ عام 1932م وتكررت في الأعوام 1957م، 1964م، 1982م، 1997م، وجميعها نزاعات حول مصادر المياه والراعي واضاف: كان أهل دارفور يقومون بحل الصراعات بالجودية مثل مؤتمر رهد ابو صلعة في دار الهبانية في عام ١٩٤١م وقبله مؤتمر الجويقين مرقوبة بدار البني هلبة كما كانت الإدارة الاهلية لها قوتها مما مكنها من حل جميع الإشكالات التي تحدث.

 

تقرير – محجوب حسون

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

 

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى