محمد لطيف يكتب: من منحة الفشقة الى وعد بلفور .. العلاقة السرية !(1)

في الثاني من نوفمبر من العام 1917.. أي والحرب العالمية الأولى تقترب من نهايتها أطلق وزير الخارجية البريطاني تصريحه الشهير .. الذى دخل التاريخ باسم .. وعد بلفور .. نسبة للوزير آرثر جيمس بلفور .. معلنا تأييد حكومة بريطانيا لإنشاء وطن قومي لليهود فى فلسطين .. وقامت قيامة المسلمين والعرب منذ ذلك اليوم .. ولم تقعد حتى اليوم .. وقد نظر المسلمون لذلك الوعد .. ومن بين وجهات نظر أخري .. أن ذلك الوعد قد جاء في إطار التحالف الصليبي .. الذى استهدف الإسلام والمسلمين .. فكانت المبادرة البريطانية بدعم المشروع الصهيوني في ذلك الإطار .. ولكن بريطانيا نفسها وقبل ذلك التاريخ بخمسة عشر عاما ونصف العام بالتمام والكمال .. قد أتت بكبيرة لا تقل عن وعد بلفور .. لأنها ايضا كانت فى إطار التحالف الصليبي المناهض للمسلمين .. إلا أن مسلما واحدا ولا حتى عربيا .. قد رفع صوته بمجرد التنديد بتلك الخطوة .. رغم أن الضحية كانت هي الأخري دولة عربية وإسلامية ..!
وقد يندهش البعض .. حين يدرك أن هذه المقدمة ذات صلة بالحدود السودانية الإثيوبية .. ولكنها الحقيقة التي لم نقف عندها يوما .. ولعل القصة التي يجهلها الكثيرون .. ويتجاهلها قلة من العارفين ..هي أن العام 1900 قد شهد حدثا غريبا فى تاريخ العلاقات بين الدول .. قابله نموذج .. مسكوت عنه للأسف .. لضرب من السلوك الاستعماري .. لم يكن يضع في اعتباره حق الشعوب التى يستعمرها .. ولا حقها في السيادة على أراضيها .. أما الحدث الغريب .. فتمثل في أن إمبراطور الحبشة آنذاك .. الإمبراطور منليك قد تقدم بطلب لحكومة بريطانيا ..باعتبارها الدولة التى تدير السودان .. أو للدقة التى تستعمر السودان .. طالبا منحه عددا من المواقع الحدودية .. التى تجاور حدود إمبراطوريته من جهة الغرب .. ولم يستغرب البريطانيون .. ولم يستنكروا الطلب .. بل رحبوا به من حيث المبدأ .. !
حسب بعض المؤرخين .. أن النظرة البريطانية فى ذلك الوقت .. قد تأسست على أن اثيوبيا دولة مسيحية .. ضعيفة الموارد .. إن لم تكن معدومة بالكامل .. لذا فإن حكومة بريطانية تنظر بعين العطف والتقدير .. كما جاء فى الرد البريطاني .. الى ذلك الطلب الإمبراطوري .. أي أن ذات التعاطف مع اليهود الذى دفع حكومة بريطانيا لإصدار وعد بلفور بدعم قيام وطن يهودي عام 1917 .. كان هو ذات التعاطف الذى دفعها لقبول الطلب الإثيوبي بضم أراضي سودانية .. وبالفعل بدأت مفاوضات جادة بين الطرفين .. والمفارقة هنا .. أنه فيما مثلت الحبشة حكومتها الوطنية ذات السيادة .. كان الطرف الثاني غائبا تماما .. ونعني هنا السودان .. فنصبت بريطانيا نفسها ممثلة للسودان .. وفي ماذا ؟ .. في التنازل عن جزء من أراضيه لدولة أخري .. من يصدق هذا ..؟ الواقع أن هذا هو ما حدث بالفعل .. فبعد نحو عامين من المفاوضات .. وقعت الحكومة البريطانية و حكومة الإمبراطور منليك .. وتحديدا فى الخامس عشر من مايو 1902 .. اتفاقية سميت بمعاهدة أديس ابابا .. !
ولئن كان وعد بلفور هو إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق .. فإن معاهدة اديس ابابا كانت فى الواقع عبارة عن تسليم بضاعة مسروقة .. يبحث من استلمها عن صك ملكية بغير وجه حق ..!
غدا نكشف ماذا طلب منليك ولماذا ..؟ وماذا منحته بريطانيا .. وكيف..!
صحيفة السوداني