آراء

أزمة كورونا والاوجه المتعددة

شكّل فيروس (كوفيد 19) اهتماماً كبيراً لدى المواطنين السودانيين ، خاصة بعد الارتفاع الكبير الذي يشهده العالم من اصابات بفيروس كورونا ، و تزايد معدل الوفيات بصورة كبيرة في العديد من بلدان العالم رغم التدابير المشددة التي اتخذتها العديد من الدول ذات الانظمة الصحية المتقدمة و الاقتصادات الكبرى . كما أن عدد الاصابات في القارة الافريقية في حالة تزايد ، حيث اعلنت 43 من اصل 54 دولة افريقية وجود اصابات بفيروس كورونا ، الأمر الذي يطرح تساؤلاً حول قدرة الحكومة السودانية على مواجهته و احتوائه ، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الهش الذي تعاني منه البلاد منذ سنوات حكم النظام البائد ، و الذي بلا شك قد انعكس سلباً على المؤشرات الصحية و الرعاية و الخدمات الطبية و المعدات و الامدادت الدوائية و كافة المناحي الحياتية .
و رغم حالات الاصابة المحدودة بهذا الفيروس في السودان فقد سارعت الحكومة و وزارة الصحة السودانية الى اتخاذ حزمة من التدابير و الاجراءات و اعلان حالة الطوارئ الصحية لمواجهة الفيروس و منع تفشيه بشكل وبائي يجعل من الصعب تقديم العلاج اوضبط انتشاره .
لكن ما نلاحظه أن هذه الازمة ذات اوجه متعددة : صحية اقتصادية اجتماعية أمنية سياسية ، و بالتالي فإن موجهات ادارتها لابد أن تكون نابعة من هذه القطاعات مجتمعة لاحتواء تفشي هذا الوباء و الآثار الناجمة عنه ، خاصة التداعيات الاقتصادية الحادة ، و التي يمكن أن تقود الى اشكالات عنفية و تفلتات امنية ، و ربما تقود ايضاً الى زعزعة الاستقرار السياسي في حال استمرار اجراءات التعامل مع ازمة كورونا من الزاوية الصحية فقط ، و استخدام قانون الطوارئ الجزئي و شبه الكامل في بعض الولايات ( ولاية القضارف ) و استخدام القوة و الجلد و اغلاق معايش الناس لفترة غير معلومة ، دون التركيز على المعالجات و التدابير الاقتصادية العاجلة و المطلوبة لتأمين حاجات الناس الاساسية و على رأسها الماء و الصابون ، و الذي هو أس التدابير الصحية لمحاربة فيروس كورونا ، ناهيك عن لقمة العيش اللازمة للبقاء على قيد الحياة ، و ازمة الوقود و المواصلات و التي قد تحول دون الالتزام بقانون الطوارئ الجزئي ، مع الأخذ في الاعتبار أن السواد الاعظم من الشعب السوداني هم من الفئة العاملة البسيطة التي بالكاد تحصل على ما يسد رمقها من خلال يوميات قليلة لا تتناسب مع حمى الاسعار المرتفعة في الاسواق على مدار الساعة .
و مع تضاؤل الأمل في انفراج اقتصادي قريب لاسعاف الوضع الاقتصادي الهش ، و الذي سيواجه صعوبات اكثر تعقيداً في ظل الازمة الاقتصادية العالمية الناتجة عن فيروس كورونا ، و التي تشكل تهديداً وجودياً لاقتصادات الدول الافريقية بحسب خبراء الاقتصاد ، يتعين على الحكومة السودانية بمختلف هياكلها و مؤسساتها المدنية و العسكرية تسخير كافة طاقاتها و امكاناتها ، و أن تعمل بالتضامن مع القطاع الخاص و منظمات المجتمع المدني لتوحيد الجهود من خلال تشكيل شبكة عمل فاعلة
(Effective Net Work )
يتم من خلالها اعتماد خطة استراتيجة لإحتواء تفشي الفيروس و آثاره ، تتمثل في فرض حظر شامل لمدة ثلاثة اسابيع في كل انحاء البلاد ، و هي الفترة القصوى لظهور الحالات المصابة ، و التي ليس بالضرورة أن تحتاج جميعها الى رعاية صحية كاملة ، حيث تدخل المناعة عاملاً حاسما في ذلك ، و هنا يتم وضع هذه الشريحة في مراكز ايواء مهيأة تساعد على تطبيق العزل بفكرته السليمة ( فنادق، داخليات الطلاب ) ، اما اصحاب الاعراض الحاده هم الذين ستدار الامكانات الطبية المتاحة لصالحهم ، تصحب هذه الفترة حملة تنظيف و تعقيم لكافة المرافق و وسائل النقل و الطرق و الاحياء بالبلاد ، و العمل على رفع الوعي بكيفية التعامل مع هذا الفيروس من عدة منابر تتمثل في وسائل الإعلام و الهيئات الدينية و الطرق الصوفية و المشايخ و الإدارات الأهلية و الفنانين و الشعراء و المبدعين و غيرهم ، فكل منها له دوره المحوري وادواته في رفع الوعي لدى الشريحة التي يمثلها بأهمية هذا العزل و ضرورة الالتزام به ، مع توفير كافة معينات الوقاية من معقمات و كمامات و نحوه . و ايضاً اتخاذ حزمة كبيرة جداً من التدابير الاقتصادية و الامنية لتخفيف الآثار على الشريحة الكبيرة من الفقراء بالبلاد خلال هذه الفترة المحدودة ، و العمل الجاد على تأمين حاجات الناس الاساسية من السلع و المنتجات الاستهلاكية و الخبز و الدواء من خلال فتح حسابات بنكية يخصص احدها لتأمين الاحتياجات الصحية بينما الاخرى تخصص للمعينات الغذائية ( كرتونة تموين تحتوي على ارز ، عدس ، زيت ، سكر ، دقيق ، صابون و نحوه) على ان تكون الاسهامات في هذه الحسابات بنسبة كبيرة من اموال ديوان الزكاة و رصد ميزانية من وزارة المالية ، و من الشركات الكبرى و المصانع الغذائية و رجال المال ، و كذلك مساهمات المجتمع المدني على ان يتم الإستعانة بلجان المقاومة بالأحياء لتحديد الأسر المستحقة .
و بما ان المؤسسة العسكرية هي العمود الفقري للدولة الذي يحفظ سيادتها ، و مركز قوتها و هيبتها في وقت الحرب و السلم ، حيث تساهم ايضاً في حفظ الأمن الداخلي اثناء الأزمات و الطوارئ التي تواجهها الدولة ، فهي ايضاً الحلقة الاقوى في فريق خلية الأزمة فعليها يتم نزول الجيش للشوارع لحماية الممتلكات و تطبيق الحظر بكل صرامة لحماية المواطنين و ارواحهم ، كما قد يترتب عليها ادوار اخرى حسب طبيعة الازمة .
و بذلك نكون قد نجحنا في إدارة الأزمة و عززنا ثقة المواطن بحكومته و مؤسساته و قطاعاته المختلفة ، خاصة أن الفيروس لا يرتبط بفترة زمنية محددة ولا بفئة معينة ، مما يعني أن تفشيه يلخص في أن نكون أو لا نكون .

🖊️د.كوثر احمد السجان

متخصصة في العلاقات الأمريكية الصينية

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى