ناهد قرناص

ناهد قرناص تكتب: كلنا في الهم شرق

قيل أن أحدهم كان يسكن نصف بيت ..سمع أن صاحب النصف الآخر يريد بيعه ..فطالبه أولاده بشراء النصف الآخر ليصبح البيت كاملاً ..فما كان منه الا ان باع نصفه واشترى النصف الآخر ..وسأل أطفاله ..(اها مبسوطين) ..آخر انبساط والله ..
اتفاقية السلام وتوقيع الحركة الثورية …والافراح التي عمت البلاد خاصة بعد اعلان ابداء النوايا الحسنة من قبل الحلو وعبد الواحد ..جعلتنا نأخذ راحة شوية .. هدنة بسيطة ..سعدنا فيها بنفحات السلام ..ومن ثم اشتعل الشرق مطالباً بتقرير المصير ..وملوحاً بالورقة الرابحة ..ميناء بورتسودان ..بوابة الوطن واحدى أكبر النوافذ الايرادية في البلاد ..فصرنا مثل صاحب ذلك البيت ..باع النصف ليسكن في النصف الثاني ..عم السلام الغرب ..واشتعل الشرق في المقابل ..و(في الحالتين أنا الضايع) .. تضاربت الأقوال واختلفت الآراء ..هل يصح ما فعله أهل الشرق أم لا؟ هل كانت ردة الفعل مناسبة أم لا؟ ..لا أعتقد ان هذا مقام التنظير ..لكن الأمر الذي بات واضحاً ..ان من يحمل السلاح يفرض شروطه على الحكومة .. والشاطر الذي يظل حتى النهاية ممسكاً ببندقيته.
كنت مثل غيري انتظر ان تنتهي الاحتفالات وتعود الحكومة من جوبا لكي أتمعن في تفاصيل الاتفاق وأبحث عن بنود التنمية والاستراتيجيات التي تم التوافق عليها ..لكن كل الذي رشح ..هو تعديلات في الكراسي ..أخبار عن اضافة وزارات جديدة ..بل هناك ترشيحات لاسماء الوزراء تم تداولها ..الخ الخ ..كلها تصب في مكاسب سياسية لقادة الحركات ..ولسنا في حاجة للقول ان هذا الفيلم قد دخلناه مراراً وتكراراً ..وحفظنا مشاهده مع اختلاف السيناريوهات ووجوه الأبطال .
يبقى السؤال هو لماذا انتفض الشرق ؟ الشرق الذي كان صابراً طوال هذه الاعوام رغم انه يرزح تحت وطأة الجهل والمرض والفقر ..انتفض أخيراً لأنه كان ينتظر ان يذكر اسمه متبوعاً ببنود تنمية سريعة ..خطط للنهوض بمحلياته وحلول لمشاكله الازلية ..والتي صارت واقعاً مؤلماً تحت شعار (ياهو دا السودان ) ..الأمر ليس في الشرق وحده ..انما أيضاً في الشمال ونهر النيل والنيل الازرق والابيض والجزيرة والوسط وكردفان ودارفور ..كل السودان في انتظار خطط للتنمية ..لو أعلنتها الحكومة في خضم احتفالاتها ..لهدأت توجسات الكثيرين …وشفت صدور قوم مؤمنين.
الشعب لا يهمه من يحكم ..بقدر ما يهمه كيف يحكم ..لا تهمه توجهات فلان الفكرية ..ولا انتماء علان الجهوي ..بقدر ما يهمه اداء (فلتكان) التنفيذي ..لا يهمه ثورية فلان ..ولا خطبه السياسية ..بقدر ما يهمه أداءه الوزاري ..او تصرفه حين تولى ذلك المنصب السياسي ..فكم من ثائر ..تخبط حين جلس على الكرسي وضاع رصيده الجماهيري ..وكم خطيب سياسي مفوه ..اكتشفنا انه لا يجيد غير صياغة الكلام و(السواقة في شارع الهواء) ..
في حفل التوقيع وجوه ألفناها كثيراً في الماضي ..كل مرة تأتي وتوقع اتفاقية سلام مع من يجلس في سدة الحكم ..وتطالب بعدد من الحقائب الوزارية ..ومن ثم يحدث اختلاف ..فيغادر أصحابها الى الحرب مرة أخرى ..واذا دار محور سؤالك عن أسباب الخلاف ..لن تكون حول تلك المناطق التي لم تر الكهرباء ..ولا تلك التي لم يمتد اليها الاسفلت ..ولا تلك التي يموت أهلها من لسعات العقارب ..او يفتك بهم الجوع والمرض ..يغادرون ..لأن المخصصات لم تصل ..او بند السفر لم ينزل في موعده ..هل عرفتم من هم ؟ وهل عرفتم لماذا انتفض الشرق ؟؟ تمام ..الا هل بلغت ؟ اللهم فأشهد.

 

 

 

صحيفة الجريدة

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى