تحقيقات وتقارير

السودان ومواجهة “كورونا”.. فرص الصمود

ناولت صحيفة ‘ميل آند جارديان’ الجنوب إفريقية، في تقرير حديث لها التدابير التي اتخذتها الحكومة السودانية للوقاية من فيروس كورونا المستجد، وتساءلت بشأن مقدرة السودان على الصمود في وجه العاصفة التي أخضعت أكثر الأنظمة الصحية في العالم جاهزية.

 

افتراضات غير علمية:

نبهت الصحيفة في تقريرها إلى وصول الفيروس التاجي للسودان، معتبرة أنه إحدى الدول الأقل تجهيزًا للتعامل مع الوباء، وكذلك واحدة من أكثر الدول سخونة على وجه الأرض، حيث يأمل البعض في أن تكون هذه البيئة المرتفعة الحرارة غير صالحة للحياة بالنسبة للفيروس التاجي، لافتة إلى أن العلم الكامن وراء هذا الافتراض ضئيل ولا يزال بعيدًا عن التحديد، ولكن في بلد انهار نظامه الصحي، فإن التعلق بقشة أمر لا مفر منه.

وتشير الصحيفة إلى أن معدل الوفيات بفيروس Covid-19 تتراوح بين أقل من 1٪ بين المصابين في الدول التي تعتبر جيدة الاستعداد للتعامل مع الوباء، مقارنة بما يقرب من 5٪ في البلدان غير المستعدة. ومن بين الدول المُعدة جيدًا إيطاليا. التي يبلغ عدد سكانها 60 مليون نسمة، ولديها 3000 من أجهزة التهوية التي تعتبر حاسمة في إبقاء الأشخاص المصابين بالفيروس التاجي الحاد على قيد الحياة. إلا أنه على الرغم من ذلك لم يكن هذا الرقم قريبًا بما يكفي للتعامل مع الوباء.

نقص حاد:

وحيث يصعب الحصول على البيانات الحكومية في السودان، الذي يبلغ عدد سكانه 44 مليون نسمة، يقول مسؤول رفيع في مستشفى خاص في الخرطوم إنه لا يوجد أكثر من 80 جهاز تهوية في جميع أنحاء البلاد. في الوقت الذي تتوفر فيه ثلاثة أجهزة فقط في المستشفى الخاص الذي يعمل به، والذي يعتبر أحد أفضل المستشفيات في السودان.

ويشير التقرير إلى أنه لا يستطيع معظم السودانيين تحمل تكاليف الرعاية الصحية الخاصة، وأن خيارهم الوحيد في حالة المرض هو الاصطفاف خارج المستشفيات العامة في انتظار الخدمة. حتى في الأوقات العادية، تعج الشوارع خارج هذه المستشفيات ليلًا ونهارًا بأشخاص ينتظرون الحصول على فرصة للعلاج. وتنتشر بائعات الشاي وبائعو الفلافل يقدمون المشروبات والوجبات السريعة للمرضى المحتملين وعائلاتهم الذين يلتحفون لفترة طويلة الحصير أو قطع الورق المقوى.

وتقول سلمى عبد العزيز الطبيبة السودانية التي عملت في عدد من المستشفيات العامة بالسودان إنها شعرت بصدمة كبيرة عند قراءتها مقالاً يقول إن المملكة المتحدة غير مستعدة للتعامل مع الفيروسات التاجية لأنها تحتوي فقط على 4000 سرير رعاية حرجة”. مقارنة ذلك بالوضع في السودان، حيث لا يصل العدد إلى 200 سرير للحالات الحرجة، 40 منها فقط بالمستشفيات العامة، لكن الأمر لا يتعلق فقط بالأسرة وأجهزة التهوية، حيث تشير الطبيبة إلى النقص الحاد في الدواء، ومعدات الحماية الشخصية لموظفي القطاع الطبي، وقلة الكوادر الطبية، إضافة إلى عدم توفر الكهرباء حتى تواصل المستشفيات خدمتها، معتبرة أن الوضع أشبه بالسفينة التي لا تملك ما يكفي من وسائل الإنقاذ، مما يعرضها للغرق.

سوء إدارة:

وألقى التقرير اللوم على الحكومة السابقة في النظام الصحي المتهالك بالسودان، معتبراً أن هذا الوضع كان متعمداً في جزء منه، حيث ساهم في ذلك نظام حكم البشير الذي امتد على مدى 30 عاماً، وجاء ذلك بعدة طرق من بينها إهمال المستشفيات العامة، والسماح للبعض بتحقيق أرباح طائلة من خلال المستشفيات الخاصة، بما في ذلك وزير الصحة السابق مأمون حميدة، أضف إلى ذلك تخصيص الأموال العامة للقطاع الأمني والعسكري، والقوات اللازمة لدعم النظام أو خوض حروبه الداخلية العديدة.

ويرى التقرير أنه في ظل غياب وسائل العلاج من Covid-19 ، فإن منع انتشاره أمر بالغ الأهمية. حيث أغلقت المدارس والموانئ والحدود منذ أوائل مارس، وأغلقت المطاعم والمقاهي منذ نهاية الأسبوع الماضي، وتم الإعلان عن حظر التجول ليلاً. وتقدم وزارة الصحة تنويراً إعلامياً يومياً تؤكد فيه على أهمية غسل اليدين والتباعد الاجتماعي.

وأشار التقرير إلى عدة تدابير للتوعية من بينها رسائل الهاتف المحمول، التي تعمل على التنوير بخطر المرض، وطرق الانتقال، ووسائل الوقاية، فيما يقوم نشطاء لجان المقاومة الذين كانت لهم مساهماتهم في الإطاحة بنظام البشير، في توزيع المعقمات في الطرق والتجمعات.

في ذات الوقت، ارتفع سعر أقنعة الوجه إلى عشرة أضعاف، في حين لم تعد معقمات اليد التجارية متوفرة في المتاجر. ولكن في بلد تعيش فيه العائلات الكبيرة غالبًا في أماكن ضيقة وحيث يعتبر الامتناع عن المصافحة في مجتمع متماسك غير مقبول، فمن الصعب التحول عن بعض الأعراف الاجتماعية.

سلوك غير مسؤول:

ويشير التقرير إلى أن طبيب مبتدئ جاء إلى السودان عائداً من المغرب قبل أسبوعين، حيث أظهرت زوجته نتائج إيجابية لـ Covid-19 وكانت في عزلة. تناول الطبيب مخفضات الحرارة حتى لا يتم اكتشاف درجة حرارته في المطار، وذهب للعمل في اليوم التالي في مستشفاه. وبعد بضعة أيام بدأ في السعال، واشتكى لزملائه في العمل بأنه مصاب بالحمى. وعندما أدرك زملاؤه أنه كان على اتصال بشخص مصاب بالفيروس، هرب.

وقد تم احتجازه حالياً – وفقاً للتقرير – بينما تنتظر وزارة الصحة نتائج اختباره. في حين تم عزل زملائه من أطباء وممرضين وغيرهم من الطاقم الطبي.

ويرى التقرير أن العدد الحقيقي لحالات الفيروس التاجي في السودان قد يكون أعلى بكثير من الرقم الرسمي. خاصة وأن وزارة الصحة لديها بضع عشرات من مجموعات الاختبار، بعد أن ظهرت أنباء الإصابة الأولى في الخرطوم، وتقول هديل عبد الرزاق، كبير مسؤولي المشتريات في رويال كير، وهو مستشفى خاص يستخدمه النخبة من الدبلوماسيين والسياسيين والذي لديه في حد ذاته 14 سريراً فقط للعناية المكثفة والحالات الحرجة، تقول إن هنالك حاجة للأدوية المضادة للفيروسات، إضافة للمزيد من أجهزة التهوية، وسيارات الإسعاف، والمطهرات اليدوية ومعدات الحماية الشخصية للعاملين في مجال الصحة.

وبينما تُنتَظر نتائج الاختبارات الخاصة بالطبيب الشاب وزملائه، يتشبث السودانيون بمصادر أمل أخرى، فواحد فقط من بين 50 من سكان البلاد يبلغ من العمر 70 عامًا أو أكثر، والفئة العمرية هي الأكثر تأثراً بـ Covid-19. فيما يعول آخرون على ارتفاع درجات الحرارة، باعتبار أنها غير ملائمة لحياة الفيروس.

ترجمة: سحر أحمد

الخرطوم: (صحيفة السوداني)

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى