الطيب مصطفى

الطيب مصطفى يكتب: حديث البرهان بين الحقيقة والخيال!

حدثوني بالله عليكم عن رئيس جمهورية او رئيس وزراء سوداني منذ الاستقلال فعل ما فعله البرهان وهو يفرض بصورة فردية ودكتاتورية على البلاد، شعباً ومؤسسات دستورية، التطبيع مع الكيان الصهيوني!
رجل منقوص التفويض يرأس مجلساً سيادياً يضم احد عشر عضواً، يقوم رغم انف الدستور والقانون ، بسوق السودان كله نحو اتخاذ قرار يعتبر الاخطر والاكبر منذ الاستقلال ، ومن تمزيق احد اهم الامجاد والثوابت الوطنية التي ظل السودان يفاخر بها ويتباهى باعتباره بلد اللاءات الثلاث التي جمع لها العرب اجمعين بعد ان ازال خصوماتهم ووحد كلمتهم.
لا اعتراض البتة في ان يعاد النظر في اي قرار سياسي مهما عظم شأنه ، ولكن بشرط ان يتم ذلك عبر المؤسسات الدستورية الحاكمة المنتخبة من الشعب ووفقاً للتشريعات الناظمة وليس بصورة فردية على الطريقة الفرعونية (ما اريكم الا ما ارى وما اهديكم الا سبيل الرشاد) ، والتي اعتبرتها المعارضة القحتية من اكبر المآخذ على نظام الانقاذ.
لا عزاء لثورة زعمت أنها ضد الطغيان والاستبداد وحكم الفرد ، ولا لشعاراتها التي مزقت ارباً ، فقد تمخضت الثورة فولدت حكماً عسكرياً طاغوتياً ، وحق للبرهان الآن ان يتباهى بانه الحاكم الاوحد الذي لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه ، فهو الذي يقرر ما يصلح للبلاد والعباد وليذهب الشعب ومؤسساته المهمشة الاخرى الى الجحيم!
من بالله عليكم يمكن ان يطمئن لما يمكن ان يتخذه البرهان من قرارات في الايام والسنوات المقبلة سيما بعد ان ديست (قحت) الحاضنة السياسية التي كنا نظن أنها الحاكمة وانها الآمرة الناهية؟!
لقد تودع منها واراها الان مهيضة الجناح مستسلمة صامتة في معظمها ، بعد ان روضت قياداتها بالمناصب والمخصصات المليارية والفارهات (الما خمج) ، وظهرت على حقيقتها التي كنا نعلمها من قديم ، فمن كانت الدنيا اكبر همه ومبلغ علمه فلا ترجو منه خيراً ولا تعول عليه أن ينتصر لمبدأ.
جاء وزير خارجية امريكا بومبيو وقابل حمدوك الذي لا حول له ولا قوة والذي توهم في البداية انه صاحب سلطة فعلية ممنوحة بالوثيقة الدستورية ، وبناءً على ذلك قال لبومبيو إن موضوع التطبيع خارج صلاحيات الفترة الانتقالية ، كان ينبغي لبومبيو الخبيث ان يقتنع ويغادر الى بلاده بدون ان يقابل البرهان ، ولكن لانه يعلم ان السلطة الفعلية ليست في يد حمدوك ، رغم ما منحته له الوثيقة الدستورية المعطلة من سلطات ، اصر على مقابلة البرهان ، والعجب العجاب ان لقاء بومبيو بالبرهان لم يصدر عنه تصريح صحفي بينما تحدث حمدوك (المسيكين المريس ومتيس) ، تحدث رافضاً التطبيع!
لكن البرهان حرك الامر من خلف الكواليس ، وما كان لحمدوك المسيكين غير ان يتبع ويباري البرهان فوالذي بعث محمداً بالحق إن حمدوك في نظري ليس جديراً بالمنصب ، فقد خلق ليعمل مرؤوساً لا رئيساً وادارياً يؤمر لا يأمر ، فهو لا يهش ولا ينش!
عجبت ان البرهان قال في حواره مع تلفزيون السودان ، بدون ان يطرف له جفن ، إن تسعين في المئة من الاحزاب موافقة على التطبيع بل ذهب الرجل الى تحدي الاحزاب السياسية ان تطرح على الناخبين بعد الفترة الانتقالية رؤية انها ضد التطبيع مع (اسرائيل) ، ثم إن الرجل زعم أن السيد الصادق المهدي وافق على التطبيع شريطة ان يجاز ذلك بواسطة المجلس التشريعي الانتقالي الذي يفترض ان يشكل قريباً!
اعجب ان يقول البرهان ذلك رغم علمه ان المهدي كذّب – بتشديد الذال- ما ادلى به البرهان وقال إنه اشترط ان يجاز التطبيع من البرلمان المنتخب وليس المعين الانتقالي ،بل إن الحزب الشيوعي الذي كان ممسكاً بخطام الفترة الانتقالية وكذلك واجهاته السياسية واحزاب البعث كلها رفضت التطبيع كما فعل ذلك الحزب الناصري وكل الاحزاب الاسلامية مثل المؤتمر الوطني والمؤتمر الشعبي ومنبر السلام العادل والاصلاح الآن واعداد هائلة من الاسلاميين.
رغم ذلك قال البرهان إن الشراكة مع المكون المدني في افضل حالاتها ، بالرغم من علمه بغضب كثير من شركائه في قحت وبالرغم من ان هناك تململاً كبيراً في الساحة السياسية والشعبية جراء تغول المكون العسكري على السلطة التنفيذية ، سيما وأن الوثيقة الدستورية لا تمنحه تلك السلطة..فقد كان لقاء البرهان برئيس الوزراء الصهيوني نتنياهو امراً غريباً لا تجيزه الوثيقة الدستورية البتة.
عجبت للقانوني الكبير نبيل اديب وهو يشرعن للتطبيع مع الصهاينة ويغفل عن قيام البرهان وحميدتي بالتدخل في الشأن التنفيذي سواء لقاء البرهان بنتنياهو او امساك المجلس السيادي بملفات السلام والتفاوض حولها ، واذا كانت الوثيقة الدستورية غفلت عن التطبيع فهل غفلت عن سلطة المكون العسكري ورئيسه الذي تسلم ذلك الملف من الفه الى يائه.

 

 

 

صحيفة الانتباهة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى