واشنطن وموسكو.. سباق ساخن على البحر الأحمر

عقب رفعها لاسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، لم تنتظر الولايات المتحدة الأمريكية طويلاً للدخول في الشأن السوداني، حينما دلفت بثقلها في منافسة مع روسيا على قاعدة عسكرية في البحر الأحمر، هذه الخطوة فتحت الباب على مصراعيه لتساؤل، وهو هل ستتخلى الحكومة السودانية عن الحليف السابق لنظام المعزول البشير وهي روسيا والتي كان يرى فيها المخلوع مزود آمن لنظامه ضد أي تدخل غربي، أم ستتمسك الخرطوم بموسكو غير آبهة لـ”شهر العسل” مع أمريكا وإسرائيل؟.
مناورة روسية
الشاهد أن التحرك الروسي نحو السودان جاء بعد فترة وجيزة من إعلان الإدارة الأمريكية شروعها في رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، ورغم الإعلان الروسي الرسمي، لكن حكومة السودان التزمت صمتاً مطبقاً يشيء بالكثير، لا سيما أن أطراف السلطة في السودان منخرطون في خلافات بشأن العلاقات الخارجية، ويرى كثيرون أن إنشاء قاعدة روسية على سواحل البحر الأحمر بالسودان يعتبر مناورة روسية، خاصةً وأن السودان أصبح على تقارب مع واشنطن، ودول الغرب بصورة عامة، وأن البحر الأحمر يعتبر ممراً إستراتيجياً.
إعلان رغبة
كل ذلك جعل الولايات المتحدة الأميركية تسارع إلى إعلان رغبتها في إقامة تعاون عسكري وثيق مع السودان، ما يشير إلى تحرك أميركي مكافئ للتحرك الروسي، وصراع بين العملاقين على مناطق النفوذ في منطقة البحر الأحمر الاستراتيجية.
وأعلنت سفارة الولايات المتحدة في الخرطوم على صفحتها الرسمية على فيسبوك، أنها ترغب في تعزيز تعاون عسكري وثيق بين القوات المسلحة السودانية، وتعزيز العلاقات العسكرية الثنائية بين البلدين، وأن الملحق العسكري الأميركي جاكوب داي، يعمل مع القوات المسلحة السودانية لتعزيز العلاقات الثنائية، وأوضحت النشرة أن داي ينطلق في علاقته مع السودان على خلفية شطب الأخير من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وأن الإدارة الأميركية تعتبر ذلك تغييراً أساسياً وتاريخياً في علاقات البلدين، ما دفع الملحق العسكري أن يتطلع لما أطلق عليها الفرص التي من شأنها تعزيز التعاون العسكري بين البلدين في المستقبل.
بل وذهبت واشنطن إلى أبعد من ذلك عندما التقى الملحق الأميركي المقدم جاكوب داي، بقائد القوات البحرية السودانية المكلف اللواء بحري حاج أحمد يوسف بابكر في القاعدة البحرية السودانية على البحر الأحمر، وبحث معه سبل الدفع بالعلاقات العسكرية الثنائية، لا سيما المعنية منها بمجال عمل القوات البحرية السودانية، استناداً إلى ما أسماه بخصوصية الدور الذي تؤديه.
ضغوط واشنطن
الخبير الاستراتيجي محمد عثمان، يقول إن العسكريين الروس يخشون من ضغوط قد تمارسها واشنطن وبعض العواصم الإقليمية على الخرطوم لعدم التوقيع على الاتفاقية، وقال ان أمريكا تسعى إلى تعطيل عودة الأساطيل الروسية إلى مجدها السابق، وتوقع عثمان في حديثه أن يثير الاتفاق حفيظة بعض القوى الإقليمية، ومنها السعودية، وكذلك الإمارات الساعية إلى السيطرة بدعم من إسرائيل على أهم الموانئ على البحر الأحمر وخليج عدن، لاسيما وان السودان وقع على ميثاق تأسيس مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، والذي يضم السعودية وجيبوتي والصومال وإريتريا ومصر واليمن والأردن، ويهدف هذا المجلس الذي أسس بمبادرة سعودية للتنسيق والتشاور بشأن الممر المائي الحيوي، لمواجهة الأخطار المحدقة في ظل التواجد المتزايد في البحر الأحمر لقوى إقليمية ودولية، ويرى عثمان أن القاعدة الروسية في السودان قد تضر حالة التقارب السوداني-الأميركي، خاصة فيما يتعلق بتعاون ما بعد إزالة اسم السودان من قائمة الإرهاب، الأمر الذي يعطل دخول الاستثمارات إلى الأراضي السودانية.
فوائد اقتصادية
من جانبه، يرى مدير السياسات بمركز “ديفنس بريوريتي” للأبحاث الأمنية، بنجامين فريدمان، أن موافقة السودان على إنشاء قاعدة عسكرية يرتبط بشكل وثيق في رغبتها بتحقيق الرخاء الاقتصادي، وقال فريدمان: “إنه لا يتعين على السودان الانحياز إلى روسيا أو الولايات المتحدة، فالحرب الباردة منتهية”. وأضاف: “يبدو أن السودانيين يسعون للحصول على الفوائد الاقتصادية في المقام الأول، وهم عازمون على الحصول عليها مهما تطلب الأمر”. وتابع المحلل الأميركي قائلاً: “وجود قاعدة بحرية في السودان، لا ينبغي أن يثير قلق الأميركيين، لديهم الحق في إنفاق ما يشاؤون من روبلات للقيام بدوريات في البحر، وسواء ذلك كان قرار حكيما أم لا، فإنه لن يمثل خسارة حقيقية لأمن الولايات المتحدة”.
حادثة مشابهة
وليس بعيداً عن ذلك، نجد أن لروسيا حادثة مع جيبوتي أقرب لهذه، ووفقاً للجريدة الروسية “كومرسنت”، سبق وأن عبرت روسيا في 2012 عن اهتمامها بإقامة وجودها العسكري في جيبوتي، لا سيما من أجل طيرانها، وقد حصلت مفاوضات في 2012 و2013 بشأن هذا الأمر ودارت نقاشات دقيقة حول حجم المساحة التي ستوضع حصريا على ذمة روسيا، ومدى نفوذ السلطات الأمريكية في التصرف في المجال الجوي لجيبوتي، والاستثمارات الروسية في البلاد، رغم هذه التطورات الواعدة، وضعت أزمة 2014 الأوكرانية حدا لهذه المفاوضات، فأمام هذا الوضع الجيوسياسي الجديد حول روسيا وتجدد المنافسة بين روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، قامت واشنطن بالضغط على السلطات الجيبوتية حتى لا تسمح الأخيرة للمنافس الروسي بإقامة قواعد عسكرية في اراضيها، الامر الذي غيب احتمال وجود روسي طويل الأمد، لكن التعاون بين جيبوتي وموسكو في مجال القرصنة لا يزال متواصلاً.
نقاط دفاعية
الثابت ان اقامة قاعدة بحرية على ساحل البحر الاحمر، يعني توسع النفوذ الروسي في شمال شرقي أفريقيا، وعلى طول المنطقة الحيوية على البحر الأحمر ومنطقة باب المندب، بما يوصلها لمناطق الثروات الطبيعة والأسواق المحتملة للأسلحة الروسية، وبحسب تقارير فإن تشكيلات عسكرية تابعة للقوات المسلحة الروسية سوف تظهر على الأراضي السودانية في وقت قريب، كما ستتمكن روسيا كذلك من نشر سفنها ذات القدرات النووية هناك، حيث يصبح بمقدورها إنشاء نقاط دفاعية مؤقتة بغرض حماية تشكيلاتها العسكرية، ليس فقط عبر أراضيها وإنما في الخارج كذلك، بالإضافة الى أنه سوف يصبح في مقدور روسيا تزويد السودان بالمعدات والأسلحة بغرض حماية المجال الجوي للقاعدة الروسية، بالإضافة الى إتاحة استخدام المجال الجوي السوداني أمام القوات الروسية، بالمقابل فإن الجانب السوداني سيراقب الأجواء الأمنية على الحدود الخارجية للقاعدة، وستوفر روسيا الغطاء اللازم لأجل حماية المناطق المائية والنطاق الجوي والحفاظ على الأمن والنظام الداخلي في هذه المرحلة.
تقرير – جاد الرب عبيد
الخرطوم: (صحيفة المواكب)