تحقيقات وتقارير

الطوارئ.. عوائق تهزم التطبيق!!

في مقابلة تلفزيونية سابقة  لدكتور جياكومو غراسيلي،(الأيطالي)، وجّه رسالة قوية إلى دول العالم مفادها: عليكم  التعامل بجدية أكثر واتخاذ الإجراءات الصحية  الصارمة بمجرد حصول الانتشار الأول (ظهور أول حالة لفيروس  كورونا لتجنب “السيناريو الإيطالي”)، وأكد أن “هناك خطراً حقيقياً للوصول إلى نقطة اللاعودة، وأضاف: عندئذٍ لن تكون فيها الموارد كافية للجميع، وقد يكون  الطبيب مضطراً لإعطاء الأولوية في وحدات العناية المركزة للمرضى الذين لديهم أعلى فرصة للبقاء على قيد الحياة، على الجميع تغيير سلوكهم وتغيير نمط حياتهم الاجتماعي.

 

ضد العادات    

ثم هنالك مثل عربي يقول (السعيد يشوف في أخوهو، والشقي يشوف في نفسه) ، وقس على ذلك…إذن  هل أصبح  السودان الأن السعيد الذي ينبغي عليه أن يتعظ من تجارب  الدول الأخرى التي سبق وقللت من خطورة الفايروس مثل (أيطاليا)، التي  وجد  الفايروس فيها البيئة المؤاتية للانفجار لاحقاً؟  ربما..! ولكن ماذا بشأن ثقافة وسلوك الشعب السوداني وبساطته في التعامل مع الأحداث، وغالباً ما تكون الطوارئ والتعقيدات الصحية  واشتراطاتها ضد العادات والقيم الإيمانية التي دائماً ما يتخذها الإنسان السوداني ذريعة لمخالفة القوانين… حتى إن الكثيرين  ومنذ الإعلان عن الاشتباه في أول حالة، ظلوا يرددون الآية الكريمة (قُل لَّن يُصِيبَنَا إِلَّا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا ۚ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) .. صدق الله العظيم، ولكنهم في ذات الوقت تناسوا نصيحة الرسول الكريم  (اعقلها …وتوكل على الله)، وهذا يبين أن التوكل يحتاج إلى تهيئة الأسباب والأخذ بها…

الأسباب والدواعي 

ولعل هذا ما جعل الحكومة تسارع للأخذ بالأسباب وتهيئتها، بإعلانها حالة الطوارئ، حتى تكون على أهبة الاستعداد مبكرًا، حتى أن متابعين تساءلوا هل تسرعت الحكومة بإعلانها الطوارئ مبكرًا قبل تفشي المرض، خاصة وأن دولاً كثيرة تفشى فيها المرض لم تعلن حالة الطوارئ حتى الآن، وأصدرت قرارات ربما سبقت بها دول كثيرة، وذلك  بإغلاق كل المطارات والمعابر باستثناء شحن المساعدات والشحن التجاري، وسط مخاوف من تفشي الفيروس، وقرر مجلس الأمن والدفاع  إعلان حالة الطوارئ في البلاد لمواجهة فيروس كورونا، وإغلاق كل المطارات والمعابر البرية.

وفي المقابل نشطت تساؤلات في منصات التواصل الاجتماعي  حول ما يعنيه هذا القرار وانعكاساته على مجريات الحياة في البلاد، خاصة في ظل الشلل الجزئي لدولاب الدولة ومنح إجازات مفتوحة  لعدد من الموظفين، بالإضافة لتعطيل الجامعات والمدارس وتصاعد المخاوف والهلع وسط المواطنين.

مطبات وعوائق

وحسب محللين فإن حالة الطوارئ الصحية تُعلَن عندما يلمس المسؤولون بالحكومة وجود حاجة ماسة للتصرف بشكل فوري، في حالات خارجة عن المألوف كالكوارث الطبيعية والأوبئة التي تخلف أعداداً مهولة من الأشخاص بحاجة للمساعدة والإنقاذ، أو تشكل خطرًا على مجتمع بأكمله، ويرون أنه بموجب حالة الطوارئ، يفوض المسؤولون للمباشرة بمساندة المجتمعات المتضررة وتوفير كافة الموارد اللازمة لكل من يحتاجها، إضافة لتوجيه الدعم المادي لاحتواء الوباء.

 ممارسات سالبة

فيما انتقد آخرون مظاهر الحياة في البلاد التي ما زالت تمضي بصورة طبيعية، دون أي تغيير في الممارسات  أو وضع ضوابط احترازية مشددة، فمثلاً مع توجيهات والي الخرطوم بالالتزام بقرار منع التجمعات في الأفراح والأتراح والمناسبات العامة والقرار الصادر بإغلاق أماكن الشيشة والتجمعات والاحتفالات، إلا أنه ما زالت هذه الممارسات تسير بصورة طبيعية، والتغيير الوحيد استعمال عدد لا يتجاوز الـ30% الكمامات فقط، وتساءلوا هل تكفي إجراءات واحترازات الحكومة ووزارة الصحة فقط لضبط دخول وانتشار المرض أم تظل العوائق والمطبات جداراً عازلاً يقيمه الموطن  نفسه أمام تحوطات الحكومة، فبالأمس خرجت مواكب، وتظاهر عدد كبير من الثوار على خلفية تأجيل إعلان نتيجة فض الاعتصام، ولا نذهب بعيداً حيث كشف خبر صدر  بالصيحة عن رفض فتيات قادمات من دول أوربية بينها أسبانيا الخضوع للعزل عبر الحجر الصحي، وهنالك عدد من الأشخاص هربوا من البص الذي كان يقلهم من أحد المعابر إلى مقر الحجز الصحي، هذا خلاف الازدحام في الأسواق والاحتفالات.

الحكومة تسرعت

قال المحلل السياسي بروف عبده مختار في حديثه لـ(الصيحة) إن الحكومة ربما تسرعت بإعلانها حالة الطوارئ مبكراً، وقبل انتشار وتفشي المرض، وقال إن الحكومة شلت دولاب العمل وأوقفت الجامعات والمدارس، وقال بأن هذا بالتأكيد يؤثر على البلاد، نسبة إلى أن الدول الأخرى تعتمد على إدارة المؤسسات إلكترونياً، وهذا لا يتوفر في السودان، وأردف: لكن رغم ذلك فإن الضرورة قضت بإعلانها باكراً نسبة لمحدودية الإمكانيات  في السودان، وأعلانها باكراً يتيح الفرصة للحكومة وتعطي صلاحيات أكبر لوزارة الصحة لإجراء الإجراءات الاحترازية اللازمة.

حالات مشابهة

تجربة السودان مع الفيروسات والطوارئ الصحية لم تكن جديدة، حيث سبق وانتشر مرض فيروس إيبولا والذي يعرف سابقاً باسم حمى الإيبولا النزفية، وينتقل إلى الإنسان من الحيوانات البرية، ويبلغ معدل إماتته نسبة 50% تقريباً، وظهر لأول مرة عام 1976، حيث تفشى في السودان وفي جمهورية الكونغو الديمقراطية، أما فيما يخص إعلان الطوارئ الصحية فهنالك حالات مشابهة داخلياً،  حيث طالبت ولاية النيل الأبيض في العام 2017 بإعلان حالة الطوارئ الصحية بالولاية نتيجة لانتشار الإسهالات المائية، إلا أن الدولة أشارت وقتها إلى ضرورة أن يصدر الإعلان من قبل منظمة الصحة العالمية، وفي العام المنصرم أجبر تفشي حمى الضنك والشيكونقونيا بكسلا الحكومة إلى أعلانها منطقة موبوءة.

تقرير: نجدة بشارة

الخرطوم: (صحيفة الصيحة)

 

اضغط هنا للانضمام لقروبات كوش نيوز على واتساب

قروبات كوش نيوز الإضافية



زر الذهاب إلى الأعلى