تحقيقات وتقارير

الطريق الثالث.. هل يقود إلى بر الأمان؟

 

يبدو أن الوضع الداخلي لا يسر، عدو ولا صديق كما يقال، كثير من نادى بتدخل العقلاء لتصحيح الوضع الداخلي وإخراج البلاد من أزماتها المستفحلة، ورغم أن البعض ظل متفائلاً بعد الثورة والتغيير الذي حدث والإجماع الذي التف حول الحكومة والحاضنة السياسية، إلا أنه بعد عام وجد أن المحصلة فشل في كل شيء باعتراف الجميع..

الوضع الداخلي كما يراه البعض يتجه نحو مصير مظلم وليس هناك على الأفق بريق أمل لحل سياسي، بعض السياسيين والمفكرين كانوا يرددون على استحياء إيجاد طريق ثالث ليس هو طريق الحرية والتغيير وليس طريق الإقصاء لأحد وإنما طريق يجمع الكل نحو هدف واحد للخروج من الأزمات.. يعتقدون بأنه من غير إجماع وطني لا يمكن للبلاد أن تنهض وفي المقابل ترى القوى الحاضنة أحقيتها في إدارة البلاد ولا تريد تكرار تجارب سابقة وبالتالي يشق عليها فتح النافذة للآخرين.

ولكن من ينظرون لهذا الوضع مثل ياسر عرمان والشفيع خضر ومناوي حتى عبد الواحد نور، يرون ضرورة قيام مؤتمر جامع للسلام بالداخل للخروج من أزمة الدولة. لذلك الطريق الثالث هو طرح وسطي يدفع كبديل لنزاع قائم وهو في نفس الوقت نظرية قائمة للقبول بالآخر لتأسيس عمل سياسي قائم على الوسطية ومحاولة للبحث عن طريق جديد. إذاً هل الطريق الثالث سيصبح المخرج المرتجى لأزمات البلاد؟.

 

مناورات

يعتبر المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب مدير مركز الراصد، أن طرح مثل هذا النوع من الأفكار نوع من المغازلة أكثر من كونه طرحاً جاداً سواء جاء من مناوي أو عرمان أو غيرهما، وقال لـ(الصيحة): هذا ليس طرحاً جاداً إنما نوع من المناورات السياسية لتحسين موقعهم في مسألة الحاضنة السياسية لجهة أن الحاضنة شبه مغلقة تسيطر عليها جماعات يسارية لا تريد فتح الحاضنة لاستيعاب آخرين، وبالتالي هذا الطرح غير مطروح، هؤلاء يريدون إعطاء القوى الجديدة نسباً في السلطة مشاركين في أجهزتها، بالتالي فتح الحاضنة السياسية هو ما لا ترغب فيه قوى الحرية والتغيير، وفي نفس الوقت القوى الجديدة لا تريد الدخول في صراع مع قوى التغيير، مشيراً لدعوة مناوي لتوسيع الحاضنة السياسية بتحالفه مع الحزب الاتحادي الأصل بالقاهرة، كذلك الجبهة الثورية لديها أذرع بالداخل وتعلم أن اليسار يسيطر على مكونات قوى الحرية والتغيير، بالتالي الطريق الثالث نوع من المناورات لتحسين وضعيتهم في الهياكل الجديدة، وقال إن الاتحادي أفضل من أن يجري خلف هذا النوع من التحالفات، ويرى محجوب أن عرمان يعلم أنه لن يسمح له بهامش الحركة، وأن ما قاله غير جاد.

وأضاف أن البعض يرى أن الحكومة الحالية قد لا تصلح لإخراج البلاد من الأزمة بالتالي لابد من التصالح مع الآخر كالإسلاميين، وهو ما ظل يطرحه الشفيع خضر عدة مرات، وكذلك الحاج وراق ولكن على استحياء، بالإضافة لذلك توجد تفاهمات بين الشعبي مع بعض القوى، الأمر الآخر لا زالت قوى الحرية والتغيير لا تريد فتح الأمر للنقاش لأنها لا ترغب في تكرار تجربة أكتوبر 67 ولذلك لا تريد التفريط في الحكم الحالي، إذاً الطرح في هذا الوقت إنما هو مناورات ولا جديد فيه.

 

مقاربات نظم

ويرى القانوني د. أبو بكر عبد الرازق، أن طبيعة المجتمع السوداني القائم على البعد القبلي تقتضي أن ينحو منحى جديداً في الحكم لا هو عسكري ولا ديمقراطي وإنما البحث عن سبيل ثالث يقوم على نظام يوحد ما بين الحرية والنظام، ويجب أن لا يكون الأول خصماً على الآخر. وقال لـ(الصيحة) السودانيون مفتونون بالنظام العسكري القائم على النظام والالتزام والقدرة على الإنجاز، فيما يعرفون عن الحكم الديمقراطي البرلماني الضعف وقلة الهيبة ويظنون أن الأمر قائم. كذلك يظنون أن الإنجاز مرتبط بالعسكري، بالتالي الطريق الثالث كما يظنه البعض كمثل النموذج الأمريكي أو الفرنسي لسمة التقارب بين النظام الاجتماعي الفرنسي والسوداني.

 

نظم وخيارات

ويقول عبد الرازق: أمام السودانيين أن يختاروا النظام البرلماني الرئاسي الذي ينتخب من الشعب رئيساً بصلاحيات تنفيذية كاملة وبرلمان بصلاحيات رقابية ومحاسبية وتشريعية كاملة بالتالي الخطوة أمام الناس الوصول إلى توافق وطني كامل دون إقصاء لأحد، لجهة أن أي إقصاء يقود إلى الحكم العسكري الرابع بالبلاد وكل من تم إقصاؤهم في تاريخ السودان قاموا بانقلاب عسكري أجهضوا التجارب الديمقراطية السابقة، وقال: الآن الفرصة أمام إجماع وطني لحكومة يرأسها رجل غير منتمٍ لأي حزب سياسي ذو كفاءة، وتستمر الحكومة مدة عام انتقالي يهيأ فيها المسرح السياسي لتحول ديمقراطي كامل لصناعة مناخ الحريات يوضع فيها الدستور يقف فيها كل أهل السودان لتأسيس الدستور المقبل الذي يجيزه المجلس التأسيسي المنتخب يرعى الأصول التي يتواضع عليها الجميع، وقال: فوز أي من الأحزاب في الانتخابات سوف يراعي هذه الثوابت الكلية والسير نحو نظام ديمقراطي رئاسي.

 

عهد التكنوقراط

ويقول رئيس حزب الوسط الإسلامي المقيم بفرنسا د. يوسف الكودة لـ(الصيحة): أنا لا أعلم طريقًا ثالثاً يخرج البلاد من إزمتها بخلاف إعادة النظر فى مكونات الحرية والتغيير وتوسعة الماعون بشركاء جدد من كافة الأحزاب السياسية حتى من شارك فى حقبة الإنقاذ عدا المؤتمر الوطني، وإبعاد ما صنعه البعض من مكونات ليست مرئية، بل لا وجود حقيقي لها من مسميات وهمية لا يمثلها غير شخص واحد أو شخصين، الغرض منها الهيمنة لفكر وتيار معين مع أهمية تكوين أجسام استشارية خارج الحرية والتغيير ترفد ما يقوم بدور الحاضنة السياسة بآراء وأفكار مفيدة.

أما فيما يخص مجلس الوزراء فيفضل أن يكون مجلس الوزراء من تكنوقراط بعيداً عن كل الانتماءات الحزبية، ليكوّن الدور الحزبي من مكون الحاضنة السياسية رأياً وفكراً لا موقعاً دستورياً، وتفعيل القانون ليتم كل تصرف من خلاله بعيداً عن ما تقوم به ما يعرف بلجنة تفكيك التمكين من إجراءات غير قانونية حسب رأيه، فالملكية الخاصة للأفراد لا تتحول من جهة إلى أخرى بقرارات ثورية، وإنما بإجراءات قانونية من خلال أحكام قضائية. إضافة إلى عدم اعتماد أي محاصصات في عملية السلام، إذ مطلوب من كل الحركات المسلحة بعد وضع السلاح الانخراط في العملية السياسية بالتحول إلى أحزاب سياسية مع الاحتفاظ بحقها في المشاركة في الحاضنة السياسية الجديدة حتى تتمكن من عملية الإشراف والتوجيه فإنها ما كانت تقاتل لتنال غير ما حصل من تغيير شاركت فيه مع المواطن، فلا حق لسوداني مميزاً عن الأخر ولا تكريم لمقاتل دون مقاتل، سواء كان القتال عن طريق السلاح أو عن الطريق المدني الذي استعجل عملية التغيير وذهاب النظام البائد.

 

الطريق الثالث

وفي مقال منشور، تحدث عن الطريق الثالث لحل أزمة المنطقتين خاصة بعد الخلاف الذي ضرب الحركة الشعبية، حيث كانت بداية الأزمة والصراع بين ثلاثي قطاع الشمال (عقار، الحلو، عرمان)، وضعنا في هذا المكان سيناريوهات ثلاثة وقلنا بأن سناريوهات سيئة تواجه القطاع في ظل تباعد مواقف الرفاق الثلاثة. وقتها قلت إن السيناريو الأول هو نجاح المجتمع الدولي والإقليمي في لم شتات القطاع، وإعادة توحيد الحركتين، واستئناف التفاوض مع الحكومة على أساس خارطة الطريق، إلا أن نسبة نجاح هذا السيناريو ضعيفة للحد الذي يجعله أقرب للاستبعاد في ظل تباين الرؤى التفاوضية بين قادة القطاع.

 

سيناريو ثانٍ

وقلت إن السيناريو الثاني وهو الأرجح عندي أن يحدث انقسام وسط الحركة الشعبية قطاع الشمال إلى جناحين أو حركتين إن شئت تسميتها، الحركة الأولى هي: (الحركة الشعبية – مجلس تحرير جبال النوبة)، أما الحركة الثانية فهي (الحركة الشعبية- جناح النيل الأزرق)، ووقتها سيكون الموقف بين الحركتين متباعداً جداً بحيث يصعب التنسيق بينهما.. فتباعد المواقف يتأتى بسبب إصرار مجلس تحرير جبال النوبة على تقرير المصير والاحتفاظ بالجيش الشعبي كما هو ولمدة عشرين عاماً، أما الجناح الثاني وهو جناح النيل الأزرق فهو يرفض فكرة تقرير المصير رفضاً قاطعاً ولا يقبل طرحها في الوقت الراهن على أقل تقدير . كما أن هذا الجناح لا يرى ضرورة للاحتفاظ بالجيش الشعبي بعد توقيع الاتفاق السياسي، لأن هذا الجناح بقيادة عقار يدعو إلى الالتزام بما وقعت عليه الحركة في اتفاق نافع عقار.

 

سيناريو ثالث

السيناريو الثالث والأخير الذي رأيناه حينها، هو أن تعجل حالة الشقاق والتباعد هذه بجناح عقار- عرمان بالانخراط الفوري لهذا الجناح في التفاوض مع الحكومة على أساس خارطة الطريق والتوصل لصفقة ما تؤدي لالتحاق نداء السودان مجتمعاً بالحوار الوطني.

بعد هذه السيناريوهات الثلاثة يتأكد للمراقب أن الأوضاع في الحركة الشعبية شمال تتفاقم كل يوم من لحظة تقديم عبد العزيز الحلو استقالته الطويلة وظهور مجلس تحرير النوبة وتقرير مصير الجبال. الآن وبعد مرور فترة من ذاك الخلاف هاهو السيناريو الثاني (الانقسام) يمشي بقدمين بيننا..!! لكنه مع تعديل جذري في المعادلة فيما يتعلق بموازين القوى.. فالحلو لم يكتف بمجلس النوبة فقط في حربه التنظيمية والسياسية ضد عقار وعرمان، فمن حظ الحلو أن مجموعة النيل الأزرق بدأت تحركها، حيث تحرك مجلس التحرير من (يابوس) وأعلن تأييده للحلو، ودعا إلى حوار حول منفستو الحركة الشعبية وتكوين الهياكل وإعادة بنائها من جديد. قطعاً فإن خلافات الحركة الشعبية قطاع الشمال تزيد من معاناة أهل المنطقتيْن، وتعطّل عملية التفاوض. فقيادات الحركة الشعبية مطالبون بحل خلافاتهم الداخلية، والتي تمثل أكبر معيقٍ لتحقيق السلام بالمنطقتيْن.

على كلٍّ، فإن قطاع الشمال ما زال في مرحلة اختبار قبل أن يعبر عن نفسه كممثل للمنطقتين، وقبل أن يحظى باعتراف فعلي داخلياً وخارجياً، وما زال أمامه عمل لتأسيس مكاتب وبناء خطة تفاوض ذات قيمة سياسية..

عموماً فإن أكثر المتضررين من هذه الصراعات التي تحركها روح التشفي بين الثلاثي هم دعاة السلام والاستقرار في المنطقتين فهم مطالبون اليوم قبل الغد بالبحث عن (طريق ثالث) يفضي للسلام ويعبر عن أشواق مواطني جنوب كردفان والنيل الأزرق الذين أنهكتهم الحرب.

 

تقرير – صلاح مختار

الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

 

 

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى